الأغلبية تسعى للالتفاف على مطلب لجنة تقصي الحقائق يكفلها الدستور «الفراقشية» تحولوا إلى قوة ناعمة تسيطر على مفاصل الاقتصاد الوطني

المعارضة جاهزة ومطلب ملتمس الرقابة أضحى أكثر إلحاحية ووجاهة

الأسباب القانونية لتهرب الأغلبية من إجراء دستوري مكفول بالفصل 67 

 

في محاولة التفاف غريبة على مطلب المعارضة البرلمانية مضمون بالفصل السابع والستين من الدستور، ويشكل عمادا للرقابة البرلمانية في محاربة الفساد وكل أنواع الانزياحات خارج القانون، لجأت الأغلبية الحكومية إلى تقديم طلب تشكيل مهمة استطلاعية مؤقتة، للوقوف على تدبير برامج دعم استيراد الأبقار والأغنام واللحوم، ومدى تحقيقها للأهداف المسطرة، في ظل الجدل المتزايد حول انعكاس هذا الدعم على الأسعار.
ودعت فرق التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، والدستوري الديمقراطي الاجتماعي، من خلال المراسلة الموجهة إلى رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية، إلى القيام بهذه المهمة، معتبرة أنها تدخل في إطار تفعيل الرقابة البرلمانية وتعزيز حماية القدرة الشرائية للمواطنين.
وكانت المعارضة قد انتبهت لخطورة ما يُروّج له رسميًا وحكوميًا من تبادل تهم حول اختلال وتوزيع الريع، وفي هذا السياق أعلن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، دخوله على خط التحقيق في الشبهات التي تحوم حول ما بات يُعرف إعلاميًا بملف «الفراقشية»، الذين يُرجّح أنهم راكموا أرباحًا بملايير الدراهم بفضل استيراد الأغنام والمواشي بدعم سخي من المال العام، تحت ذريعة خفض الأسعار وامتصاص موجة الغلاء.
غير أن الواقع، حسب ما يُروّج في الأوساط الشعبية والسياسية، لم يكن سوى نزيف جديد في خزينة الدولة لفائدة قلة قليلة متنفذة، تُتهم باستغلال السياسة كغطاء لمراكمة المصالح.
وأكد الفريق الاشتراكي انخراطه في مبادرة تشريعية لتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق، قصد الوقوف على ما جرى وترتيب المسؤوليات القانونية، بعد أن نال الملف إدانة أخلاقية واسعة من قبل المواطنين، تجلت بقوة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، قال عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي، إن “الفريق لا يمكنه إلا أن يكون إلى جانب كل المبادرات الرامية إلى تقوية العمل المؤسساتي وتعزيز التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية”.
وشدد على أن “المؤسسة البرلمانية مطالبة بتحريك مختلف آليات المراقبة والتتبع، خاصة حين يتعلق الأمر بمال عام تم تسخيره لهدف اجتماعي نبيل، ثم تبين لاحقًا أنه استُغل من طرف جهات محددة لتحقيق منافع شخصية”.
وأكد شهيد أن الفريق الاشتراكي منخرط بقوة في مبادرة تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول الدعم الموجه لاستيراد المواشي، وهي المبادرة التي أطلقتها فرق المعارضة الثلاث: الفريق الحركي، فريق التقدم والاشتراكية، والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية.
وأضاف أن التضارب الكبير في الأرقام والمعطيات التي قدمتها أطراف من الأغلبية الحكومية، يُحتم على البرلمان أن يتحرك بحزم لكشف الحقيقة كاملة، والتأكد من مدى نجاعة هذه الإجراءات، ومردوديتها على المواطنين، وليس فقط على فئة «محظوظة» من المستوردين.
ويأتي هذا التحرك بعد الجدل الواسع الذي أثارته سياسة دعم استيراد الأغنام، والتي شملت إعفاءات جمركية وضريبية، فضلًا عن دعم مباشر للمستوردين خلال عيد الأضحى لسنتي 2023 و2024، بتكلفة مالية تُقدّر بمليارات الدراهم.
وطرحت تساؤلات عدة حول عدد المستفيدين الفعليين من هذا الدعم، ومدى احترامهم للضوابط القانونية، ومدى انعكاس هذا الدعم على الأسعار في السوق الوطني، الذي لم يشهد أي انخفاض يُذكر في أسعار اللحوم، بل سُجلت أحيانًا ارتفاعات غير مفهومة.
من جهتها، أكدت فرق المعارضة أن الهدف من تشكيل لجنة تقصي الحقائق لا يقتصر فقط على كشف الأرقام، بل يتعداه إلى مساءلة الطريقة التي يُدار بها المال العام، ومدى احترام مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص والعدالة في الاستفادة من التدابير الحكومية.
وبينما يُنتظر أن تفتح هذه المبادرة الباب أمام نقاش سياسي ومؤسساتي حاد داخل البرلمان، يتابع الرأي العام الوطني الموضوع بكثير من الاهتمام، خاصة في ظل تزايد الأصوات التي تطالب بالمحاسبة، وربط المسؤولية بالمساءلة، حمايةً للمال العام، وإنصافًا للمواطنين الذين عانوا من الغلاء دون أن يلمسوا أثرًا مباشرًا لهذا الدعم المثير للجدل.
وأكدت مصادر برلمانية من المعارضة للجريدة أن مبادرة الأغلبية «حق يُراد به باطل»، وتعطيل لنص دستوري ينظم مبادرة تقصي الحقائق، والتي يُعطيها قوة قانونية، حيث إن الدستور يمنح حق تشكيل هذه اللجان حصريًا لجلالة الملك والبرلمان ومجلس المستشارين، ومشروطة بالثلث.
وأضافت مصادرنا أن الحكومة تحاول طي الملف عبر لجنة غير منصوص عليها دستوريًا، وليس لها صلاحية حتى لعرض نتائجها على الجلسة العامة.
ومن جهته، أكد مصدر مطلع أن المعارضة ستكون جاهزة في حدود يوم الجمعة بتوقيعات برلمانييها، والشروع الرسمي في الإجراءات القانونية، مع احتمال اللجوء إلى خيارات أخرى، منها ملتمس الرقابة، لفضح ما يجري من عبث في المال العام، وإطلاق يد ما يُسمى بـ»الفراقشية» للاستيلاء عليه.
وأكد مصدرنا أن سياسة «الريع» تسجل في العديد من القطاعات، والتغاضي عن الظاهرة وحمايتها، يُؤكد أنها أضحت ضمن منهج التغلغل الحكومي القائم على تقاسم المكاسب والمغانم خارج القانون، وأن الأمر انتقل من الوزيعة السياسية إلى الاقتصاد في كل مفاصله
وتُعد الرقابة البرلمانية إحدى الركائز الأساسية للديمقراطية، ومن أبرز أدواتها في النظام الدستوري المغربي لجنتا تقصي الحقائق واللجنة الاستطلاعية. ورغم اشتراكهما في الهدف العام المتمثل في تعزيز الشفافية ومساءلة المؤسسات، فإن بينهما اختلافات جوهرية من حيث الأساس القانوني، طبيعة المهام، والصلاحيات الممنوحة.
أولًا، من حيث الإطار القانوني، تستمد لجنة تقصي الحقائق مشروعيتها من الفصل 67 من دستور 2011، وهي مؤطرة بالقانون التنظيمي رقم 13.085 المتعلق بطريقة تسيير لجان تقصي الحقائق. أما اللجنة الاستطلاعية، فهي غير منصوص عليها في الدستور، بل يُؤطرها النظام الداخلي لمجلس النواب، وتحديدًا في المواد من 107 إلى 111، ما يجعلها أقل قوة من الناحية القانونية.
ثانيًا، يختلف هدف كل لجنة: فبينما تُحدث لجنة تقصي الحقائق بغرض التحقيق في «وقائع محددة» لها طابع عام وتثير إشكالات تدبيرية أو اختلالات، فإن اللجنة الاستطلاعية تُنشأ لأجل «جمع المعطيات» حول وضع معين أو قطاع محدد دون أن يُفترض مسبقًا وجود اختلالات.
ثالثًا، من حيث الصلاحيات، تتمتع لجنة تقصي الحقائق بسلطات واسعة تُشبه إلى حد كبير صلاحيات التحقيق القضائي، من بينها الاستدعاء، الاستماع تحت القسم، والولوج إلى المعطيات الإدارية. في المقابل، تظل صلاحيات اللجنة الاستطلاعية محدودة بالاستماع والاستعلام، دون أية إلزامية قانونية للتجاوب من طرف الجهات المعنية.
رابعًا، في ما يخص النتائج والمآلات، يُمكن أن تُفضي أعمال لجنة تقصي الحقائق إلى إحالة الملف على القضاء في حال وجود شبهة فساد أو اختلال جسيم، ويُرفع تقريرها إلى الملك ورئيس الحكومة وتُنشر نتائجه. بينما تكتفي اللجنة الاستطلاعية برفع تقريرها إلى اللجان البرلمانية المختصة، ويظل تأثيرها سياسيًا أكثر منه قانونيًا.
وفي الأخير، يمكن القول إن لجنة تقصي الحقائق تُشكل أداة رقابية ذات طابع شبه قضائي، تُستعمل في القضايا الكبرى ذات الطابع الوطني.


الكاتب : مكتب الرباط:  محمد الطالبي

  

بتاريخ : 11/04/2025