الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …
معطى أساسي يتم تغافله أثناء الحديث عن أغاني الألتراس، هو السياق.
فالمغرب، على امتداد الست سنوات أي منذ 2017، عاش على وقع الاحتجاجات. تجسدت هذه الأخيرة في الحراك في كل من زاكورة والريف وجرادة، بالإضافة إلى حملة المقاطعة، التي اعتبرت شكلا احتجاجيا لم يسبق له مثيل في المغرب.
هذه الظرفية غذت إمكانية انتشار هذه الأغاني، حيث وصل صداها للحراك الجزائري وصدحت بها حناجر المشاركين في احتجاجات طلبة الطب في المغرب.
”وزارة الداخلية ستمنع أنشطة الألتراس، لأن تيفو الغرفة 101 اعتُبر تلميحا للمغرب كسجن كبير يتعرض فيه الجميع للتعذيب”. كانت هذه الإشاعة آخر حلقات لغو لا ينتهي حول أغاني الفصائل المشجعة في المغرب. لغو نجم عن سوء فهم لازم ظاهرة” الألتراس” منذ ظهورها قبل 14 سنة.
وحاول الإعلامي محمد مستاد تمحيص أسباب انتشار أغاني الفصائل المشجعة على امتداد السنة الماضية، مع تفسير بعض العوامل السيكولوجية والسوسيولوجية التي تطبع الأشكال التعبيرية للألتراس المغربية.
يُقصد بالجمهور عادة ”تجمعا لمجموعة من الأفراد، أيا تكن هويتهم القومية، أو مهنتهم أو جنسهم، وأيا تكن المصادفة التي جمعتهم
تحتفظ أعمال غوستاف لوبون حول سيكولوجية الجماهير براهنيتها، رغم ظهورها في القرن 19. فما الذي يدفع مثلا، شبابا مغربيا، عازفا عن السياسة ومؤسسات المجتمع المدني، لممارسة الفعل الاحتجاجي في الملاعب الرياضية؟
اليرى غوستاف لوبون أن ”للأفكار والمشاعر والتأثرات والمعتقدات، عدوى في الجماعات تماثل قوتها عدوى الميكروبات” فأفراد الفصائل المشجعة تعتريهم نفس الهواجس ويعيشون ظروفا اجتماعية مماثلة، يطبعها الفقر والبطالة والتهميش. مما يفسر النزعة للتفريغ والاحتجاج في الملعب على الهموم الجاثمة على قلوب هؤلاء الشباب.
هنا، يجب أن نستحضر أيضا مفهوم لوبون: ”النفس الجماعية”، حيث تذوب الجماهير في نفس واحدة وتطلق العنان للتعبير عن مشاعرها وهواجسها، فالذي تقاد به الجماعات، هو البرهان وليس المثال بتعبير لوبون نفسه. يرى هذا الأخير أن الفرد يُقدم على أفعال في الجماعة، لا يستطيع القيام بها فرادة، فغياب الفعل الاحتجاجي لهؤلاء الشباب في فضاءات أخرى، يبرز أن ذوبان عنصر الألتراس في الجماعة يغذي استعداداته للاحتجاج.
هذه الخصائص قد تنطبق على الجماهير في كل الأمكنة، فما الذي يجعلها تبرز بشدة في ملاعب كرة القدم؟ يبدو الملعب وعاء يُبيح غضب جمهور ثائر.
ويبدو الأمر فلسفيا، أن نعتبر أن الملعب نفسه مسؤول عن الفعل الاحتجاجي للفصائل المشجعة في المغرب. لكن، بالرجوع للأبحاث السوسيولوجية حوله، نستشف أن الملعب بخصائصه في كرة القدم الحديثة (التذاكر، أماكن مخصصة للصحفيين…) أضحى مكانا محفزا لحدوث ظواهر اجتماعية بعينها. يؤكد محمد مستاد.
ويرى نوبرت إلياس أن الملعب ”مكان يسمح لإطلاق العنان لمشاعر وتصرفات قد لا يكون مسموحا بها في أماكن أخرى”، فبخلاف الأشكال الاحتجاجية الأخرى في الفضاءات العمومية التي يمكن احتواؤها –أمنيا على الأقل- تبقى احتجاجات المدرجات (تيفو، الأغاني، الرسائل….) عصية على الضبط والمراقبة، حيث تنجح عناصر الألتراس عادة في تسريبها إلى الملعب، لنتفاجأ أحيانا برسائل بذيئة.
رغم تكريس الملعب للتفاوتات الطبقية، بفعل اختلاف أثمنة التذاكر من منطقة فيه لأخرى، إلا أن “الكورفا” (المدرجات وراء المرمى) التي يختارها عناصر الألتراس، تحتضن مشجعين من نفس الطبقة الاجتماعية. هذا ما أكدته الأبحاث الميدانية لعبد الرحيم بورقية، الباحث المغربي في موضوع الألتراس. ففي كتابه Des ultras dans la ville، خلص إلى أن أغلب أعضاء الفصائل المشجعة في المغرب، ينتمون إلى طبقات اجتماعية فقيرة.
في هذا الصدد، يرى جيرارد زيريد أن روح المكان (الملعب) تتقوى في النفوس بفعل كل المؤثرات الصوتية (أغاني، صراخ…) والبصرية (لافتات، الرسائل…). لقد أضفت الفصائل المشجعة، منذ ظهورها سنة 2005، طابعا خاصا على ملاعب كرة القدم
“بدت المدرجات ساحة وحيدة لإخراج الطاقات المكبوتة؛ فلما ذهب المكبوتون إليها، لم يجدوا غير ألتراس، فوجدوا فيه أنفسهم وبدؤوا معه قصة من نوع لم يتخيلوه” .
تختزل هذه العبارة، للكاتب المصري أكرم خميس، ما أصبح يمثله الملعب لهذه الجماهير. فقبل ظهور الفصائل في المغرب، كان مشكل العزوف حاضرا بشكل لافت، غير أن هذه الفصائل غيرت تمثلنا للملعب، حيث حملت معا أهوال الشغب من جهة، -لا ينفي هذا وجود بعض الحالات المعزولة فيما سبق-. من جهة أخرى، فقد حولته لمسرح للاحتفال والفرجة.