لا يمكن الحديث عن تطور الأغنية المغربية العصرية دون التطرق إلى روادها وفي طليعتهم الموسيقار الراحل عبد الرحيم السقاط ومحمد فويتح ومحمد بن عبد السلام وغيرهم من الرواد المبدعين الذين جعلوا من الأغنية المغربية العصرية نموذجا يضاهي في روعته الأغاني الشرقية.
ولعل ما ميز الفنان عبد الرحيم السقاط هو ثقافته الواسعة وتذوقه للشعر والزجل، فبعد حصوله على البكالوريا سنة 1953 من ثانوية مولاي ادريس بفاس، شد الرحال إلي باريس بإيعاز من صهره الشاعر الملتزم محمد الوديع الآسفي، الذي لاحظ نبوغه وموهبته الفنية ومنها إلى القاهرة ليلتحق بجامعة فؤاد الأول وحصل منها على أعلى شهادة في الموسيقى.
بعد الاستقلال عاد إلى المغرب واضعا كل طاقاته ومواهبه وخبرته الفنية لخدمة الموسيقى المغربية، فتغنى باستقلال الوطن، ليضع بعد ذلك أول مولود فني متطور للموسيقى المغربية العصرية، حيث لحن أغنية «علاش ياغزالي» كلمات الزجال المتألق الراحل احمد الطيب العلج وغناها الفنان الراحل المعطي بنقاسم، هذه الأغنية التي هزت عواطف الشعب المغربي لعذوبتها وبساطتها وروعة لحنها، ويمكن الجزم أنها كانت بداية الانطلاقة الحقيقية للأغنية المغربية العصرية.
كان هذا النجاح الجماهيري لهذه الأغنية حافزا له لمواصلة التجديد والعطاء، ونمت مسيرة السقاط الفنية، وبنموها تفتقت براعم المولود الجديد في إطار الأغنية العصرية وتعددت إنتاجاته وألحانه، فقدم أروع الأغاني من ضمنها «بلغوه سلامي» التي أداها المطرب عبد الوهاب الدكالي و«كاس البلار» التي أداها فتح لله المغاري و«صدقت كلامهم» و«هدى لي صورة» لعبد الهادي بلخياط و«الخاتم» لنعيمة سميح، و«أنا خايف من الحب» و«نارو» التي أداها الدكالي و«نادت عليك» و«أيام الربيع» التي استوحي كلماتها من فن الملحون، وغير ذلك من الأغاني العصرية الجميلة التي قدمها للمطربين المغاربة في طليعتهم محمد الحياني في قطعة «المشموم» و«ما بقيت عندي فالبال» التي غناها المطرب الحبيب الإدريسي وصولا إلى قمة إبداعاته الموسيقية، التي توجت بالقطعة الخالدة «قطار الحياة» كلمات الراحل حسن المفتي، هذه الأغنية التي لاتزال تحظي بشعبية كبيرة رغم مرور أكثر من أربعة عقود على تلحينها وكذا أغنية «البوهالي» التي أداها عبد الهادي بلخياط إلى غير ذلك من الروائع التي يضمها ريبيرطواره الغني.
لم يكن اهتمامه منصبا علي تلحين القطع الزجلية، بل إن اهتمامه انصب أيضا على تلحين القصيد وتعامل مع كبار الشعراء العرب والمغاربة في طليعتهم الراحل نزار قباني.
وحول هذا الموضوع، يقول الناقد الفني الراحل محمد الزموري.. إن عبد الرحيم السقاط جمع بين الحسنيين فكان مبدعا إلى حد كبير، بل إن أغانيه كانت تحدث عند ظهورها صدى واسعا لدى الجماهير المتذوقة للفن الرفيع، واعتبر قصيدة «وشاية» التي لحنها للدكالي، شعر نزار فباني، قمة إنجازاته وأجمل ما وصلت إليه الأغنية المغربية المعاصرة سواء من حيث شعرها وموسيقاها، اذ يستهل الأغنية بمقدمة موسيقية تصويرية هي الأطول من نوعها بعد المقدمة الموسيقية لـ «القمر الأحمر» لعبد السلام عامر.
وسار على منواله مجموعة من الرواد في طليعتهم الراحل محمد افويتح صاحب الحنجرة الذهبية الذي أبدع أغنية «او مالو لو» الشهيرة، التي يقول مطلعها «حطيت الطبيلة حطيت الكيسان…» وأغنية «لسمر» وأغنية «لشقر» و«توبة ياقلبي» و»حب الناس» و«حتى حد من غيرك»، غير أنه كان يفضل أداء أغانيه التي يضعها، وكان رقيق الإحساس والحدس عند تسجيل قطعه الموسيقية، فهو لم يكن يقبل أية هفوة ولو كانت صغيرة من طرف العازفين الذين كانوا يحتاطون عند تسجيله لأية قطعة باستديو أحمد الشجعي بمحطة إذاعة فاس رفقة جوقة إذاعة فاس أنذاك.
ومن بين الرواد، أيضا، الفنان المثقف رفيق الراحل عبد الرحيم السقاط في القاهرة، الذي درس الموسيقي واحتك بأكبر الفنانين بمصر، الراحل محمد المزكلدي صاحب الأغنية الشعبية المشهورة «العروسة ،وأغنية «علاش ياوردة قطعوك»وغيرهما من الأغاني المحبوبة، وقد ترك الراحل مجموعة من ألاغاني تحتفظ بها خزانة الإذاعة الوطنية، وكذا عبد العاطي أمنا الذي كون ثلاثيا نسائيا وهي بادرة أولى في تاريخ الأغنية المغربية المعاصرة، هذا الثلاثي الذي غني أجمل ألحان عبد العاطي التي لقيت نجاحا كبيرا، ومن أشهر أغانيه «حبها عاد»، و«رسالة مجهولة»، و«رمضان هل هلالو»، و«قالو الكمرة»، و«هذي ثلة أيام» وغيرها من الأغاني الجميلة.
لا يمكن لمتتبعي تطور الأغنية المغربية العصرية تناسى الفنان الراحل إبراهيم العلمي، الذي عمل على تطوير الأغنية المغربية بأسلوبه الخاص، مستغلا ماتزخر به الأهازيج المغربية من إيقاعات متنوعة حيث تغني عن الحب والطبيعة، ومن أجمل روائعه أغنية «ماحلى يفران وجمالو»، و«ياللي صورتك بين عيني»، و«هذا شحال»، و»غضبان علي»، وغيرها من الألحان الجميلة التي لازالت تطرب، والجدير بالذكر أن هذا الفنان وإن لم يكن درس الموسيقى إلا أن موهبته جعلت منه فنانا من الرواد المجددين الذين كانوا لايقدمون على وضع الإلحان إلا بعد أن تروقهم الكلمات، وكان رحمه لله لايقتنع إلا بالكلمات التي يصوغها هو نفسه ليعطيها ما يناسبها من ألحان تناسب مقاماته الصوتية. وقد سار على نهجه الفنان الطاهر جمي الذي ترك مهنة الساعاتي ليدرس الموسيقى بمصر ويلحن أجمل القطع الزجلية للشاعر الغنائي حسن المفتي في طليعتها الأغنية الرقيقة «أنا مغيار»، و«حيران»، و«درب الهوى والحنين»، و«كنحبك»، وغير ذلك من الألحان الجميلة، غير أن إنتاجاته الفنية قلت في السنوات الأخيرة لأسباب نجهلها.
حاملو مشعل الاغنية العصرية
لقد غيب الموت عددا من الرواد في طليعتهم عبد الرحيم السقاط ومحمد فويتح وعبد القادر الراشدي ومحمد المزكلدي وعبد السلام عامر وابراهيم العلمي والجراري..، أما من لازال على قيد كالفنان الكبير محمد بن عبد السلام الذي غرف من فن الملحون والإيقاعات الشعبية المتنوعة إذ أغني الخزانة المغربية بروائع من الأغاني المغربية أداها عدد من المطربات والمطربين في طليعتهم بهيجة إدريس وغيثه بن عبد السلام ومحمد الإدريسي وغيرهم من الأصوات الرقراقة، إلا أن مرضه منعه عن مواصلة وضع الألحان شافاه لله، ولم تتوقف قافلة الإبداع الموسيقي الراقي، فقد حمل مشعل التجديد الموسيقار عبد الوهاب الدكالي أطال الله عمره، حيث طور الأغنية المغربية وجعلها تنافس الأغاني الشرقية، إن لم نقل انه استطاع أن يوصلها للعالمية بفضل ما أدخل عليها من إيقاعات تمتح من مختلف الإيقاعات المغربية المتنوعة وروائع الموسيقى العالمية، فكان إن أبدع أحلي الروائع في طليعتها «الثلث الخالي» كلمات حسن المفتي و«ارحمني من عينيك» شعر الراحل أحمد الطيب العلج وأغنية «مشى غزوالي» و«لا رجع» كلمات عبد الرحمان العلمي، و«اجي نتصالحو»، والرائعة «مونبارناس» التي ينتقد فيها التمييز العنصري،إلى جانب عدد كبير من الأغاني المتميزة.
ويمكن تصنيف الملحن عز الدين المنتصر من المجددين الذين حملوا مشعل الرواد، فهو عازف كمان من الطراز الرفيع وملحن جيد، ترأس جوق إذاعة فاس والجوق الوطني، وأنتج عددا هاما من الأغاني الطربية، وشجع عددا من المواهب الموسيقية، ومن أعذب إنتاجاته «لله نور» غناء شروق و«حيرني بتيهو» غناء نادية ايوب، و»رفيق أيامي»، و«مراكش البهجة» غناء البشير عبدو، ويضاف إلى المبدعين حاملي المشعل الطربي المغربي الفنان الرائع صاحب الحنجرة الذهبية محمود الإدريسى الذي سطع نجمه مع أكبر الملحنين المغاربة، حيث أدى عددا من الأغاني كما لحن مجموعة من الروائع في طليعتها أغنية «سنة سعيدة»، و«اسيدي ليك لله»، و«اصبر ياقلبي»، و»الحب الكبير»، و«الشمعة»، و«الغريب»، بالإضافة إلى الملحن محمد بن ابراهيم الذي غادرنا هو الآخر تاركا مجموعة من الأغاني الجميلة من بينها «اصبر ياقلبي» غناء محمود الإدريسي و«الحب الأبدي»، و«ذكرى طفولة» غناء الراحل محمد الحياني .
ومن المبدعين المجددين الفنان نعمان الحلو، الذي كانت بدايته انطلقت من تشبعه بالموسيقى الأندلسية التي مكنته من الاطلاع على الأشعار الرائعة والمواويل المتميزة، وبعد إن استوعب النوبات الأندلسية وتمكن من أصول الموسيقى العالمية والشرقية، مما مكنه أن يقدم محاضرات في المغرب وأوروبا في فنون الموسيقى سواء الموسيقى المغربية أو العالمية ،مما جعله يحظى بمكانة هامة على المستوى العربي والدولي وحتي يتميز عن باقي الرواد والمجددين الموسقيين، فقد اختار لنفسه نمطا معينا في تلحين وأداء الأغاني حيث انصب اهتمامه بالتعريف بالمدن المغربية وما تزخر بها من المؤهلات الطبيعية والاقتصادية وتاريخها العريق..، ومن أنجح أغانيه بلادي، و«المدينة القديمة» و«شفشاون» و«تافيلالت»وقطعته الجميلة «راضية» دون أن ننسي أنه لحن عددا من القطع العاطفية، علما أنه شجع كثيرا من المواهب الذين أخذوا مكانتهم في المجال الموسيقي من بينهم المطرب محمد رضا، ومن مميزاته أيضا أنه يكتب قطعه الموسيقية بأسلوب سلس ويؤديها أداء نابعا من الأعماق.
ظهور المجموعات الغنائية
انطلاقا من سنة 1970 حدثت ثورة في مجال الأغنية المغربية العصرية، حيث ظهرت أول مجموعة غنائية، ويتعلق الأمر ب»ناس الغيوان التي ساهمت في تمثين الموسيقى المغربية التراثية وتطرقت أغاني هذه المجموعة إلى المشاكل الاجتماعية ومعاناة الطبقات الشعبية، بالإضافة إلى تطرقها إلى مواضيع سياسية، ومن أهم الأغاني التي لقيت نجاحا منقطع النظير «الشمعة» وأغنية «الصينية» و«النحلة»، وقد استلهمت المجموعة أغلب أغانيها من فن الملحون، وجعلت منه ينبوعا ترتوي من زخمه المتنوع، وإن كان هذا اللون الغنائي لقي تحفظا من عدد من المتتبعين في الوقت الذي انساقت معه الأغلبية الساحقة من المواطنين ومختلف الشرائح الاجتماعية، وسرعان ما اكتسح هذا اللون الغنائي الجديد السوق الوطنية وحتى العربية.
ومن أهم عناصر هذه المجموعة الغنائية عمر السيد أطال لله عمره والمرحومان بوجميع والعربي باطما ومولاي عبد العزيز الطاهري.
وفي سنة 1972 برزت مجموعة جيل جيلالة التي كان من مؤسسيها الفنان محمد الدرهم وسكينة الصفدي ومحمد السعدي.. واستطاعت هذه المجموعة أن تزاوج بين الأصالة والتراث، كما ساهمت في الانفتاح والتجديد في الغناء الصوفي، ويمكن اعتبارها من طوائف الشيخ عبد القادر الجيلالي، وقد لقي لونها الغنائي هذا إقبالا منقطع النظير في صفوف الشباب المغربي .
وإمام هذا المد الهائل من النجاح الذي لقيه ناس الغيوان وجيل جيلالة، تأسست مجموعة المشاهب سنة1974 والتي عرفت بأغانيها الملتزمة، حيث عملت على إدخال آلات موسيقية عصرية كهربائية، كما استمدت ألحانها من موسيقى الروك الأمريكية مما جعلها تلقى نجاحا باهرا وتستقطب فئات عريضة من الشباب المغربي.
أما مجموعة لراصد، التي اشتغلت تحت اسم العشاق، فقد حاولت هذه الفرقة تبني الأغاني الملتزمة والدفاع عن القومية العربية مع استحضار هموم الإنسان ومعاناته، وقد خلفت ربيرطوارا هاما من الأغاني يضم 170 قطعة موسيقية.
ظهور الأغاني الشبابية للمجموعات
في السنين الأخيرة وبانتشار العولمة وغزو العالم عبر الفضاء الأزرق تأثر الشباب المغربي بهذه الثورة حيث استطاع مجموعة من الشباب تكوين عدد من الفرق تستقي فنها من ألحان المجموعات الغربية والأمريكية، وهكذا برزت مجموعات من الفرق الموسيقية الشبابية أطلق عليها ظاهرة نايضة أو الموسيقى الشبابية كالهيب هوب والراي والبركسون وغيرها بمدن الدار البيضاء والقنيطرة ومراكش وفاس.
وقد تناولت مواضيع هذه المجموعات مجموعة من المشاكل التي يعاني منها الشباب كالبطالة والهجرة والفقر والحرية والعولمة، وأخذوا يمزجون كلمات أغانيهم بالعربية والفرنسية والأمازيغية، وأصبح لكل مجموعة لباس خاص.
ومن أهم هذه المجموعات فرقة الفناير المراكشية وهوبا هوبا وفرقة اش كاين ومحموعة وضركة..، علما أن من طقوس هذه المجموعات «تعاطي» بعض أنواع المخدرات الخفيفة باستثناء مجموعة الراب، أما رقصهم فهو أقرب الى الحركات الرياضية مما يستوجب اللياقة البدنية للممارسين.
واعتبر المعارضون أن هذا النوع الموسيقى يعد استلابا للهوية المغربية وتبعية للغرب وتنكرا للفنون المحلية المتنوعة، أما مضمون الكلمات التي تتغني بها بعض المجموعات، فإنها «تخل» بالحياء والآداب العامة مما يجعلها موجة عابرة سرعان ما تبرز ثم تنطقئ. وحول هذه المجموعات يقول الباحث السوسيولوجي الدكتور عبد الرحيم عطري.. إن هذا النوع من الأغاني يعتبر في نظر المثقفين نوعا من الحريك الثقافي، إذ يظهر ذلك جليا من خلال اللباس، فهؤلاء المطربون يرتدون لباسا فضفاضا ذا ألوان فاقعة وتسريحات شعورهم غريبة، ويضعون فوق رؤوسهم قبعات، كما يرتدون أحذية رياضية تساعدهم على الرقص..ويتساءل الباحث، هل انطلقت نايضة بلغة الهيب هوب المغربي، وأصبحت فعلا حركة استثنائية وراءها شباب يتغني لنفسه؟، ثم قارن بين موسيقى هذه المجموعات وموسيقى ناس الغيوان التي تستمد مواضيعها من الواقع المغربي بلغة سلسة وإيقاعات ملحونية وكناوية، زيادة على استغلال الأهازيج الشعبية المختلفة. وأضاف قائلا إن هذا النمط الموسيقي صار واقعا ومحطة من محطات الأغنية المغربية، غير أن التساؤل هل سيظل هذا النوع الموسيقي محافظا على الاستمرار والوقوف أمام المتغيرات التي تواجهه؟ أم أن الخطاب واللغة المتداولة في هده لاغاني ستجعلها موجة عابرة على غرار الراي وغيره من الألوان الموسيقية التي لم تعمر طويلا.
الأغنية الشبابية العصرية
منذ ظهور هذه الموجة الجديدة من الأغاني العصرية الشبابية التي ظهرت للوجود في السنوات الأخيرة شكلت فارقا كبيرا بينها وبين أغاني الرواد كلمات وإلحانا وأداء، وقد استطاعت بعض هذه الأغاني أن تخترق العالم العربي وتستهوي ملايين العشاق، ومن أكثرها انتشارا أغاني سعد المجرد في طليعتها هي «باغية واحد» واغنية» let go « التي رأت النور بعد إطلاق سراحه من السجن، حيث حققت 106 ملايين مشاهدة بعد إصدارها في ظرف أربعة شهور من إصدارها في مسابقة الأغاني وبعض أغاني حاتم عمور وأغنية «عندو الزين» لأسماء المنور التي حققت 51 مليون مشاهدة وأغاني سلمى رشيد وفي طليعتها الأغنية الناجحة «ا ش جا يدير» ولعل سبب نجاح الأغنيتين الشعبيتين اللتين سلف ذكرهما لأنهما غرفتا من الإيقاعات المغربية، كما أن كلماتهما مستوحاة من التراث الشعبي.
كما حقق زهير بهاوي، الذي غني رفقة المطرب تيو تيو 100 مليون مشاهدة في خمسة أشهر وأغنية ايمن السرحاني «تجيني بالسورفيت» 8 مليون مشاهدة، وأغنية «مول الشاطو» للشاب يونس 4 مليون مشاهدة، هذا ويعتبر المطرب زكريا الغفولي في نظر المتتبعين من الشباب المغربي المجدد، حيث حافظ على الطابع المغربي الأصيل للأغنية المغربية العصرية وسار على منوال الرواد مستغلا الإيقاعات والأهازيج التي يزخر موروثنا الإبداعي من قمم الأطلس إلى تخوم الصحراء مع استغلاله للكلمات العذبة والإنشاد الجميل حيث حققت أغانيه نجاحا مبهرا .
وإذا كان هذا اللون الجديد من الأغاني الذي حقق هذا الانتشار الواسع إلا أنها سرعان ما تنمحي من الذاكرة، لأنها في نظر المتتبعين والباحثين عبارة عن أغاني «كوكوت مينوت» لأن اغلبها إن لم نقل كلها من كلمات وألحان وغناء أصحابها، وهو ما يجعلها تسقط في الإسفاف والتفاهة، لأنها غير مراقبة لا من لدن لجنة الكلمات ولجنة الألحان، هاتان اللجنتان اللتان أصبحتا من الذكريات الجميلة وأيام تألق الأغنية المغربية.
ولعل الفراغ الذي تركته هاتان اللجنتان اللتان كانت تضم أجود الزجالين والشعراء والفنانين الموسيقيين المرموقين، هو ما جعل الاغنية المغربية العصرية سرعان ما تنمحي من الذاكرة ولاستطيع أن تتربع في قلوب المستمعين والمشاهدين ماعدا بعضها الذي يستنبط من التراث كأغنية «عندو الزين» و«اش جا يدير» وكذا «حبينو».
وحتى تستطيع الأغنية العصرية المغربية إشعاعها المشرق لابد من الوقوف وقفة تأمل للحد من الفوضى العارمة التي يعرفها المجال الفني الموسيقى وتلك مسؤولية تتحملها وزارة الثقافة وإدراة القنوات الوطنية المغربية التي تفتح المجال لكل من هب ودب ليدخل إلى بيوت المغاربة بدون أستئذان ويهجن أذواق المستمعين والمشاهدين مما يجعل المواطنين يغيرون اتجاههم نحو الفضائيات العربية والغربية.