الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …
تطالعنا، بين الفينة والأخرى، صور العنف والتخريب وحمل الأسلحة البيضاء والتعدي على الأشخاص أو الممتلكات الخاصة، خصوصا في الملاعب الرياضية، وكانت مشاهد الفوضى والشغب والتدمير التي عرفتها ميادين رياضية مؤخرا صادمة للمغاربة الذين لم يستوعبوا كيف لمباراة رياضية تحتمل النصر والخسارة والروح الرياضية أن تتحول إلى ميدان للعراك والضرب والتراشق بالحجارة والكراهية تجاه الجميع بمن فيهم رجال الأمن والمواطنون الأبرياء.
يؤكد الدكتور بوشعيب فهمي صاحب مجموعة من الدراسات والأبحاث والمقالات حول العنف وحركات الألتراس والسلوكات الماسة بالذوق العام، من بينها كتابه:» «ظاهرة الألتراس مقاربة قانونية واجتماعية (2016)»، «مجموعات الألتراس نحو راديكالية العنف وتسييس مدرجات الملاعب (2019)»، و»رسائل الحجر الصحي» (2020)… في حوار أجرته معه الزميلة خديجة مشتري بتاريخ 02/04/2022.
الدراسات المتخصصة تشير إلى أن هناك تغيرا ملحوظا في تمظهر العنف في المجتمع المغربي، ويستطيع حتى المتتبع العادي أن يلمس هذا التحول بفعل سهولة انتشار المعلومات حول الأحداث التي توثق لأعمال العنف، سواء تلك التي ترتكب بصفة فردية وتشكل جرائم أو أعمال العنف التي تقترف بشكل جماعي خلال التجمعات العمومية بالشارع العام وخاصة التجمعات العفوية غير المتجانسة خلال إجراء المقابلات الرياضية أو المهرجانات الفنية الكبرى، والمحدد الأساسي هو تنامي نوعية أعمال العنف ومظاهره الجديدة من حيث تأثيرها على تماسك بنيات المجتمع المغربي وإضعاف ميكانيزمات الضبط الاجتماعي، ولعل أكبر تجل لهذا التحول هو ما نعاينه من سلوكات تنال بشكل مباشر من طمأنينة الأسر والأحياء والمدارس والأماكن العمومية كالساحات ووسائل النقل العمومي بالمدن الكبرى والملاعب الرياضية، وحتى على مستوى نشر مظاهر العنف على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولا يعتبر الدكتور فهمي لجوء بعض الشباب إلى توثيق أعمال العنف التي يرتكبوها ونشر الصور ومقاطع الفيديو تطبيعا مع الجريمة مادامت كل مكونات المجتمع تستنكر هاته الأفعال وتحرك بشأنها السلطات العمومية كل الإجراءات القانونية ذات الصلة، ونستحضر في هذا السياق موجة مايسمى «التشرميل» سنة 2016 ، حيث تمت معالجة العديد من القضايا خصوصا بمدن الدارالبيضاء وسلا وفاس، وتبقى مسألة التطبيع مع هاته الأفعال مستبعدة في ظل ما تحدثه الجريمة من خلل في توازن بنيات المجتمع وإذكاء النزعات العدوانية والتوتر الاجتماعي، وبالتالي ينبغي على كافة المتدخلين العمل على توحيد الرؤية بشأن التعامل مع حالات العنف التي أصبحت تصيب المتتبع بالخوف والإحساس بعدم الأمان في المدرسة والشارع والفضاء العام رغم المجهودات الكبيرة التي تبذل من طرف السلطات العمومية لاحتواء المظاهر السلبية.
واعتبر الدكتور فهمي في هذا الحوار مع جريدة الاتحاد الاشتراكي أن المقابلة التي جمعت فريق الجيش الملكي والمغرب الفاسي عرفت أحداثا خطيرة وهجوما لجمهور الفريق المحلي على جمهور الفريق الزائر وعلى القوات العمومية في سابقة من نوعها أبانت عن تغير كبير في سلوك جمهور كرة القدم بعد سماح السلطات العمومية بعودة الجمهور للملاعب إثر تخفيف الإجراءات الاحترازية المتعلقة بمكافحة كوفيد19، وقد أصيب المتتبعون بالذهول من هذه الأفعال الخطيرة، التي جعلت الكل يتساءل عن السبب في ذلك ولماذا أصبح مشجعو كرة القدم أكثر عنفا ؟ حيث يمكن القول إن هناك تأثيرا بالغا لخطاب التعصب والكراهية الذي يجتاح فكر جمهور كرة القدم المنتمي لروابط «الألتراس» التي أصبحت تحتل مدرجات الملاعب وتنشط في العديد من الأحياء بالمدن المغربية وتستهوي آلاف الشباب والأطفال القاصرين من خلال الأنشطة التي تقوم بها داخل الملاعب وخارجها، هذه الأخيرة التي تنفي دوما ارتكابها لأعمال العنف التي تشهدها الملاعب الوطنية، لكن الأبحاث الميدانية تشير إلى أن هذه المجموعات على الرغم من قدرتها على تأطير منتسبيها في الحالات العادية إلا أنها تفقد زمام التأطير في حق أعضائها حين خسارة الفريق أو وجود استفزاز قبلي عبر مواقع التواصل أو بشكل مباشر بالملاعب تجاه هؤلاء الأنصار وتحت تأثير نفسية الجمهور ينخرط المشجع تلقائيا في ارتكاب العنف نظرا لما توفره هذه المجموعات من إمكانية التخفي والإفلات من رقابة السلطات العمومية. وفي ذات الحوار أكد المختص في العنف الرياضي أن مجموعات الألتراس تصنع الفرجة بمدرجات الملاعب، وهو الأمر الذي يستحسنه المتتبعون للشأن الرياضي بالمغرب وخارجه، وهي من خلال ذلك تعتبر نفسها خط الدفاع الأول عن مسار الفريق وتحصينه، وتستعمل لأجل هذا الغرض كل الوسائل المتاحة من أجل إبهار عين المتتبع وتقديم صورة جميلة عن المشجع الرياضي فوق العادة .وقد شكلت السنوات الأولى من وجود هذه المجموعات انشغالا أساسيا وهو التشجيع الرياضي والإبهار المرئي لعين المتفرج، وكان الجيل الأول الذي انخرط فيها يركز على صناعة اسم المجموعة إعلاميا لزيادة توهجها وقوة استقطابها للشباب .لكن وبعد ما سمي ب» الربيع العربي» تغيرت أمور كثيرة في خطاب هذه المجموعات التي ساهمت بشكل كبير في المظاهرات العارمة التي شهدتها مصر وتونس، وكانت لها أيادي في الاعتصامات والمسيرات التي أجبرت هذه الدول على تغيير الأوضاع السياسية، لكن الأمر اختلف في المغرب فقد حاولت هذه المجموعات البقاء بعيدة عن التجاذب السياسي رغم التغير الحاصل في مضمون الخطاب الذي تصنعه وتبني الشعارات ذات الحمولة المطلبية أسوة ببعض مكونات المجتمع، ولم تتضح نزعتها السياسية وارتباطها بهيئة سياسية رغم المحاولات التي قامت بها بعض هذه الهيئات والتنظيمات للاستفادة من الخزان البشري والقوة المعنوية والنفسية لأعضاء مجموعات الألتراس، لكن هذه الأخيرة تحاول أن تبقى مستقلة بل أصبحت أكثر تأثيرا على مسار الحركة الاحتجاجية في المغرب حيث إن مجموعة من التنسيقيات والهيئات النقابية تستعير أغاني مجموعات الألتراس لتعزيز قوة خطابها الاحتجاجي.
ولفهم تطور المسار الاحتجاجي لمجموعات الألتراس بالمغرب يؤكد فهمي على أنه يجب أن نحلل ذلك في ارتباط مع تطور الحركة الاحتجاجية ببلادنا، ومدى الارتباط العضوي لمكونات هذه الحركة، فماعدا قيام مجموعة ألتراس «مطادوريس» بمسيرة انطلاقا من ملعب سانية الرمل في اتجاه شاطئ مارتيل عقب وفاة بعض المهاجرين فقد بقي السلوك الاحتجاجي لهذه المجموعات مرتبطا بحالات خاصة كالمطالبة بإقالة المكتب المسير إلى أن قامت بعض المجموعات كحلالة بويز والتراس ايكلز والوينرز والتراس هوركوليس بإصدار ألبوم غنائي ذي مضمون مطلبي ينتقد الأوضاع الاجتماعية كالتهميش والبطالة وضعف التعليم العمومي، والتي كان لها أصداء كبيرة في المغرب والعالم العربي .لكن يبقى مسار هذه المجموعات مفتوحا على كل احتمال للتسييس والاستقطاب الفردي للأعضاء المؤثرين في هذه المجموعات.
ويضيف الدكتور بوشعيب فهمي أن هناك اختلافا بنيويا في فكر المجموعات الكبيرة وتعاطيها مع المستجدات التنظيمية حيث نسجل مثلا انفراد الترا امازيغن التي تشجع فريق حسنية اكادير بخصوصيته الثقافية المتجذرة في الحركة الثقافية الأمازيغية ومنها تنهل المجموعة تاريخها وطابعها ومكونات خطابها. في المقابل نجد أن ألتراس وينرز التي تناصر فريق الوداد الرياضي تحاول الخروج عن النمطية وتحاول تغيير سلوكها بالارتباط بالمجال الجغرافي والفعل فيه ايجابيا، عبر القيام بأعمال خيرية ومساعدة المحتاجين وتنظيف الأحياء وحملات التبرع بالدم، وقد انعكس الأمر ايجابيا على مسار المجموعة . وفي نفس السياق فإن مجموعة كرين بويز والترا ايكلز التي تشجع فريق الرجاء الرياضي تنهل من الأسلوب الإيطالي الذي يتبنى بعض القضايا الإنسانية على مستوى الخطاب والإبهار إعلاميا وتعتمد أيضا الأسلوب الأرجنتيني الذي يحبذ الاحتفالية بالشهب النارية والشماريخ وإطلاق الدخان بلون الفريق أو ما يسمى ب «كراكاج» لتوليد الرهبة في الخصم ودفع الفريق نحو النصر،.لكن الأمر يطرح إشكالا كبيرا بخصوص» الترا بلاك ارمي» الجيش الأسود، التي تشجع فريق الجيش الملكي التي تتخذ نسبيا من أسلوب مجموعات المشجعين الانجليز، التي تم تفكيكهاـ حيث تحبذ المواجهات الجسمانية والقتال الحر بالشوارع أو مدرجات الملاعب، فليس غريبا أن ترى أعضاء هذه المجموعة يبادرون إلى المواجهات مع الخصم، لكن الأمر في المغرب لايزال في بدايته ولا نستطيع أن نقول إن الأمور تحاكي ظاهرة» الهوليكانز» كما عرفت في انجلترا التي ولدت في شروط مغايرة حتى تجذرت في المجتمع .لكن ينبغي التعامل بحزم كبير في المستقبل لتفادي الانحراف في مسار هاته المجموعات.