مع اقتراب نهاية شهر رمضان، يعيش المغاربة أجواء مميزة تجمع بين الروحانية والفرحة استعدادا لاستقبال عيد الفطر. وبينما تمتلئ المساجد بالمصلين، تشهد الأسواق والمنازل حركة نشطة تعكس حماس المواطنين لهذه المناسبة الدينية والاجتماعية المهمة.
وداع رمضان .. ما بين تكثيف العبادات وتعزيز التكافل
يحرص المغاربة خلال الأيام الأخيرة من رمضان على الإكثار من العبادات، خاصة في العشر الأواخر التي تحظى بمكانة روحية مميزة، حيث تزدحم المساجد بالمصلين، ويكثر الدعاء وقراءة القرآن، فيما تخصص ليلة السابع والعشرين لإحياء ليلة القدر، إذ يقضي الكثيرون ليلتهم في القيام والتضرع إلى الله.
وإلى جانب البعد الروحي، يزداد الإقبال على الأعمال الخيرية، حيث يبادر الناس إلى إخراج زكاة الفطر، التي تُعدّ فرضا دينيا، يسعى من خلاله المسلمون إلى تطهير صيامهم ومساعدة المحتاجين، هذه الزكاة التي تكون في الغالب على شكل مواد غذائية أو مبالغ مالية، توزع على الفقراء لإدخال الفرحة إلى قلوبهم يوم العيد كغيرهم من الناس.
التحضيرات للعيد: بين الأسواق والمنازل
ومع اقتراب يوم العيد، تنشط الحركة في الأسواق التي تغص بالمشترين، حيث يحرص الكثيرون على اقتناء ملابس جديدة، خاصة للأطفال الذين ينتظرون هذه المناسبة بشوق كبير. كما تزدهر محلات الحلويات التقليدية مثل «كعب الغزال»، و»البريوات»، التي تُعدّ جزءا أساسيا من مائدة العيد المغربية.
أما في المنازل، فتبدأ النساء في تحضير الأطباق الخاصة بهذه المناسبة، فيما يُنظف البيت ويُزيَّن لاستقبال الضيوف. وتُعتبر هذه الاستعدادات جزءًا من تقاليد العيد التي تعكس روح الفرح والاحتفال.
العيد .. أجواء احتفالية وصلة رحم
يبدأ العيد بصلاة جماعية في المصليات والساحات العامة، حيث يجتمع الناس في أجواء روحانية بديعة، مرتدين ملابس العيد ومتبادلين التهاني. بعدها، تنطلق الزيارات العائلية، حيث يجتمع الأقارب حول موائد الإفطار التي تزخر بأشهى المأكولات التقليدية.
ويحظى الأطفال خلال هذا اليوم الاستثنائي بالنسبة للكثيرين بنصيب وافر من البهجة، إذ يتلقون «العيدية» والهدايا، ويرتدون ملابسهم الجديدة بكل فخر. كما تُخصَّص هذه المناسبة لمواساة المحتاجين، حيث تُوزَّع المساعدات لضمان احتفال الجميع بالعيد بفرح وسعادة.
العيد بين الماضي والحاضر
رغم تمسك المغاربة بالكثير من العادات والتقاليد، إلا أن بعض مظاهر الاحتفال تغيرت مع الزمن، خاصة مع تأثير الحداثة والتكنولوجيا. فقد حلت وسائل التواصل الاجتماعي محل الكثير من الزيارات التقليدية، وأصبح البعض يعتمد على الحلويات الجاهزة بدلًا من تحضيرها منزليًا، وبات خروج العائلات إلى المقاهي والمطاعم جزءا من الاحتفال، خاصة في المدن الكبرى، بينما كان العيد في الماضي مناسبة للبقاء في المنزل واستقبال الضيوف. ورغم ذلك، لا تزال روح العيد في المغرب قائمة على قيم التكافل، الفرح، وصلة الرحم، حيث يُعتبر العيد فرصة لإحياء العلاقات الاجتماعية وتعزيز الروابط العائلية.
يُعدّ عيد الفطر في المغرب أكثر من مجرد مناسبة دينية، فهو يجمع بين الروحانية والاحتفال، بين العادات العريقة والتغيرات الحديثة. وبينما يودّع المغاربة رمضان بحزن وامتنان، يستقبلون العيد بفرح متجدد، حاملين معهم ذكريات الشهر الفضيل ومتطلعين لأيام مليئة بالمحبة والتآخي. وبهذا يظل عيد الفطر، احتفالا بالحياة والتواصل، ويحمل في طياته روح رمضان و عبقه، و ينعكس على المجتمع بتعزيز روح التضامن والمحبة.