كشف مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة عن معطيات صادمة بخصوص تصاعد وتيرة استهداف الصحفيين والمنشآت الصحية في قطاع غزة، معتبرا أن نمط القتل المتكرر الذي تنفذه القوات الإسرائيلية يدل على سياسة متعمدة تستهدف تكميم الصوت الفلسطيني وإحكام الحصار الإعلامي على القطاع المنكوب.
وشدد بيان المكتب على أن غزة أصبحت أخطر مكان في العالم لمزاولة مهنة الصحافة وذلك على ضوء مقتل أربعة صحفيين وإصابة ثلاثة آخرين خلال قصف استهدف مستشفى الأهلي بمدينة غزة، في ثالث حادثة دامية من نوعها تطال الصحفيين داخل المرافق الصحية.
وأشار البيان إلى أن الاعتداء على الصحفيين داخل المستشفيات لم يعد استثناء، مستحضرا هجوما سابقا أودى بحياة صحفيين اثنين في مجمع ناصر الطبي بخان يونس يوم 7 أبريل الماضي، وخمسة آخرين في غارة استهدفت مستشفى العودة يوم 26 دجنبر 2024. وأضاف أن شهر ماي وحده سجل مقتل 18 صحفيا فلسطينيا، فيما بلغ العدد الإجمالي للضحايا من الجسم الإعلامي 227 منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023، من بينهم 30 امرأة.
ولم يخف المكتب الأممي قلقه العميق من ما سماه استراتيجية عزل إعلامي, تقودها إسرائيل من خلال منع الصحفيين الأجانب من دخول غزة لأكثر من 18 شهرا، إلا في حالات نادرة وتحت إشراف عسكري مباشر، وهو ما يعكس رغبة في تعطيل التغطية المستقلة والحد من توثيق الجرائم والانتهاكات.
ووصف التقرير الأممي الهجمات الموجهة ضد الصحفيين بأنها انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني، مذكرا بأن العاملين في مجال الإعلام يتمتعون بوضع الحماية في النزاعات المسلحة، وأن الاعتداء عليهم يرقى إلى مستوى جريمة حرب.
أما على المستوى الصحي، فقد رسم البيان صورة قاتمة للنظام الطبي الذي يتداعى تحت وطأة القصف المتواصل. وذكر أن ثلاثة مستشفيات رئيسية في شمال غزة خرجت عن الخدمة، من بينها مركز غسيل الكلى الوحيد في المنطقة، في حين تعاني مستشفيات الجنوب من شلل شبه تام بسبب أوامر الإخلاء العسكرية والمعارك الدائرة في محيطها.
وتقدمت القوات الإسرائيلية نحو مجمع النصر الطبي، أكبر منشأة صحية في جنوب القطاع، مما يهدد بتعطيله بالكامل، بينما تعرض مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح لقصف جوي متكرر صباح 4 يونيو، حسب توثيق الأمم المتحدة.
وحذر المكتب من خطورة الهجمات الممنهجة والواسعة النطاق على المرافق الطبية، مؤكدا أن حرمان المدنيين من الحق في الرعاية الصحية يشكل استخفافا خطيرا بالحياة الإنسانية، ويعكس تجاهلا متعمدا من جانب إسرائيل لالتزاماتها القانونية تجاه المدنيين في أوقات النزاع.
ليست المرة الأولى التي تطلق فيها الأمم المتحدة أجراس الإنذار بشأن ما يجري في غزة، لكنها واحدة من المرات النادرة التي تشير فيها بوضوح إلى جريمة حرب تتخذ طابعا ممنهجا ضد الصحفيين والمنشآت الصحية.
ويرى المتتبعون ،أننا لم نعد أمام أخطاء عسكرية أو خسائر جانبية، بل أمام سياسة عنف موجهة نحو من يفترض أنهم محميون بالقانون الإنساني الدولي.
أن يقتل 227 صحفيا منذ أكتوبر، وأن تقصف المستشفيات مرارا رغم وضوح إشاراتها الطبية، وأن يمنع الإعلام الدولي من الوصول إلى غزة، يعني أن الرواية الوحيدة التي يراد لها أن تبقى هي تلك التي تحكى من فوهة المدفع.
في عالم يزعم الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، هل ننتظر بيانا آخر بعد أن تطمر الكلمة والصورة تحت الأنقاض؟
الأمم المتحدة تصف استهداف الصحفيين في غزة بالنمط الممنهج يرتقي لجريمة حرب

الكاتب : جلال كندالي
بتاريخ : 13/06/2025