الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …
في الكثير من الأحيان إن لم نقل دائما، يتم تغييب الصبغة الإيجابية التي تكتسيها فصائل الألتراس داخل المجتمع، بل يتم طمس مجهوداتهم في الارتقاء بالأندية والنهوض بها سواء على المستوى المحلي أو العالمي. بل إننا لا نلجأ إلى الحديث عن مجموعات الألتراس إلا في مقام السلب؛ أي اختزال وظيفتهم في الجانب المظلم للتشجيع الرياضي، الذي يطبعه التعصب والعنف والكراهية وأعمال الشغب، إلى جانب الخروقات التي يعقبها توالي صرخات التحذير والدعوات المنددة بالتشجيع والمسيئة لصورة المشجع. وهذا ما اهتمت به تقريبا جل الدراسات في النطاق الرياضي، إضافة إلى النقاد والمحللين الرياضيين، دون تصويب النظر نحو أهميتهم وأدوارهم الكبرى في خلق أشكال الفرجة وإحياء إيقاعات المباريات، وتسويق الأندية وتطويرها وصناعة اللعبة بالأساس، باعتبارهم طرفا وازنا وعنصرا أساسيا في تأثيث المشهد الكروي.
وتؤكد خديجة هيصور الإعلامية الفائزة بالجائزة الرياضية لقناة الجزيرة أن هذه المجموعات أضحت اليوم تتفاعل بطرق مختلفة مع الأندية واللاعبين واللعبة ذاتها. وقد تغيرت بشكل كبير عقلياتهم وسلوكياتهم، خاصة مع ظهور منصات التواصل الاجتماعي والوسائل التكنولوجية. لقد أصبحنا نتحدث عن حركة اجتماعية بقوة تأثيرية تروم التعبير عن الواقع المعيش للشاب المغربي والتنفيس عن احتقانه الاجتماعي، في معقل مدرجات لا تعرف قيودا للحرية. لذلك، نجحت فصائل ألتراس المغرب في صياغة توجهاتها وإسماع صيحاتها في إطار يوازن بين الفرجة والاحتجاج.
«في بلادي ظلموني»، عبارة قليلة الكلمات كثيرة الدلالات. ليست مجرد شعار بل إحدى الأغاني التي كتبها ولحنها جمهور نادي الرجاء الرياضي. فتجاوزت حدود المدرجات، لتتردد بصوت جماهير أندية أخرى. أطلقت في شهر مارس من سنة 2017 من طرف فصيل «Ultras Eagles»، وعرفت انتشارا سريعا على نطاق واسع، حيث تحمل دلالات اجتماعية تصب في معاناة المواطن المغربي وظروفه الحياتية والمعيشية. كما توجه عبرها رسائل إلى المسؤولين في الدولة بغية تحسين أوضاع الشباب المغربي والاعتناء بهم عوض» ملاحقتهم» و»سجنهم». وقد تكرر لحن هذا الاستياء الاجتماعي على ألسنة باقي فصائل الألتراس المغربية بكلمات مختلفة، نجدها في أغنية «قلب حزين» لفريق الوداد البيضاوي و»هادي بلاد الحكرة» (هذه بلاد الظلم) لجمهور اتحاد طنجة.
«أغاني الألتراس هي في حد ذاتها مقاومة ونضال من أجل الدفاع عن فئة من الشباب المغربي وإيصال صوته ومعاناته»، يقول مهدي (وهو شاب مغربي عشريني، وعضو بإحدى روابط الألتراس المحلية): «نريد أن نظهر لهم أننا موجودون واعون ومتفاعلون مع قضايا المجتمع لأننا جزء منه. وسنظل ندافع ونناضل دون التفريط في مبادئنا».
ولا يغيب الدور التحسيسي عن مجموعات الألتراس بالمغرب. وقد تجسد ذلك في مشاهد كثيرة، أبرزها الحملة الجماعية التي قادها ألتراس الجيش الملكي «Ultras Askary» لتوعية المواطنين المغاربة في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، بالتحذير من مخاطر الوباء، مع توجيهم إلى اتباع كافة التعليمات والتدابير الوقائية الصادرة عن وزارة الصحة. وشملت هذه الحملة التحسيسية، التي وثقت ونشرت صورها على الحساب الرسمي للفصيل على الفيسبوك، مختلف الأحياء بالعاصمة الرباط، فضلا عن مدينتي سلا وتمارة، لا سيما الأماكن التي تعرف اكتظاظا كالشوارع، والأسواق التجارية، ومحطات النقل العمومي. كما عرفت توزيعا للقفازات الطبية والمطهرات الكحولية على بعض المواطنين. ويوضح هشام بنتابت، صحفي رياضي مغربي مختص في كرة القدم، أن «الألتراس ليسوا كلهم بالصورة السيئة التي يتصورها البعض، صحيح هناك من يحيدون عن الصواب، لكن في المقابل يوجد أعضاء مثقفون، والمفاجأة أنك قد تجد الطبيب والأستاذ والمهندس وغيرهم من نخبة المجتمع المغربي في صفوف الألتراس، وهم يشكلون النواة التي تقود المجموعات وتؤطرها، لذلك تجدهم يساهمون في كل المناسبات الوطنية عبر حملات توعوية بل تتعداها إلى حملات اجتماعية مثل تقديم المساعدات إلى سكان القرى والجبال المعزولة في فترة الثلوج، وكذا في حملات التبرع بالدم. عموما كما للألتراس سلبيات، لها كذلك إيجابيات».
وتعكس هذه الحملات والمبادرات الوجه الآخر للألتراس المغربي، وكذلك توجههم الجديد الذي يغفل عنه أفراد المجتمع وعناوين الأخبار. ويدل على وعي الشباب المغربي المتنامي بالقضايا الاجتماعية. كما يكرس رغبتهم في المشاركة وتقديم الدعم الإنساني باستمرار، تأكيدا على انخراطهم في الحياة الاجتماعية.
أهازيج حماسية، هتافات موحدة، حركات منسقة، لوحات وشعارات طيلة تسعين دقيقة قد لا تحمل كلمات الدعم والتشجيع فقط، وإنما خطابا مبطنا ورسائل سياسية مشفرة، تسرد مواقف الشباب المغربي من القضايا السياسية. فالألتراس كظاهرة لم تعد تقترن بالمجال الرياضي وحسب، بل باتت لها روافد تسري في باقي المجالات، حتى السياسية. أما المدرجات فقد تحولت من فضاءات للفرجة إلى ساحات لتفريغ هموم تلك الشريحة من الواقع. والأكثر من ذلك، صارت الملجأ الوحيد للاحتجاج والنضال والتعبير عن الاختناق السياسي. ولعل كلمات أغنية «قلب حزين» لجمهور الوداد سنة 2019 تترجم الجروح النازفة للشباب المغربي، إذ تضمنت رسائل سياسية ومضامين احتجاجية قوية، تتناول قضية الهجرة السرية وكابوس البطالة ومشاكل الفساد والصحة والتعليم وغيرها.
وقد خلصت دراسة موسعة تحت عنوان «تمثلات الخطاب الاحتجاجي للألتراس في المغرب وتأثيراته السياسية» لأستاذ العلوم الاجتماعية سعيد بنيس إلى أن «دينامية الألتراس بالمغرب عرفت تحولا بارزا بعد سنة 2016، وهو تاريخ صدور قانون المنع، حيث بعد عودتهم إلى الملاعب صار خطاب الألتراس خطابا احتجاجيا؛ فانتقلت معه حلبات الرياضة إلى مواقع لتمرين سياسي للشباب، وعنوانا لانخراطهم في الصيرورة الاجتماعية والسياسية الوطنية والإقليمية. وترى الدراسة التي نشرت في العدد الثاني من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات أن «كل هذه المظاهر ما هي إلا نتاج لمجموعة من التحولات الاجتماعية التي أنتجت تعبيرات جديدة وخطابا احتجاجيا مضادا في المغرب يجسده احتجاج الألتراس».
وتضيف خديجة هي موجة من المواقف الغاضبة والخطابات الاحتجاجية التي أضحت تجتاح الملاعب المغربية، ليس فقط تعبيرا عن المشاكل الاجتماعية أو السخط السياسي، بل تفاعلا مع كبرى القضايا السياسية وقضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ونستدعي هنا، على سبيل المثال، أغنية «رجاوي فلسطيني» التي حاكتها كلمات جمهور الرجاء، والتي جاءت تعبيرا عن التآزر والارتباط الوثيق بين المغرب والشعب الفلسطيني وتضامنا معه في الدفاع عن قضيته وقضية الأمة العربية الأولى. وقد حملت كلمات الأغنية رسائل مناهضة للصهيونية. كما أظهرت رغبة جماهير الرجاء في زيارة فلسطين ومساندة الشعب في تحرير القدس الشريف.
حلقت أغنية «رجاوي فلسطيني» خارج مدرجات الملاعب، لتجوب العالم العربي، وتلقت ترحيبا كبيرا من لدن الشعب الفلسطيني خصوصا والوطن العربي عموما، إذ تنم عن وعي الجمهور الأخضر بالقضايا السياسية سواء الوطنية أو العربية واهتمامه بمختلف المشاكل التي تمس المواطن العربي.
الواضح أن مجموعات الألتراس بالمغرب تطلق رسائل عديدة تشي بأنها أكثر وعيا بالمتغيرات السياسية، يتعلق الأمر بشباب تفطنوا للقضايا الوطنية أو تلك التي تشغل العالم، فبادروا بإنتاج مضامين احتجاجية تتخللها نزعة خطابية شديدة اللهجة، تحيل إلى تأثر شباب الفصائل بالوقائع والتحولات السياسية المتوالدة. ولا يقف التأثير عند ذلك بل يساهم في استقطاب الشباب. فكرة القدم إذا باتت تقرب المهوّسين بها من طاولة السياسة وليس إبعادهم عنها. ويظهر ذلك وبوضوح في المدرجات، حيث تأخذ الشعارات، أحيانا، أبعادا بعيدة عن القالب الرياضي.