تراشق بالحجارة في وجدة وتدخلات بالقوة في مراكش والدارالبيضاء وطنجة وغيرها
تواصلت أول أمس الاثنين احتجاجات شباب «جيل زيد» لليوم الثالث على التوالي، في تأكيد على إصرار المحتجين على مواصلة أشكالهم النضالية التي يدعون من خلالها إلى إصلاح قطاعي التعليم والصحة، وإلى ضمان حقّ الشغل، ومحاربة الفساد. والتحقت أفواج الشباب المحتج بمواقع الاحتجاج في المواعيد التي تم تحديدها وتقاسمها على مواقع التواصل الاجتماعي تلبية للنداء الذي تم تعميمه، وذلك في رسالة توضح بأن الأصوات التي ارتفعت مؤخرا التي تنادي بمجموعة من المطالب هي ليست بالأصوات العابرة وإنما هي تعبّر عن واقع تتشبث بإصلاحه والذي يتطلب أكثر من معالجة.
امتثال في أماكن ومواجهة في أخرى
وخرج المحتجون الذين رفعوا شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في عدد من المدن كما هو الحال بالنسبة للدارالبيضاء، الرباط، مراكش، طنجة، أكادير ووجدة، هاته الأخيرة التي شهدت وبكل أسف أحداثا غير سليمة، بعد أن اندلعت مواجهات بين الشباب الذين أصروا على إسماع صوتهم وتشبثوا بحقهم في التعبير، وبين القوات العمومية التي تدخلت للحيلولة دون ذلك، مما تسبب في مواجهة مفتوحة تم خلالها التراشق بالأحجار بين الجانبين، الأمر الذي جعل عددا من الفاعلين الحقوقيين ينتقدون الكيفية التي تم بها التعامل مع هذا الاحتجاج السلمي، وطرحوا علامات استفهام متعددة بخصوص التكوين النظري وآليات تصريفه ميدانيا للحفاظ على أمن الأشخاص وسلامة الممتلكات الخاصة والعامة؟
وعبّر عدد من الفاعلين عن استياءهم من الوضع الذي تعرفه المنطقة الشرقية اجتماعيا واقتصاديا، مشددين على أنه ولسنوات طويلة ظلت المنطقة محرومة من مجموعة من الخطوات التنموية الأمر الذي أثّر على الساكنة من مختلف الأعمار وعلى الشباب أساسا، الذي يتوفر على إمكانيات جدّ مهمة تحتاج للاحتضان والدعم لتطويرها، وبالتالي فإن احتجاجا من هذا القبيل كان يتطلب التعامل معه نضجا أكبر واستحضارا لكل التحديات والإكراهات التي تفرمل عجلة التنمية.
بين لفظة الحرية وقرار المنع
وفي مراكش، تدخلت القوات العمومية في ساحة جامع الفنا من أجل منع كل تحرك قد يكون مؤشرا على إمكانية انطلاق وقفة احتجاجية، وتم اعتقال مجموعة من الشباب الذين تواجدوا هناك، حتى دون أن ترتفع حناجرهم بترديد أي شعار أو مطلب، ولوحظ إفراط كبير في تدبير خطوات منع الاحتجاج من طرف المسؤولين ومختلف العناصر، وهو ما وثقته الكاميرات خلال تلك التدخلات.
ووجد بعض الشبان أنفسهم أمام حالات من العنف اللفظي والبدني كذلك، وفقا لما تم توثيقه، الأمر الذي سبب توترا كبيرا، خاصة حين كان يتم إيقاف عدد منهم بكيفية مهينة، مما جعلهم ينتقلون لاحقا إلى ترديد مجموعة من العبارات على رأسها لفظة «حرّية»، التي جرّت عليهم غضب وسخط أحد المسؤولين الذي استشاط غضبا وكشفت طبيعة تدخلاته عن صعوبة في استيعاب مفهوم لا يعبّر عن حالة معيّنة واحدة بل يمتد ليشمل مجموعة حقول ذات الصلة بالحقوق.
درب السلطان ..
الاحتجاج المتواصل
أما في الدارالبيضاء فقد وجدت السلطات العمومية نفسها «مضطرة» للاستعانة بشاحنات لاستعمال خراطيم المياه التي تعتمد في فكّ الاعتصامات وتفريق الاحتجاجات، وانطلقت تدخلات العناصر الأمنية ومع باقي المتدخلين في البداية على مقربة من سوق حي درب غلف، وهي العملية التي طالت المحتجين والمارّة بل وحتى بعض تجار درب غلّف، وفقا لتصريحات استقتها الجريدة. وبعد مطاردات ومشاهد للكرّ والفرّ، انتقل الشكل الاحتجاجي الذي دعا إليه «جيل زيد» في العاصمة الاقتصادية نحو منطقة درب السطان، والذي امتد لساعات طويلة، عرف إنزالا قويا تحت إشراف نائب والي الأمن وعامل العمالة، وعدد من المراقبين العامين والمسؤولين الأمنيين والإدارة الترابية، فتمت ملاحقة المحتجين من درب المنجرة إلى ساحة بوشنتوف، مرورا بشارع بني مكيلد والأزقة المتفرعة عنها إلى غاية زنقة العباسيين، في مشاهد تطرح أكثر من علامة استفهام، وفقا لعدد من الفاعلين الحقوقيين، بخصوص منهجية التعاطي مع هذا الاحتجاج الشبابي؟
مشاهد تتكرّر والأمن يوضّح
بدورهم شباب الرباط، جعلوا من أزقة وساحات المدينة القديمة مسرحا لاحتجاجاتهم، بعد الانتقال إليها من شارع محمد الخامس، حيث واجهوا نفس المنع واستعمال القوة في التفريق، وتكرّر نفس السيناريو في طنجة وأكادير وباقي المناطق التي لبى شبابها الدعوة للاحتجاج. وعلاقة بالموضوع أكد «مسؤول أمني» أن تدخل القوات العمومية لمنع تجمهرات دعت إليها جهات مجهولة، نهاية الأسبوع، تم وفق مقاربة متوازنة تحرص على صون مرتكزات النظام العام وضمان سلامة عناصر هذه القوات والمتجمهرين.
وأوضح الخبير ذاته، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه بناء على قرار من السلطات المحلية يقضي بمنع التجمهرات التي دعت إلى تنفيذها بمجموعة من المدن المغربية جهات مجهولة، بناء على محادثات مجهولة صادرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا على أحد تطبيقات الدردشة الافتراضية، نفذت القوات العمومية يومي السبت والأحد الماضيين البروتوكولات الأمنية الاعتيادية من أجل السهر على تنفيذ هذا القرار، مشيرا إلى أن منع التجمهرات العمومية والمشاركة غير المشروعة فيها كان هو الهدف من الترتيبات الأمنية التي اعتمدتها القوات العمومية، مبرزا بأنه لتحقيق هذه الغاية فيد تم نشر وحدات بالزي الرسمي الوظيفي وأخرى بالزي المدني التي تحمل هوية بصرية مميزة للقوات العمومية، وهي الوحدات التي لم تكن مجهزة بأي من الأسلحة الوظيفية أو وسائل التدخل الاعتيادية، من قبيل عصي الدفاع وشاحنات ضخ المياه والقنابل المسيلة للدموع التي تعتبر وسائل اعتيادية لتفريق التجمهرات.
وأوضح المتحدث الأمني، الذي لم يتم الكشف عن هويّته، أن التدابير المتخذة جاءت لصون مرتكزات النظام العام بدون تفريط ولا إفراط، مع ضمان سلامة عناصر القوة العمومية والمتجمهرين، مبرزا بأنه خلال الأوقات المعلنة لتنظيم هذه التجمهرات حرصت القوات العمومية أولا على ضمان حرية التنقل بالشارع العام وسهولة السير والجولان به، قبل أن توجه الإنذارات الصوتية الثلاثة باستعمال مكبرات الصوت المنصوص عليها قانونيا، وذلك من أجل مطالبة المتجمهرين بالتفرق بناء على ما جاء في قرار المنع. وأضاف المتحدث بأنه بعد إشعار المشاركين بقرار المنع حرصت عناصر القوات العمومية على إبعاد من رفض منهم الامتثال بشكل سلمي ودون اللجوء لأي شكل من أشكال الاستعمال المشروع للقوة، إذ تم الاكتفاء بإبعادهم بشكل سلمي، الأمر الذي استجابت له غالبيتهم دون أي عنف أو مقاومة، أما القلة من المتجمهرين التي رفضت الامتثال لعناصر القوات العمومية، فقد تم ضبطهم وإخضاعهم لإجراءات التحقق من الهوية تحت إشراف النيابات العامة المختصة وداخل مراكز الشرطة الأقرب لمكان التدخل، حيث تم الحرص على إطلاق سراحهم بشكل فوري، دون أي تقييد لحرياتهم بمقتضى التدابير الاحترازية المقررة قانونا.
ظهور أمني واختفاء حكومي
وإذا كانت المؤسسة الأمنية قد خرجت لتقديم توضيحاتها بخصوص طريقة تعاملها مع احتجاجات «جيل زيد»، فإن المقلق وبشدة هو استمرار اختفاء حكومة عزيز أخنوش، التي تركت وزارة الداخلية في مواجهة الغضب الشبابي بسبب فشل سياساتها العمومية، وكذا إجراءاتها التي زادت في اتساع مظاهر الهشاشة الاجتماعية والفقر، في الوقت الذي أضحى فيه الغلاء، واتساع رقعة البطالة، وتقهقر النمو، وغيرها من المعضلات الأخرى هي خلاصات التدبير الحكومي الذي تبين الأرقام وبجلاء بأنه كان تدبيرا فاشلا الذي لم يحقق السلم الاجتماعي الذي هو أساس تطور المجتمعات.