علاقات نصّية، الكُتّاب ومترجموهم
ضمن ملحقها لصيف السنة الجارية، خصصت يومية «ليبراسيون» الفرنسية سلسلة من ستة مقالات قاربت ضمنها علاقات بعض كبار الكتاب مع مترجمي أعمالهم، وذلك في أعدادها الصادرة من 19 إلى 25 يوليوز 2025.
كان من عادة أسرة ماركس العيش وحقائبها محزومة، على أتم الاستعداد للفرار بمجرد إطلالة جزمات رجال الشرطة. مصنَّفا كمحرض ومطرودا من بروسيا، وفرنسا وبلجيكا، كان كارل ماركس، غير المرغوب فيه، يجوب أطراف أوربا، قبل أن يستقر به المقام كلاجئ في لندن، في حي سوهو البئيس حقبتها.
«قذيفة»
وهو في إنجلترا، كان الفيلسوف الألماني يشتغل بجد على تحفته، «رأس المال»، ويرعى بناته الثلاث اللائي بقين على قيد الحياة، ذلك أن ثلاثة أطفال له قضوا في سن مبكر. جيني، لورا وخاتمة العقد إليانور، الملقبة «توسي»، معجبات بوالدهن الملتحي الذي يقرأ لهن، عند حلول وقت النوم، نصوصا من حكايات غريم الخرافية أو إحدى مسرحيات شكسبير. أما مركب الأسرة، فما زال يطفو فوق الماء بفضل الإمدادات المالية لفريديريك إنجلز الذي تلقبه الفتيات بـ «الجنرال». وعند الاستيقاظ كل صباح، يكون الأفق أحمر، بينما الأحلام اشتراكية. الشقة الصغيرة للأسرة، الواقعة في دين ستريت، تتسم بكونها فضاء محوره الوالد. وتمتلك البنات، وخاصة لورا وإليانور، رغبة جامحة في التعريف بمنجز أبيهن ونشره على أوسع نطاق. وبمساعدة زوجها، الاشتراكي الفرنسي بول لافارغ، الذي سيؤلف لاحقا «الحق في الكسل» (1883)، ستنشر لورا ترجمة نهائية إلى الفرنسية لـ «بيان الحزب الشيوعي»، الذي اشترك في كتابته، سنة 1884، ماركس وإنجلز، مثلما ستسهر على طبع «رأس المال» في فرنسا، «أخطر قذيفة وُجّهت إلى البورجوازيين» وفق تعبير والدها الذي أصر على أن يصدر الكتاب في «طبعة شعبية بثمن زهيد»، لكي يكون في متناول أكبر عدد من القراء.
البنت الصغرى، إليانور، كانت هي الأخرى مخلصة للوالد مثلها مثل أختها الأكبر منها في العمر. ولذا، نجدها ترافقه في نزهاته وخلال محاضراته. وهي التي قال ماركس عنها: «توسي، إنها أنا» (وفق ما ورد في كتاب «إليانور ماركس» لصاحبه راشيل هولمز، الصادر بالإنجليزية سنة 2015، وغير المترجم إلى الفرنسية). كانت إليانور امرأة متقدمة عن عصرها، ناشطة بارزة، مناضلة نسائية ومتعاطفة مع القضية الأيرلندية، دائمة الحضور في المرافئ ومصانع الفولاذ أو تقشير البصل إلى جانب المضربين. وبعد وفاة ماركس في 1883 عقب إصابته بمرض السل، ستصبح منفذة وصية المفكر العملاق. وستتكلف، مع آخرين، بإعادة ترجمة «رأس المال» إلى الإنجليزية، علما أنها كانت تتعلم اللغات بسهولة كبيرة. مولعة بالمسرح، وهو شغف ورثته من أبيها، ستتلقن اللغة النرويجية من أجل ترجمة مسرحيات هنريك إبسن (ومنها «عدو الشعب»، 1882). وكان حب الاستطلاع لديها لا ينضب، مثلما أنها صاحبة إحدى أولى ترجمات «مدام بوفاري» إلى الإنجليزية.
سمّ
تُذكِّر نهاية إليانور ماركس، على غرار انعكاس في مرآة، بنهاية بطلة فلوبير. فبعد خيانة عشيقها، إدوارد افلينغ، لها وزواجه سريا بممثلة شابة، ستنتحر في سن ثلاث وأربعين سنة، عن طريق تجرع أحد السموم. وتتم حاليا، وشيئا فشيئا، إعادة اكتشاف إرث هذه المناضلة من أجل الحقوق العمالية ورائدة الفكر النسائي، التي ظلت طويلا خلف ظل الرجال، بينما ترك والدها إرثه بين أياد أمينة، يديها.