الأوبرج

 

أدر أيها النادل
من دون أن تعبأ بالحساب.
نريد أن ننسى البلاد والعباد.
نريد أن نثرثر على سبيل السكر من غير أن نخاف.
نريد أن نخرج من المتحف.
نريد أن نتذكر أجسادنا فيشتعل الجحيم دفعة واحدة.
نريد أن نخرج من يد الخلسة
من «جنب الحيط» إلى الشارع.
نريد صورة كاملة لنا ولكل العائلة.
نريد آباءنا الذين ذهبوا تحت التراب وليس فوقه.
نريد أمهاتنا على عتبات البيوت بلا مرض أو مقبرة.
***
أدر أيها النادل
فنحن سكارى
مسنا النقصُ
ومسنا الحيفُ
ونريد أن ننتقم من المدير
من الوزير
ومن زوجاتنا اللواتي
يضحكن من قبضة الموت ويفلتن من جهودنا القاتلة.
أدر بلا قلّة
هي دورة أو دورتان ونلمس في الفضاء
مدينةً طالحةً في غير هذي الأرض
الموحشِة.
***
أدر أيها النادل
بزوجة العنب
أدر لا عليك
بأخته القديمة والمعتقة.
يؤلمنا الصحو
وتؤلمنا العزلة
ويؤلمنا لصوص السياسة
وسماسرة البنوك والدول
وتؤلمنا أشباح النهار
حين تطل في عز الظهر
على هيئة تجار حرب ربحوا بها
وسيربحون بعدها.
***
سكارى نحن
كأننا في قصيدة لم تقرأ بعد ولم تنشر.
كأننا ننسى.
كأن النسيان يشرب معنا
كي لا يجف
فخذنا بحدبك يا حليب السباع
خذنا
كي لا نجفّ مثل بلعوم ميت
غاية الناس أن يضحكوا وغايته الوحيدة في البكاء.
ها نحن هنا:
مبدعو أمجاد لا تُرى بالعين المجردة.
سيئو معشر تأخذنا شجاعة الكحول إلى شجار
لا يمكن الجزم بنهايته إلا في مخفر المدينة.
موظفو حكومة جاءت وحكومة ترجلت.
مستشارو حزن قديم يهزون رؤوسهم المرهقة.
صحافيو خبر باهت يعتقدون أنهم البلد.
شعراء بموهبة
وآخرون لم يعرفوا أين بابها.
وحدويو نزهة على ظهر دبابة.
ثوريو مرحلة
وعمال نظام مال بهم وفرغ صورتهم
ولم تبق سوى مؤخرة في الظل من إطارها.
جماليو لون يؤثثون الفن بامرأة في الخيال
كصورة متحركة.
ملتحو موضة وبرؤوس تميل نحو سفارة أو منحة معولمة.
سائقو شحن عادوا إلى الكحول بدلا من بيوتهم.
أبناء منظمات تقطعت بهم السبل.
أيتام أحزاب عادوا من الطريق إلى الطريق.
كتاب تقارير بالمياومة.
***
أدر أيها النادل
وأسند لنا هذي الجدران قبل أن تتأرجح أو تقع
وكلم الأرض لكي لا تدوخ على الأقل، فلم نزل في أول السهرة
ندس أكتافنا في فم الغياب لكي نهرب.
أدر كلما زاد الفقد
لا نريد الحزن
سكارى نحن بالجمع
بالكاد نرى أو نُرى
وبغير الماضي لا أحد يدل علينا
ولا أحد يعرف دربنا.
.. وأنت يا هذا الأوبرج
خذنا إليك وضمنا بأضلاعك المتوجعة
فنحن من كنا نحارب
وندفع بجنودنا
وفي جنباتك تولدت أفكارنا
ومنها كنا ندير العالم بسياسة مثلى
وجغرفة خدرة
لا يسقط فيها إلا من ثمل وضيّع الطريق إلى فمه.
نحن قادة الليل إن طار أم قصر
ولنا المجد بين تماثيل النهار
ولنا كبد طرية في كل حزن
وفي كل غناء.
ولنا جروح قديمة وأخرى جديدة
وأنت مكان لمن لا مكان له
وربما مشفى
وربما عيادة مختصة بالنفس
وربما كرسي للظهر المكسور
أو فكرة لبقاء محتمل لمن تقاعد
أو أراد أن يسير مترنحا
بمثانة ملأى برغوة الشعير.
***
أدر
وقل لنا
لِمَ يبدو المكان رائقا في هذه الليلة
وكيف صارت اللوحة هكذا:
عاشق مع عاشقة
بأصابع من دفء
ينظر الجمع إليهم بحسد
وربما بسخط
يحبذ أن يطفئ نورهم
نكاية بمن يتحدثون بفم واحدة
ويشربون مزاجها بهدوء لا يغتفر
ويرجعون إلى أسرة
غير «منجدة».بالملل.
(*) شاع أردني راحل


الكاتب : زياد العناني (*)

  

بتاريخ : 02/08/2024