الأطباء يضطرون للاختيار بين مرضى كوفيد 19 بسبب امتلاء أسرّة الإنعاش

 

أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل 3170 حالة إصابة جديدة في صفوف المصابين بفيروس كوفيد 19 مساء أول أمس الاثنين، ضمنها 1177 حالة بجهة الدارالبيضاء سطات، وتم تسجيل 50 حالة خطيرة جديدة مما رفع عدد الحالات الحرجة إلى 959 حالة في حين بلغت نسبة ملء أسرّة الإنعاش 36 في المئة. نسبة تبتعد كثيرا عن الواقع الفعلي إذ لا يجد عدد كبير من المرضى مكانا للاستشفاء بمصالح العناية المركزة والإنعاش ويواجهون بكونها ممتلئة عن آخرها، سواء تعلق الأمر بالمستشفيات العمومية أو حتى ببعض المصحات الخاصة المعدودة على رؤوس الأصابع التي أضحت تتكفل بهذا النوع من المرضى، مما يعرَّض حياتهم للخطر ويكونون مهدّدين بالموت.
واقع قاتم يوضح بعضا من أسباب الحصيلة اليومية المريرة للضحايا الذين يفارقون الحياة، آخرها تسجيل 84 حالة وفاة مساء أول أمس الاثنين، وهو العدد الذي أضحى معدلا يوميا بل ومرشحا للارتفاع، لأن عددا من المصابين يصلون إلى مصالح الإنعاش والعناية المركزة في وضعية جد حرجة وخطيرة بشكل متأخر مما يؤدي إلى وفاة العديد منهم لحظات بعد وصولهم، في حين لا يجد غيرهم مكانا، وهو ما يبين على أن التأخر في العلاج والتكفل بالمرضى ليس بالضرورة مرتبطا بترددهم وذويهم، لأن عددا من الحالات المصابة بتداعيات وخيمة لم تجد مكانا لها، ووقفت «الاتحاد الاشتراكي» على بعض هذه الأمثلة، التي تعذر عليها ولوج المستشفى لإنقاذ حياتها.
تعذر توفير سرير بمصالح الإنعاش والعناية المركزة بسبب ارتفاع الطلب عليها، بات يدفع الأطباء إلى خيار صعب يتمثل في اختيار من له أولوية الولوج إلى سرير إذا ما توفر، بناء على عدد من المعايير، وهو الأمر الذي يضع مهنيي الصحة في وضعية نفسية أخلاقية وإنسانية جد صعبة، فيعيشون ألما رهيبا بسبب هذا الوضع، وهو ما تفسّره تدوينة للبروفسور محمد موهاوي، رئيس مصلحة مستعجلات مستشفى ابن رشد في الدارالببيضاء الذي كتب وهو يصف حالة مماثلة « إنها قصة أب وابنه، وصلا في وضعية خطيرة وحادة بسبب الاختناق والنقص المهول في الأوكسجين جراء الإصابة بالفيروس اللعين! المشكلة أن هناك مكانا واحدا شاغرا فقط  في الإنعاش! فمن تختار؟ وهما معا على نفس درجة الإصابة بناء على فحص «السكانير» ونفس درجة الاختناق! لكن يجب الاختيار مابين الأب وابنه؟ فيأتيك السؤال: أستاذ من نوجّه للإنعاش ؟ سؤال بالغ الأثر، من سأختار ؟ ولما يجب علي الاختيار؟ هل ترون هذا الأمر سهلا؟  وضعية تجد نفسك خلالها في حيرة ويجب في نفس الوقت أن تحتفظ بتركيزك، في الأخير اخترت واحدا منهما، لن أقول من هو ! لكن بعد ساعتين فقط وتحت إلحاح كبير، مصالح الإنعاش قاموا وبذلوا أكثر من المستحيل لكي يخصصوا مكانا إضافيا  فوق الطاقة الاستيعابية للتكفل بالمريض الثاني! عدا ذلك، ما كان بإمكاني أن أستطيع النوم، الحمد لله تم التكفل بهما معا، الحمد لله. وهذه الواقعة هي جزء يسير مما نعيشه كل يوم في ظل هذه الجائحة البئيسة، فلنعتبر».
وفي سياق مماثل، أوضح أحد مهنيي الصحة العاملين في المجال، أن تأخر التشخيص وضياع مدة زمنية ثمينة بين التردد والتراجع والتهرب من التحاليل المخبرية قبل التأكيد من أن الإصابة بالفيروس، إن لم يستحوذ على الجزء الكبير أو النصف من الرئتين  حسب ما يظهره الفحص بجهاز سكانير، مما يسبب نقص مستوى الأوكسجين في الدم والذي ينزل إلى مستوى أقل من 87%، هو أحد أسباب الانتكاسة التي يتم تسجيلها خلال الأيام الأخيرة، مبرزا في تدوينة له هو الآخر، «أن نقص الأوكسجين الذي يصل إلى «الأنسجة»، وهي المرحلة الثانية التي تكون نتاجا لنقص الأوكسجين في الدم، هو ما قد يؤدي لا محالة إلى حالة «عوز» الأوكسجين في الجسم، ما يجعل المريض يشعر بصعوبة التنفس وسرعته وأحيانا بانقطاعه، وهو يعتبر مؤشرا قويا على أن الجهاز التنفسي متعب ومجهد»، مضيفا «لكم أن تتخيلوا أن أغلب المصابين بهذا الوباء الذين يوضعون تحت المراقبة داخل المستشفى، تكون هذه المرحلة قد بلغت عند الكثيرين إن لم يكن يعانون من أمراض مزمنة كضغط الدم والسكري والقلب… دون أن نستثني العامل الأساسي الذي هو العمر «المسنين»، أما من يوضعون في قسم الإنعاش فأغلبهم أو جميعهم يكون مستوى الأوكسجين في الدم قد تدهور إلى 70% …ما يجعل المرء في حالة خطيرة لاشك فيها، وإن تبين عدم تحسن حالته بالأدوية والأوكسجين، فإن الأمر يصل إلى وضع المريض تحت التنفس الاصطناعي وما يليه من مراقبة وعناية مركزة… وهنا تكون نسبة النجاة ضئيلة جدا».
هموم يومية في مواجهة الحالات الصعبة بسبب تداعيات فيروس كوفيد 19، أضحى مهنيو الصحة يتقاسمونها علنا وعلى صفحاتهم الفيسبوكية، لعلّها تكون واعظا ورادعا للبعض من أجل تطبيق صارم وفعلي للتدابير الحاجزية الوقائية، التي تعتبر السبيل الوحيد لتقليص دائرة انتشار العدوى، في انتظار الانتقال إلى مرحلة التلقيح ضد الفيروس التي تعتبر الأمل الوحيد لمواجهة المدّ التصاعدي للجائحة التي أصبحت أكثر ضراوة.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 11/11/2020