أعلنت الأكاديمية الفرنسية، أول أمس الثلاثاء، عن فوز الباحث والأكاديمي المغربي الفرنسي، مهدي اغويركات بجائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025، عن كتابه «ابن خلدون: مسارات مفكر مغاربي». ويعد هذا التتويج من بين أهم الجوائز التي تمنحها الأكاديمية ضمن قائمة تضم 71 جائزة في مختلف المجالات الأدبية والفكرية. ومن المرتقب تسليم الجوائز رسميا في حفل يقام يوم الخميس 4 دجنبر 2025.
وفي أول تصريح عقب إعلان الجائزة، عبر مهدياغويركات عن سعادته بهذا التتويج، قائلا:»أنا سعيد بحصولي على هذه الجائزة. فهي تعكس اهتمام الأكاديمية الفرنسية المتجدد بالعالم العربي والإسلامي»، مؤكدا أن فوزه يمثل فرصة لإبراز الإنتاج العلمي لجامعة بوردو مونتين التي ينتمي إليها كأستاذ للتاريخ، مبرزا أن الجامعات الجهوية، وفي مقدمتها بوردو، تلعب دورا محوريا في دعم البحث الأكاديمي وتطويره.
كتاب الباحث مهدي أغويركات «ابن خلدون: مسارات مفكِّر مغربي» (Ibn Khaldûn، الصادر عن «المركز الوطني للأبحاث العلمية» في باريس (CNRS)، محاولة لإعادة ترسُّم سيرة هذا المؤرّخ والكشف عن الدوافع التي جعلت الاستشراق لا يهتمّ به فحسب، بل يعترف له بالفضل رافعاً إيّاه إلى مصاف رواد علم الاجتماع الوضعي والفلسفة السياسية.
يأتى كتاب «ابن خلدون: مسارات مفكر مغاربي» ليعيد رسم ملامح أحد أعظم العقول في التراث العربي الإسلامي، حيث لا يكتفى الباحث باستعراض أفكار ابن خلدون، بل يغوص في مساراته السياسية والفكرية، كاشفًا عن مفكرٍ واقعي، عاش في قلب الأزمات، ونجح في تأسيس علمٍ سابق لعصره: علم العمران البشري، إنها دعوة لإعادة اكتشاف ابن خلدون، ليس كمؤرخٍ أو فيلسوفٍ فحسب، بل كمفكر عالمى لا يزال يُلهم حتى اليوم.
تنطلق السردية من فكرة مركزية: أن «ابن خلدون» لم يكن مفكرًا منعزلًا أو غارقًا في التأملات النظرية، بل كان فاعلًا سياسيًا، ومثقفًا متنقلًا بين «بلاطات» الحكم في المغرب وتونس والجزائر ومصر، في زمن شهد أوبئة، وحروبًا، وانهيارًا لمشروع الوحدة المغاربية. هذا السياق المضطرب شكّل رؤيته للتاريخ والدولة والمجتمع.
في «التوطئة»، يؤكّد المؤلّف أنّ دافع هذه المحاولة هو «إضفاء شيء من النظام على الدراسات الخلدونية التي تكاثرت إلى حدّ أنها شكّلت غابة كثيفة غطّت شجرة ابن خلدون الوارفة». فبعض تلك الدراسات حمّلت فكر ابن خلدون أكثر ممّا يحتمل حتى صارت تتّسع لكلّ ما يُبحث عنه، وبعضها أسقط عليه نظريات حديثة وادّعى «أبوّته» لمفاهيم سوسيولوجية راهنة.
مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كتبت عن هذا المؤلف أنه «يرسم مسرى حياة هذا المفكر العربي الذي أسس علم العمران وبرع في مجال الفلسفة والاقتصاد والسياسة والتاريخ في سياق أحداث عصره، سارداً تعاليمه ومسيرته كقاضٍ ومستشار سياسي ونظريته في الحضارة وغيرها، مناقشاً كيفية بناء شخصية أيقونية احتلت مكانة فريدة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي، قال عنها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، إنها وضعت «فلسفة للتاريخ تُعد في هذا المجال أعظم عمل أُبدع في أي زمان ومكان».
تجسد هذه العبارة بحسب غويركات مكانة ابن خلدون الاستثنائية، إذ يعتبره المؤرخون وعلماء الاجتماع والفلاسفة والاقتصاديون إحدى الشخصيات الملهمة الكبرى، فيرجع إليه السياسيون كسند فكري، وإن اختلفت مقارباتهم باختلاف السياقات بين دول الغرب ودول الجنوب النامية، إذ استشهد به الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان للترويج لفوائد الليبرالية الاقتصادية، كما لجأ إلى نظريته في الضرائب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وعبر المبرمج مارك زوكربيرغ عن إعجابه بفكره، وكذلك فعل مرشح الرئاسة الفرنسية إريك زمور عام 2022 حين قال بضرورة العودة إلى فكره بغية فهم العالم».
وقد قسّم أغويركات بحثه هذا إلى خمسة عشر فصلاً: تناول في الأول منها «الآلام والمصاعب» التي عاشها المؤرّخ التونسي وأجداده ثم ما شهده هو نفسه في صباه وشبابه من «فِتَن ومِحَن»، مثل انتشار الطاعون وفشل الوحدة السياسية التي سعى إليها أبو الحسن المريني. فقد شكّلت هذه الأحداث لديه رؤية واقعية عن الحراك السياسي بين سلطات الحواضر في صراعها وتوتّرها مع قبائل البدو. وعالج في الفصول الوسطى رحلات ابن خلدون شرقاً وغرباً وما مارسه خلالها من الوظائف، فضلاً عن اعتزاله في قلعة بني سلامة لصياغة عصارة تجاربه وتأليف «المقدّمة».
وفي القسم الأخير، تطرّق الباحثُ إلى المسالك التي انتهجها الفكر الخلدوني حتى يصل إلى قارئه المعاصر. فكان وصوله إلى المشرق أولاً بفضل أعمال الأديب الأندلسي أحمد المقرّي (1578 – 1631)، صاحب «نفح الطيب» الذي ساهم بشكل حاسم في نقل أفكاره، ثم إلى الغرب الأوروبي عبر ليون الأفريقي، وما تبع ذلك من اكتشاف له في العصر الحديث، سواء في دوائر السياسة والاستشراق، أو في سياقات الاستعمار.
الأكاديمية الفرنسية تمنح مهدي اغويركات جائزة أفضل سيرة أدبية لـ 2025
بتاريخ : 20/11/2025