الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …
هي ترانيم الغضب التي صاح بها الجمهور في لحظة انتشاء، فإذا بها تذرع وسائل الإعلام العربية والعالمية.
مع نضج الحركية في المغرب، أضحى كل فصيل يمتلك عددا هائلا من الأغاني من إنتاجه، تلتزم بمعايير تقنية محترمة وتنتج ذاتيا.
حمولة الأغاني تزاوج بين التغني بأمجاد ومسار النادي والفصيل المشجع من جهة، ومن جهة أخرى، تحمل العديد من الرسائل ذات البعد الاجتماعي والسياسي. من التيمات المتواترة في هذه الأغاني هو تقويض دور رجال الأمن والشكوى من انتشار البطالة والفقر ومناشدة الهجرة إلى أوربا.
ما يغيب عن ذهن الكثيرين، هو أن هذه الأغاني وحمولتها السياسية والاجتماعية، لازمت الألتراس منذ ظهورها. النموذجين هما أغنية” دمنا عربي” لألتراس إيغلز (الفصيل المساند للرجاء الرياضي) الذي أعرب عن أهمية العلاقة التاريخية بين المغاربة والجزائريين. بالإضافة إلى أغنية” حرية” للوينرز (الفصيل المساند للوداد الرياضي) التي يشكو فيها مناصرو الوداد من قمع حرية عضو الألتراس ومن معاملة عناصر الأمن لهم.
المعطى الثاني الذي يتم تغافله أثناء الحديث عن أغاني الألتراس هو السياق. المغرب على امتداد سنوات ، عاش على وقع الاحتجاجات. تجسدت هذه الأخيرة في الحراك في كل من زاكورة والريف وجرادة، بالإضافة إلى حملة المقاطعة، التي اعتبرت شكلا احتجاجيا لم يسبق له مثيل في المغرب. هذه الظرفية غذت إمكانية انتشار هذه الأغاني، حيث وصل صداها للحراك الجزائري وصدحت في احتجاجات طلبة الطب في المغرب.
قد يقف المشاهد أو المتابع لبعض التيمات الفنية التي يبدعها شباب الألتراس، وهو يلاحظ حركات الشباب بالمدرجات وقفزاتهم مع ترديد أغانيهم مجرد أغاني فارغة المحتوى والمضامين، لكن المتبصر لما هو مضمر بين سطور هذه الإبداعات الكتابية سيجد أنها أصبحت تتخذ مسارا آخر غير الاقتصار على ترديد الهتافات التشجيعية لفريقها والدفع به إلى الأمام، وصارت تحمل بين ثناياها رسالات قوية لمن يهمهم الشأن على كافة الزوايا والمجالات خصوصا منها السوسيواقتصادية. فكان لا بد لنا هنا من المرور على آلية من آليات صناعة الخطاب الاحتجاجي لهذه الجماعات عبر تحليل محتويات خطاباتها على مدرجات الملاعب وخارجه، من خلال تفكيك شيفرة مقاطعها الغنائية مضمونا.
مع تزامن موجة الربيع العربي بالبلدان المجاورة لنا، أخذت فصائل الألتراس تنوع منتجاتها السمعية التي تطرحها، وتلونت من صبغة التشجيع والتغني بإنجازات فرقها الكروية وتنافساتها، إلى صبغة أكثر تمردية ثورية على جل أشكال الفساد والتعسفات التي طالت هؤلاء الشباب وهم يمارسون نشاطاتهم تحت ظل الاستفزازات والتضييقات التي يطالونها من أجهزة الأمن في بعض الأحيان، أو كما يلخصونه في مصطلح “الحكرة”. هنا تقدمت فصائل عديدة بأغاني تتغنى بالحرية والكرامة لشباب هذا الفكر، ونذكر هنا أول فصيل للذكر لا للحصر، فصيل “ألتراس عسكري” المساند لفريق الجيش الملكي الذي طرح سنة 2011 أغنية بعنوان: “الحرية”، والتي جاءت كلماتها كرد للتنكيل الذي طالهم؛ من قبيل: ” لربي العالي نرفع يداي، الحل عندو لهذه الوضعية، مليت العيشة السلطوية، شباب اليوم رايح ضحية، يا شباب يالاه نطالبوا بالحرية، كونوا رجال قوة شعبية… ” إلى آخر المقطع. بالتحليل والتمحيص في جوهر الأغنية يتبين لنا أن هم الشباب الأول انتقل من توجيه أصبع الاتهام لفريقهم جراء توالي انتكاساته وإخفاقاته، إلى توجيهه نحو الفئة المسؤولة عن تضييق ومحاولة خنق هؤلاء الشباب من ممارسة نشاطاتهم والتضييق من بؤرتها أكثر، فالخطاب الاحتجاجي انتقل من كونه خطابا يتأسس على قاعدة احتجاجية تتوخى المطالبة بحقها المشروع في التشجيع بشتى الوسائل التي يجمعون عليها دون أية رقابة أو حكر من جهاز أو جهة ما عليهم.