صدر حديثا للفيلسوف الكندي آلان دونو كتاب « الأخلاق في عصر التفاهة» عن دار سؤال، بيروت، 2025بترجمة عربية قام بها الباحث المغربي المهدي مستقيم والباحث اللبناني باسل الزين.
وقد استندت الترجمة إلى مقاربة تأويلية دقيقة للنص الأصلي، مع الحرص على الحفاظ على الروح الجدلية التي تطبع فكر دونو، دون الإخلال بخصوصيات اللغة الفلسفية الفرنسية ولا بالسياقات النقدية التي يستحضرها المؤلف في تناوله لمواضيع شديدة التعقيد والتشعّب.
يقترح الكتاب قراءة نقدية حادّة للممارسات والقيم التي تحكم الخطابات الحديثة، سواء اليمينية أو اليسارية، في سياق عالمي تسود فيه لغة الشعارات وتُطوّق فيه الأخلاق بوصفها أداة للاستهلاك أو التوظيف لا كمبدأ موجّه للسلوك العام.
جاءت الترجمة بصيغة عربية مزدوجة، أنجزها الباحث المغربي المهدي مستقيم والباحث اللبناني باسل الزين، في صيغة مشتركة استندت إلى مقاربة تأويلية دقيقة للنص الأصلي، مع الحرص على الحفاظ على الروح الجدلية التي تطبع فكر دونو.
يشير المترجمان الى أن سياق التّقديم للكتاب يقتضي الاشارة إلى أنّ «أيّ استعراض لمضامين الكتاب التّفصيليّة سيكون بمثابة إجهاضٍ لِـمُكَوِّناته، ولبناته، ومفاهيمه، وتحليلاته، إلخ. لذا يجدر بنا أن نتوقّف في تقديمنا هذا عند ثلاث محطّات رئيسة. أولاها: التّصنيف لا التّوليف؛ وثانيها: قصديّة المنظور الفلسفيّ في تنوّع الموضوعات وراهنيّتها؛ وثالثها: الكتاب بين الإبداع والتّقميش».
يشير المترجمان الى أن الكتاب لا يبحث في ماهيّة الأخلاق والنّظريّات المتحلِّقة حولها، كما أنّه لا يتناول الأخلاق في أبعادها العمليّة أو التّطبيقيّة المعتادة، بل يستنطق الخطاب ونقيضه، ويُفْصِح عن ممارساتهما بوصفها ممارسات لا-أخلاقيّة بالتّمام. أمّا مناط البُعد اللّا-أخلاقيّ هذا فيتجلّى بوضوح في تناقض الخطاب اليمينيّ مع طروحاته، وتناقض الخطاب اليساريّ مع ادّعاءاته ومراميه. بيد أنّ التّناقض لا ينحصر في إطار الأبعاد التّنظيريّة فحسب، بل ينسحب أيضًا على القضايا الرّاهنة.
يخصص المؤلف مساحة واسعة لمساءلة “أخلاق الأعمال” التي تسوّغ ممارسات قائمة على استغلال الموارد، وتدمير البيئة، وتكريس التفاوت، تحت شعارات المسؤولية الاجتماعية والشفافية والتنمية. ويرى أن مفهوم “التنمية المستدامة” ذاته لم يعد سوى قناع تجميلي لرأسمالية شرهة تستهلك الموارد وتنتج خطابا إصلاحيا لا ينعكس إلا قليلًا على الواقع.