الأنتربولوجية غيثة الخياط تفتح : «صندوق العجائب»

 

احتضنت مكتبة BLOOM بالدارالبيضاء، مساء يوم 7 يونيو 2022، لقاء مع الأنتربولوجية غيثة الخياط، وذلك بمناسبة صدور كتابها الأخير: «مغرب التقاليد والعادات» الصادر عن دار «لامارتان»(9 أبريل 2021). أدار هذا اللقاء، الكاتب والسيناريست الفرنسي «ديديي فولياس» Didier Folléas.
«هذا الكتاب يخضع لكتابة متعددة. فهو أولا كتاب انتربولوجي، وثانيا يستدعي الجماليات، واللغة، وعلم النفس اللغوي، والتراث الشفوي، وفن التشكيل، والفوتوغرافيا، والذاكرة الشخصية والجماعية، والرصيد الوثائقي الهائل، المنجز حول المغرب، منذ أكثر من مائة سنة.» كما جاء في مقدمة الكتاب.
في بداية اللقاء تساءل المسير، كيف نقدم غيثة الخياط؟ أنتربولوجية، روائية، طبيبة…؟ في رصيدها أكثر من ثلاثين مؤلفا، وما يربو عن 350 مقالا. فأمام هذه الببليوغرافية الغنية والمتنوعة، لا يسعنا إلا أن نقدمها بصفتها امرأة الآداب. وأمامنا كتابها «مغرب التقاليد والعادات». كتاب عالِم savant مكتنز بالموضوعات، التي يتناولها، والوثائق التي تزينه. هذا الكتاب يشبه مؤلفته، حين نتصفحه نشعر أنها بجانبنا.
صنف رئيس الجلسة خمسة سجلات تؤطر هذا الكتاب: الاثنولوجيا، والحكاية، والتاريخ والأدب، والمسافة التفكرية حول الحداثة. إنه كتاب مفتوح يقول «ديديي» كُتِبَ بعمق إنساني، وعشق للكلمات، وحب شديد للحضارة المغربية، كتاب فيه إثارة وولع.
أثار «فالياس»، في البداية، ملاحظة حول عتبة الغلاف، وهومن تصميم الكاتبة نفسها، عبارة عن أرضية من فسيفساء تتوسطها امرأة. قالت عنها الخياط إنها صورة امرأة حضرية فاسية أو رباطية، تعود إلى سنوات الأربعينيات.
اقترح «ديديي فالياس» إحدى تقنيات التنشيط، متمثلة في لعبة وظف فيها صندوقا( من الصناعة التقليدية)، يحتوي على وريقات، كتبت عليها كلمات واردة في الكتاب (حملته معي من البيت، دون أن تعلم زوجتي بذلك، قال مازحا ومحتفيا بأحمد الصفريوي صاحب رواية صندوق العجائب). وبدورها قدمت الخياط شهادة مقتضبة في حق أحمد الصفريوي وهي تعده من أكبر جَماعي الكتب، مُشِيدَة بثقافته الواسعة، وقلقها على مآل مكتبته بعد وفاته.
أول ورقة سحبتها الخياط من الصندوق، كتبت عليها كلمة «وشم» ذكرتها بفضل أستاذها «جورج دوفرو» في توجهها نحو الانتربولوجيا، مشيرة إلى النكهة الاستعمارية للاثنولوجيا. وموضوع الوشم يهم أيضا، السيميولوجا بوصفها علما يدرس العلامات والرموز. والوشم هو جزء من الطقوس ويختلف من قبيلة إلى أخرى، وفي مواضع مختلفة من الجسد. وينفلت الوشم حاليا من كل تفسير ليبقى السؤال لم يشم الناس أجسادهم؟ وهل هو طقس إيجابي أم سلبي؟ لا أملك جوابا تقول غيثة. الموشوم إنسان يبحث عن الفرادة، ويشبع رغبة دفينة، ويعزز وجوده الفردي. إن الوشم أصبح صناعة عالمية مدرة للأرباح، لها المستثمرون فيها(أغنياء العالم) الطامحون إلى تشكيل إنسان لا تعرف أبعاده، تقول الكاتبة.
توقف التداول في كلمات الصندوق، ليفسح المجال للنقاش، كما فضلت الكاتبة. أثار الفنان زينون سؤالا استفهاميا: لماذا لا يشم الرجال أجسادهم؟ (في سياق التقاليد والعادات) على عكس النساء الجميلات والجميلات يحملن «حماقة». تفاعلت الخياط مع ملاحظة زينون وقالت إن جمال المرأة مقصود، والعناية به مطلوبة، لتحقيق الزواج: في الحمام، وتصفيفة الشعر، واعتماد معايير أخرى كفم المرأة الصغير، وبشرتها البيضاء…
وعن سؤال: لماذا يسقط الانتربولوجيون في الإغرابية؟ ردت غيثة الخياط أنا انتربولوجية لكن لست إغرابية؛ لأنني أتناول هذه العادات والطقوس والتقاليد، من الداخل. وحين أدرسها من الخارج، حينئذ أكون إغرابية، كمثل بعض الطقوس، التي تمارس في فرنسا (فطام الطفل). إن الأشياء الإغرابية نبحث عنها هنالك، في مكان آخر، كونها لا تصدق ولم نتعود عليها. وليس فيما نعيشه.
وأجابت الكاتبة عن سؤال: كيف نحافظ على الإرث الذي تركه الرجال، وخلفته النساء؟ هذا من أدوار وزارة الثقافة، والجامعة، فليس لدينا مؤسسة تعنى بالتكوين في حقل الانتربولوجيا. وحينما ندير ظهرنا، لهذا الإرث العظيم، نكون قد هدمنا تراثا جميلا شاركتنا العولمة في هذا الهدم. لنتوقف عند لحظات مضيئة منه، كجامعة القرويين العريقة، والأعلام الكبيرة كابن رشد وابن سينا…ولنقارنها بما آل إليه الوضع في مستوى أداء جامعتنا والتفاهة الرائجة بيننا. أفول حضاري منذ ثمانية قرون، وتراجع منذ ستينيات القرن الماضي. الإرث الذي تركته النساء، هن نساء أميات، لكنهن على قدر كبير من الذكاء والنباهة، في التواصل واللغة، ومبدعات فيما أنجزنه، في مجالات الطبخ، والحياكة والزرابي…
ثقافتنا مهددة أم حية؟ مهددة بالتأكيد ترد الكاتبة؛ لأن سبل صيانتها، والمحافظة عليها مقطوعة، وبتأثير التفقير والتنميط نصير أشباها، وتتبدد فرادتنا، وتُفْتَقَدُ الحلقات الواصلة بين الأجيال.
عن سؤال في العمارة، لا بد من المحافظة على الإرث، وإضافة الجديد، لننظر تقول الخياط إلى الكوارث في التعمير: مجال أخضر منكمش، ومعمار مفتقد إلى الانسجام، وإقامات بحجم أقفاص… هذا مشكل في التعمير والمعماريين.
كانت الورقة الثانية، التي استلتها الكاتبة من الصندوق تحمل موضوع: إسلام الأضرحة والزوايا. إسلام يتعارض مع الإسلام السني ويتحكم فيه هذا الأخير، كما أن الوليات الصالحات نادرات (عيشة البحرية، لالة تاجة…).
افتقدنا عاداتنا وتقاليدنا وجماليتها، كفطور رمضان، الذي أفرغ من محتواه، وضاعت منه بساطته وخصوصيته، وصارت تربية الصقور تستقطب غيرنا أكثر منا. لم يعد للجميل مكان بيننا(تتحسرغيثة الخياط).
ليرفع الأستاذ «ديديي فالياس» الجلسة بكلمة ختامية قائلا: «هذا الكتاب بمثابة صندوق عجائب، لا بد أن يعثر فيه القارئ على عجائب، في الطقوس العادات والتقاليد المغربية، وقد نُسِقَتْ تنسيقا بديعا».


الكاتب : محمد معطسيم

  

بتاريخ : 17/06/2022