الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …
بعد أن أعلنت وزارة الداخلية عن حل الألتراس على إثر أحداث مقابلة الرجاء البيضاوي والريف الحسيمي والتي اعتبرها العديد من المتتبعين مجرد النقطة التي أفادت الكأس ، فقد كانت الداخلية تنتظر فقط مثل هاته اللحظة من أجل الانقضاض على الألتراس نظرا لما أصبحت تشكله من قوة ضاربة داخل الملاعب، وكذلك التأثير في العديد من الأحداث التي عرفها المغرب، سواء متعلقة بالرياضة بصفة خاصة أو على اعتبار الأحداث الأخرى.
يمكننا القول إننا بصدد تأسيس ثاني للألتراس في المغرب بعد قرار حل الداخلية لها، حيث ارتد ذلك القرار على السلطة، فبعد سنوات من اتخاذه أثبتت روابط الألتراس ألا غنى عنها في المشهد الرياضي المغربي لا سيما حين نجحت في دفع الجمهور الكروي إلى مقاطعة مباريات البطولة المحلية، وهو ما جعل الملاعب تفقد رونقها الذي كانت تضيفه تلك الروابط عليها، فقد كانت تغطي على العرض الكروي المتواضع للفرق الوطنية، هذا رغم المحاولات الفاشلة لتعويض غيابها من طرف الأطراف الرسمية من خلال عدد من الجمعيات المرتبطة بها.
كما فاجأت روابط الألتراس المتتبعين الرياضيين بقراراتها الوحدوية التي اتخذتها في مواجهة الداخلية، فقد تقلصت مساحة التناحر والاصطدامات بينها بشكل ملموس التي كانت توظف سابقا لتأليب الرأي العام ضدها وزادت في المقابل جرعات السخط والغضب في مدرجات الملاعب على السلطة.
لقد أخلفت المقاربة الأمنية الموعد مع ظاهرة الألتراس، فباختيار الدولة العصا الغليظة حلا أوحدا في التعاطي مع مشجعي الكرة لم تترك الخيار أمامهم، فخلافا لكيانات سياسية ونقابية ومجتمعية التي قد يُخضِع بعضَها القمعُ المخزني فإن هذه الفئة غير معنية بتهديدات الدولة لها لأنها ببساطة لا تملك شيئا تخسره.
لقد خسرت السلطة رهانها على تدجين هذه الفئة العريضة التي شكلت عودتها للميادين الرياضية بنفس جديد ضربة للتوجه الذي كان يرمي إلى استئصالها وإزاحتها من الصورة، فقد تحولت إلى صوت الشباب المغربي الذي أصبح يبعث برسائله إلى من يهمه الأمر عبرها دون وساطة، وما رسالة “عاش الشعب” المقموعة التي تردد صداها في ملاعب مختلفة إلا مؤشر واضح على كمية الغضب المخزون الذي يُفَرَّغُ في المدرجات والذي لن يطول الأمد به حتى يتمدد في سائر الفضاءات العامة ما دام الاختناق هو شعار المرحلة.
وشكلت المظاهرات التي عرفها المغرب في 2011 جراء موجة ما يعرف بـ «الربيع العربي» أهم مرحلة بالنسبة لـ «الألتراس» بخصوص التعبير السياسي، وانخرط بعضها في حركة 20 فبراير، التي قادت الحراك بالمغرب، وأسهمت في مسيرات عدة تطالب بـ «العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد.»
ويعتبر الباحث المغربي في علم الاجتماع، سعيد بنيس، في إحدى دراساته حول موضوع «الألتراس» أن من الملاحظ أن الشعارات المتداولة لم تصبح مقتصرة على جمهور أو «ألتراس» فريق معين، ومحصورة في مواقع بذاتها (ملاعب كرة القدم)، بل صار لها وجود وتداول خارج هذه المواقع، وتم تملكها من أطياف مختلفة من مواطنين لا علاقة لهم بالرياضة ويعيدون تصريفها في مواقع مجتمعية أخرى مثل المعاهد الجامعية والأسواق والمسيرات الاحتجاجية، فالخصم لم يعد الفريق المقابل أو السياسة الرياضية أو الجامعة أو المدرب، بل السياسات الحكومية، معتبراً أن المواجهة الخطابية تتم بتفويض الرياضة كجسر للاحتجاج وتحقيق الفاعلية والانخراط في المجتمع.
ويؤكد الباحث المغربي أن الجماهير الرياضية كانت في السابق ترفع لافتات ضد المؤسسات الرياضية، واليوم أصبحت المضامين ذات المرجعية السياسية والحقوقية الطاغية في الشعارات داخل الملاعب٠
وقد اتسمت علاقة «الألتراس» مع السلطة بالتوتر، كما هي الحال في باقي الدول العربية، على إثر المتابعات القضائية التي لحقت عدداً من المنتمين لبعض مجموعات المشجعين، بسبب أعمال الشغب التي عانت منها ملاعب المغرب أعواماً عدة، وأصبحت ظاهرة مقلقة تضرّ بسمعة كرة القدم، واتهمت السلطات «الألتراس» بالضلوع فيها، ودفعت تلك الوضعية وزارة الداخلية المغربية إلى حل كل «الألتراس» خلال 2016، رغبة منها في وضع حد لظاهرة الشغب في مجال الرياضة، إلى أن عادت عن قرارها العام 2018، وسمحت من جديد بعودة تلك المجموعات إلى مدرجات الملاعب.