في مكان آخر من حياتي
كنت سأفتحُ للصباحِ كلَّ ما يليقُ لأرى القديمَ مني
حولَ أبراجِ أخطائِي
كالوقت سأكون خفيفا على غيم الوردِ أبني فوق المساء
هدنةً
كي لا يحارب أحد،
كي لا يكون الشِّعرُ وصفاً لمقهى يُطلُّ على زياراتي القليلةِ للحب.
ولا على مسوداتي التي أَخْطَأَها الكلامُ
كلُّ الكلامِ الذي لم يكن يمضغُ ما يلزمني من حياتي.
الآن سيكفي أن أرى
كل شيء هادئا، ولست مهتماً لأرى الذين لم يعتذروا للسماء
والذين هاجروا،
فقليلٌ من الصيف يجعل الحياةَ تجفف ما ينصتُ له الماءُ من شرفة كلام ربما سيخطر في بالي
لو كنت كما الآن شاعرا ينبغي له أن يكون صوتَ الآخرين
الذين عادوا سالمين..!
هذا شأني الشخصي
لا تلموا الزمنَ الآخرَ
أنا واحدٌ
عابرٌ بين العابرين،
ذهبتُ إلى ما يكفي مرورَ ما يَنقُصُني؛
لأني من صنعِ البحر
مالحاً، مريضاً، ضاحكاً على وصف ما كنت أحلم
فوضويا، يؤدي كعادتِهِ حقَّهُ من رائحةِ الخبزِ
من معنى ماءٍ على كتف السماء
هذه السماءُ على أي جِنسها سيكون لي حاضرٌ آخرٌ
فربما غدا أكون حلماً يَفعلهُ الخائفون في سماء سكّانُها
يفضحون
يفتحون
كلاماً نازفا بلا انتباه على غريزة امرأةٍ مؤجلٌ دمُها..
مؤجلٌ أنا، قلبي مليءٌ كي لا يؤنسَ الله بي أحدا
في وليمةِ الموت
في قيامةِ كلِّ ما فكرت فيهِ، أن أموت الآن باكرا
لا جواب لي سوى هذا الألم
يحنو قليلا
يُطفِئُ صورتي من حادثة الصدى
يقول:ستبقى هنا..!.
وفي وسعكَ يا إلهي أن تربي حصتي من ضوء قدر هذا الكلام
من طريق غابة لا ألقاه
من شوق مأساةِ ما سيأتي
ومن بحرِ ما سيَعبرُ الحالمون على جوانبه من وقت لغة أخرى
غداً..
غداً يا إلهي سأقرأ شعرًا
لمن لن نراه غدًا..!
شعرا من ريح حديثنا
من صدى ما يتسع في زمن انكسارِنا
هكذا يولدُ الشعرُ دائريا، يطول بليلِ لغتنا
إلى الماضي كأي شيء يحملهُ الوردُ على معنى طائشٍ، ضيّقٍ
عكس صوتِ المطر
عكس إباحيةِ الحنين في ما لا يحصى
عكس ما يتركُ العاشقان على جذع بلد، صاغرين حتى مَغِيبِ ما تطلبون منّي
الرجوعَ إلى مديح الكنيسة
إلى غدنا، ومن غده يتصاعد جرسُ تاريخٍ سيكفي قليلا أن يعتذر ولو على سعال ما يحملني
إلى طفولة أخرى، تلامس بخفةٍ أشياءَ الملحِ
وأغنياتٍ سيحملها مكانُ الْغَدِ
كالأشجار في حكمتها
كالأزهار التي لم يبلغها الغرباء
كالمسافات أبطأَ من آخرها..
كالغيمات
لم يبق لي من مجهولها سوى التقمُّصُّ..
يا إلهي يوجعني أن تُطلَّ عليَّ
وأنا في ملء الغياب
في ملء المساء، أفعلُ كالمرايا أقلدُ الإشارات
وهذا الصمتُ مَنْ يؤدّي الدّورَ كالظل
يمرُّ جسدا كما هو، جسدا بحياتهم، جسدا بحياتي..
وفي ملء التشابه أتركُ الماضي
عما قليل سينتحبون مثلي كي يَحْلُموا بحياة مغايرة بلا بُحَّةٍ في شهوتِها
في وداعها..
عما قليلٍ، في ليلٍ قصيرٍ
سينتحبون إلى ما يحدثُ في سماء الأرض
وما يحدث في ذكرى تَصنعُ بغرائزها قيلولةً
يَقيسون على ميلادِها شمسَ المساكين الفقراء، ريثما تنهي دورتها على صفاء ذهن الخيال.
يا إلهي
حياتي دورةُ موجِ البحرِ
ملحٌ يمتص ما تفعلهُ وظيفةُ قصيدتِكَ
أَتبللُ فيَّ ما تبقى من ليل قادمٍ من بعيد، من بريد يؤثثُ لِاسْمي طريقتَهُ في الكلام
هذا ما أتذكره الآن من حياتي القديمة.
لأمي حقيقةُ القيامة، من أحلامٍ تخزن واقعنا الجميل،
يا أمي يسامِرُنا هذا الشِّعرُ كي أتدبرَ أمرِي كأي شاعرٍ
في الثلاثينَ من غده
يعبرُ إلى ما يتذكرُه من مكان ليس له
من ليل يسكن غرفته سيبقى على حاله
من آخره إلى ما سيحدث بعد قهوةِ الظهيرة
يمر الهواءُ مبكراً خلف نعاسِ الخريف
وحده طقسُ القصيدةِ يوقظُ النائمينَ
وحده
يفكر في غده كي يعانقني لاجئاً
أُطِلُّ على ماذا سيحدث من جديد
على منْ سيبدأُ من قديم، وأزلية هذه الأرض
أنها ضيقةً
كالتواريخ التي تتجمع بداخلنا بؤرةٌ لا مكان لها، وفوضى تذكرنا أننا ننتهي من وقت مصائِرنا كأسمائِنا
كالورودِ
يُنَقَّحُ لونُها لكلِّ الأشياءِ المؤجلةِ.. المُوجِعَةِ
كالانتظارِ يغفو على أمل حياةٍ هناك
نغفو لنفهم تكنولوجيا جديدةً تصدقُ صورتَنا الباكية
ولا تصدق جاذبيةَ الأرضِ من قبلاتِنا
تغوينا الأرضُ بالنّجاةِ وفي أبديتها يُدْفَنُ القتيلُ مع ضحيتِه سويا
وعلانيةً لا يعاديها أحد
لا يعاديها إله..
الأرض ضيقةٌ ككلام المسافرِ من كثافةِ المسافةِ
والمعنى..
يقتسمان معا لنفسهِ الأرضَ كما لو أنه سيودِّعُ قلقَهُ بسؤالي
إلى ما وراء المدى
أفتش عن الندى، منذ ثلاثة عقود تطيرُ أعلى لتذكرني
أن أوَّلَها
نقصانٌ كلما أُصِبتُ بالحياد
ككل المسافرين في المحطة أحملُ احتمالاتٍ كثيرةً
لسماء واسعةٍ أكبرُ من مهارةِ الوضوحِ
سماءٌ تدحرجُ احتراقَها على مسافةِ الأرضِ كي تصحو القيامةُ إلى كل المتلهفين.
الأرض ضيقة، في كامل اعْوِاجَجِها تُضيءُ المتناثرَ
والمتطايرَ منا
بخفة فناءِ أسمائِنا..


