إن أطفالنا لا يعانون فقط من ضعف البرامج الحكومية الخاصة بالعناية الصحية والعقلية والنفسية ولا من قلة وسائل الترفيه والتثقيف ولا من تخلف الأنظمة التربوية المدرسية، بل إنهم يعانون كذلك من مجموعة من المشاكل الأساسية التي تهدد وجودهم كبشر وتهدد هويتهم الإنسانية وتهضم حقوقهم وتشكل مخالفات فاضحة للإعلان العالمي لحقوق الطفل عام 1959.
إن أطفالنا يفقدون شخصيتهم من جراء سيادة مناخ القمع والتهميش في الشارع وفي البيت على حد سواء، إذ يسود ( الاتجاه التسلطي في التنشئة الاجتماعية وفي العلاقات بين الأفراد والمؤسسات ) ولا غرو فالآباء أنفسهم يرزحون تحت عبء التسلطية كقيمة في ثقافتنا تمتد إلى ابعد من الأسر لتشمل الحياة الاجتماعية والسياسية ووسائل الإعلام وغيرها من الجوانب الأخرى للثقافة السائدة والمستبدة ، وحتى البرامج الرسمية الخاصة بحماية الطفل وتنمية قدراته لا تنمي شخصية الطفل ، يقول محمد جواد (شخصية الطفل مفقودة في المدرسة كما هي مفقودة في البيت ولا يوجد مجال للطفل أن يتعود وضع قرار معين لنفسه فكل شيء معد له حتى الزى المدرسي موحد … لاحق له أن يتمرد عنه )
إذن فالمدرس ليس مسؤولا عن تنامي سلوكات العنف والعنف المضاد والتمرد والتهميش والإجرام،بل المسؤول هو فشل البرامج الرسمية الخاصة بحماية حقوق الطفل ، وتخلف المنظومات التربوية .
الإحباط مصدر العنف والتمرد والتخريب
إن أول شيء يثير انتباه المهتم بقضايا التربية والتعليم في بلادنا هو سيادة « ثقافة الصمت « في المدرسة المغربية وانتشار حالات الإحباط في صفوف المتعلمين والمتعلمات ، حيث اغلب التلاميذ ( ينسحبون من المشاركة في الدرس ويمكثون في صمت رهيب داخل الفصل الدراسي وآخرون يبتلعون ما يقدمه البرنامج الرسمي بدون حماس ولا حيوية ولا يسائلون المقررات الدراسية ، وإضافة إلى ذلك إنهم يمارسون مقاومة عدوانية وينتجون سلوكات سلبية …انه عنف رمزي قائم في المدرسة والمجتمع يفرض الصمت على التلاميذ . ( محمد بوبكري – تأملات في نظام التعليم بالمغرب)
ولفهم هذه التحولات والتغيرات الحاصلة على مستوى السلوك الفردي والجماعي للمتعلمين داخل المؤسسة التربوية أو في الوسط الاجتماعي بصفة عامة، صاغ بعض علماء السلوك الاجتماعي آليات مختلفة من الشخصية للربط بين الخصائص الشخصية والعنف والعدوان وكان أهم تلك الصياغات النظرية تلك التي ترى أن الإحباط يؤدي إلى العدوان (م . ارجايل) ، فالأفراد الذين يتعرضون للإحباط تحت ظروف قاهرة ولا يستطيعون تغييرها يتنفسون عن غضبهم وعدوانهم باتخاذهم الآخر – الأب / الأستاذ / الغريم .. كبش فداء.
إن الإحباط يؤدي إلى توليد سلوكات عنيفة وحادة كثيرا ما تدفع الفرد إلى الهروب من الحقيقة ومن الواقع وتسبب في الفشل الدراسي والانقطاع عن العالم الأسري والتربوي والاجتماعي ،بل التمرد على القيم والسلطة الأخلاقية ،وقد يصل بالأمر إلى العنف والتمرد والتهميش والإجرام .
هذه المقاربة التحليلية النفسية ترى أن الإحباط يؤدي إلى ظهور ردود أفعال عنيفة لدى الشخص المحبط ويسمح بوجود استعدادات للانخراط في أي أعمال عنف جماعية.
إذا كان هذا التركيز في علم النفس وفي نظرية التحليل النفسي بصفة خاصة يكون على الذات الفردية وإذا كانت نظرية التحليل النفسي تركز على الإحباط الناجم عن الحرمان الجنسي باعتباره متعلقا بأعمق الغرائز الإنسانية تأثيرا في السلوك، إلا أن فرويد وهو واضع أسس نظرية التحليل النفسي لم يغفل التفكير في الإنسان المجتمعي وفي الاحباطات الناجمة عن الحياة المجتمعية بصفة عامة …إذن فالعنف قد ينتج عن خيبة الأمل التي تظهر عند الحرمان عن رغبة حيوية لدى الإنسان ..انه الإحباط الذي يشعر به الفرد عن خيبة أمل من هذا المجتمع أو هذه المؤسسة أو هذه الجماعة فتحرمه من بلوغ تلبية حاجاته .
إن العنف والعنف المضاد ما هو إلا نتيجة إحباط في تحقيق رغبة أو حاجة أو فشل في التكيف والضبط والتملك .
ونحن نسائل انفسنا هل لنا معرفة بالخوف والقلق والإحباط الذي يعتري أطفالنا في مؤسسات التنشئة الأسرية أو في مؤسسات التربية و التعليم ؟ وهل لنا معرفة كافية بالسلوكات والحالات المرضية والنفسية الناجمة عن الإحباط وما يصيب التلميذ المراهق من تغيرات سلوكية تنحو به نحو العنف أو الإدمان أو التمرد ؟ انه بدون فهم هذا الكائن المتغير بيولوجيا ونفسيا واجتماعيا لا يمكن فهم ظاهرة العنف أو الإحباط ومستويات تمظهرها داخل الفصل أو خارجه ؟
إنه لا يمكن للمؤسسة التربوية أن تمارس وظيفتها التربوية والتعليمية ولا أن ترسخ مبادئ التربية على قيم الحرية و الديمقراطية والتسامح والاختلاف وما يرتبط بذلك من مبادئ و سلوكات إذا لم نكن على معرفة بالشخصية الإنسانية في مرحلتها الطفولية وفي مرحلة المراهقة وما يخص العلاقات بينها وبين مؤسسات التنشئة والتربية والتكوين .
الطفولة .. أساس فهم الإعاقة السلوكية
تقول أليس ميللر «أن اندفاع الشباب إلى العنف والمخدرات والتطرف الفكري بكل أشكاله دليل على فشل المجتمع ومؤسساته في مواجهة عالم الطفولة المخيف ، وفي هذا السياق تشير أليس ميللر إلى الجريمة الكبرى وهي قيام المجتمع ومؤسساته التربوية بتخريب إنسانية أطفالهم وقتل طاقتهم على الإبداع والتفرد تحت اسم من اجل صالح الطفل ، وصالح المجتمع .
إن عقاب الأطفال يخلف لديهم شعورا بالذنب والجهل، والأسرة حين تلجأ لهذا الأسلوب ترى ذلك ضروريا لترسيخ القيم والسلوك الاجتماعي باعتبارها مصدر السلطة الأولى والوحيد ، لذا يسمح لها باللجوء للعقاب كمعالج للخطأ والعصيان مما يشعر الطفل بالعار والحرج .
وتعتبر أليس ميللر مأساة الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه مأساة نموذجية تجسد سلب الطفل من كل طاقة إرادية . فقد تعرض الطفل نيتشه إلى التعذيب الجسدي ومنع من الدفاع أو حتى التعبير بالغضب أو الصراخ كل ما كان متوقعا منه هو الطاعة وحسن السلوك ، ولم يكن أمامه إلا التأمل العقلي والتساؤل المجرد ليبقى على قيد الحياة .
تقول أليس ميللر انه لم يتنبه ليسال نيتشه لماذا أنت حزين ؟ ولم يلحظ احد لماذا كان يمرض عشرات المرات في السنة الواحدة ولماذا كان يعاني من روماتيزم مزمن في منطقة الحلق ؟
هذه الأعراض هي الدموع التي منع منها، وكانت تعبيرا عن التوتر المتراكم في جهازه العصبي الصغير، لذا كانت اللغة التي كتب بها نتشه فلسفته تعبر عن إحساسه الدفين بالوحدة وصرامة الحياة التي عرفها في طفولته.
إذا أسقطنا هذه الصورة المأساوية على كل أطفالنا الذين يعانون من الحرمان والإهمال والعنف وجدنا ردود أفعالهم تقوم على الرفض والتمرد وكثيرا ما يأخذ التمرد شكل إضراب عام بطيء – كالانسحاب من الاهتمام بالعالم الخارجي والكسل والتبلد …. وهو شكل من أشكال الصراع بين الآباء و الأبناء أو بين الأطفال والمربين ، و أشار دافيد شيكتير David Schecter أن التدخلات المنافية للطبيعة البشرية في نمو الشخص أثناء الطفولة وبعدها هو أصل الأصول في المرض العقلي عامة وخصوصا التدمير. فتركيب الجنس البشري له خصوصيته وهو لا يستطيع أن ينمو إلا وفقا لقوانين بناء الوجود الإنساني (أي بقوانين غير مفروضة على الطبيعة البشرية ) وأي سلطة تقربنا من هذا الهدف هي سلطة عقلانية عندما يتحقق ذلك التقريب بواسطة المساعدة على تعبئة نشاط الطفل وفكره النقدي وإيمانه بالحياة ،وتكون السلطة لا عقلانية عندما تفرض على الطفل معايير منافية للطبيعة البشرية ولا تخدم إلا أغراض السلطة المادية والرمزية .
المراهقة ولادة ثانية للفرد
إن الطفل المراهق يتمتع بالحيوية الحركية وبنفسية هائلة تحكم في جسمه ، فيحدث اندفاع هرموني يساعد على تطور الأعضاء التناسلية والأعضاء الأخرى للجسم ، وهذا الاندفاع الهرموني يسبب في تناقضات داخلية وخارجية وكثيرا ما تكون هذه التناقضات سببا في اضطراب العلاقات مع الآباء والمدرسين وتصل في أحيان إلى المواجهة، مواجهة المراهق لمحيطه الاجتماعي والعائلي والمدرسي ومحيطه الترفيهي والتنشيطي والعاطفي وهو من خلال ذلك يحاول يوميا تحقيق التوازن في علاقاته فإما ينجح في ذلك وإما ينحرف .
المراهقة هي سن الدخول في الحياة التعليمية المتوسطة أو التأهيلية و المؤسسة التعليمية تفترض قيام علاقات تربوية نموذجية موحدة مع الأستاذ ، وهو الذي يعمل من اجل تشكيل تربية المراهق حسب الأهداف والغايات العامة للتربية الوطنية ، من قبيل التشبع بقيم الاعتدال والتسامح والتربية على المواطنة والاعتزاز بالهوية الوطنية… كما أن للمراهق علاقة متواصلة إيجابا أو سلبا مع الفصل الدراسي الذي يمضي فيه كامل يومه، فيتريض مع الإيقاعات الزمنية اليومية والأسبوعية ، وقد يلاحظ المراهق انه بدا يبتعد عن النظرة السابقة لفهم العالم المحيط به مما يولد اضطرابات مفاجئة مع الدخول إلى مرحلة المراهقة . إنها ولادة جديدة .
كتب فليب كيطون في حديثه عن فترة المراهقة بأنها فترة انفجار، قائلا عنها أنها بداية طريق لتغيير العلاقات مع الراشدين ، و أنها قد تساعد على تجاوز العلاقات البدائية مع الآباء والمدرسين ، وهو تجاوز ضروري لمبدأ الطاعة إلى مبدآ الرفض ، مما يحول العلاقة بين المعلم والمتعلم وبين المربى والطفل أو المراهق من تبعية عمياء إلى استقلالية متفردة ومتحررة من الآخر .
لقد اهتم معظم علماء النفس الاجتماعي بإبراز جانب التفرد والاستقلالية وجانب الرفض والتمرد في الشخصية البشرية ، وأكدوا أن من أسباب التمرد والانحراف اضطراب الشخصية ، ولقد أوضح (مصطفى زيور) أن التمرد والرفض والتعصب ينشا عن اضطرابات لا شعورية وانه أشبه بسلوك العصابي ، وانه يؤدي وظيفة نفسية خاصة تتلخص في التنفيس عما يختلج في النفس من كراهية وعدوان مكبوت وذلك عن طريق عمليتي النقل والإبدال دفاعا عن الذات وعمن تحبه .
ويشير كل من كراون CRAWN و سيكال siegal و كوبر cooper وروكيتش rokeach إلى إحساس هذا الصنف من الشخصيات بعدم الاستقرار الوجداني والشعور بعدم الأمان والقلق والتوتر الناتج عما يتعرضون له من إحباط والذي يؤدي بهم إلى البحث عن كبش فداء ليحملوه مسؤولية فشلهم ويوجهوا له عدوانهم .
وأشار البورت allport إلى أن الشخص المتمرد والمتعصب هو شخص غير قادر على فهم الآخرين فهو يعيش في عالم مملوء بالشكوك يوجه هذه الشكوك والأوهام نحو الأعضاء الآخرين ويجد في ذلك متنفسا لإظهار هذه الجوانب المرضية من الشخصية .
لذا على الأسرة باعتبارها الوكيل النفسي الاجتماعي أن تحل هذه المعضلة الصعبة، والحق أن الأسرة قادرة بالفعل خلال عملية معقدة من التلقين والعقاب والثواب وبث الإيديولوجية المناسبة.
المدرسة و الأسرة في قفص الاتهام
إن العنف والعدوان الصادر عن التلاميذ أصبح ثقافة وسلوكا يطفحان على نظام المدرسة المغربية عمومية كانت أم خصوصية ، بل إن الظاهرة أصبحت مزعجة لجميع السلطات والمؤسسات ،ومن الممكن أن يكون مناسبا تسمية هذا الرفض العنيف للصمت من قبل التلاميذ ب»ثقافة التخريب « حين ( يوغلون أكثر فأكثر في العدوان أو التخريب أو يغرقون في صمت عميق ، أو يتعاطون أكثر فأكثر للمخدرات .. ففي بعض المدارس يصرخ التلاميذ العدوانيون في وجه رؤسائهم ويسخرون منهم ويقذفون بأشيائهم أرضا . ويدخلون إلى قاعات الدرس متأخرين ويغادرونها قبل انتهاء الحصة الدراسية ويتنقلون بفوضى داخل الأقسام ويستمعون إلى الموسيقى داخلها … يأكلون في الفصل …..انه من الصعب التدريس عند بلوغ التلاميذ هذا المستوى من المقاومة فاللانظام والفوضى يحطمان معنويات المدرس والتلاميذ ).محمد بوبكري – تأملات في نظام التعليم بالمغرب 97/101
وإن اتهام الآباء بالاستقالة وبتقصيرهم في تربية أبنائهم لن يعالج المشكل، بل بالعكس قد يبعدنا عن مواجهة المشاكل الحقيقية خصوصا وان السلطة الأبوية تشكل اليوم موضوع اهتمام متزايد من طرف كل الباحثين في الشأن السياسي و الاجتماعي والتربوي، فالعجز أمام ظاهرة جنوح القاصرين يجعل رجال ونساء التربية وكل العاملين في المنظومة وكذا رجال القضاء والقانون وغيرهم واعون بأن كل عمل منجز خارج دائرة التعاون مع الآباء لا جدوى منه .
إنه لابد من بناء سلطة تربوية واجتماعية وإنسانية جديدة تكون مشابهة لسلطة الآباء المتعلقين وجدانيا بفلذات كبدهم , في تجاوز ثنائية الجزاء/والعقاب عن كل خطا ارتكب من قبل طفل جانح ، لذا فإن إقصاء الأسرة من أي إصلاح أو بناء مجتمعي لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف ومزيد التخريب للقيم والممتلكات الرمزية . وان سلطة المدرس لا تكمن في وسائل الإكراه والضغط ولكنها توجد في الاعتراف الطوعي بسلطته المسموح بها .
إن المدرسين والمربين لا يتسلحون ولا يتذرعون بالسلطة العقابية ولا بالأساليب التربوية الصارمة كما يروج في بعض المواقع الاجتماعية.. وهي نفس المواقع التي لا تتحرك لأجل البحث عن الأسباب الموضوعية للظاهرة من قبيل فشل البرامج الحكومية والبرامج المستوردة الخاصة بالأطفال آو الشباب و تخلف الأنظمة التربوية الحالية بقدر ما تبحث عن الحكم و إدانة المدرس الذي هو أيضا ضحية هذا العنف ، وضحية تخاذل المؤسسات الرسمية في حمايته من الأمراض النفسية الناجمة عن شقاء العمل والظروف الصعبة للتدريس في القسم .
إن السلطة التي ينهجها أو يبحث عنها المربي هي تلك الموسومة بالسمة الاجتماعية والإنسانية والأبوية، وإلا فإن المؤسسة التربوية ستكون فاقدة الشرعية الأخلاقية و التلميذ حينئذ سيكون بين قوتين متصارعتين لا هو مرتاح لسلطة الأب والأم ولا هو راض عن سلطة المؤسسة التربوية فيحصل له التمزق .
إذن لابد من إعادة بناء السلطة التربوية والسلطة الاجتماعية للأسرة عبر برامج حكومية خاصة بالعناية الصحية والعقلية والنفسية للأفراد وتوفير وسائل الترفيه والتسلية والتثقيف وإعادة بناء نظام تربوي مدرسي إنساني وحياتي .
المدرس ..مربي ومرشد نفسي
إن الجهل بالجوانب الاجتماعية والنفسية للمتعلم يدفع بالمربي إلى الإخفاق في تدبير الفصل الدراسي وسير العملية التدريسية باعتبار أن القسم هو مجال عاطفي ومجال نفسي اجتماعي أكثر مما هو مجال معرفي تتحكم فيه ليس فقط القوانين الشكلية والأعراف وإنما كذلك مجموعة من القواعد والقيم والأهداف التي تنشا تحت تأثير التفاعلات التي تتم في إطاره .
القسم ليس مجرد مجموعة من الأفراد متواجدين من اجل تحقيق أهداف تربوية وإنما هو كذلك مجال عاطفي ، مجال يمثل علاقات وتفاعلات ديناميكية ولا تكون له أهمية بالنسبة للتلميذ إلا في حدود إرضاء حاجياته الشخصية، لذا يطلب منا أن نعمل على فهم القيم السائدة عند مجموعة القسم حتى يتسنى لنا ضبط نسقها ألقيمي ، فمثلا حين يطرد التلميذ من القسم لابد من أن نستحضر البواعث التي تدفع التلميذ إلى التحدي والمواجهة ولنا أن نتساءل عن كنه هذه الأسباب لنعرف حقيقة البواعث ونكتشف دوافعها فهي قد ترجع في الواقع إلى انحراف في التلميذ أو إلى عارض مرضي أو إلى تكثيف تحدي انفعالاته النفسية :
-إن الطرد من القسم قد يؤدي إلى خلق الاضطراب في نفس المراهق ويثير انفعالات حادة قد تدفعه إلى ارتكاب جنحة، بل جناية مما يتطلب منا شيئا من التروي لإبعاد ذلك عن أبنائنا حتى يعيشوا آمنين .
-إن بعض الدراسات النفسية والاجتماعية والطبية حاولت أن تبحث مجتمعة عن أسباب الاضطراب النفسي وعن الانحراف عند المراهقين فتكونت لديها معلومات قيمة توضح أن من بين أسباب الانحراف من قد تكون فيزيولوجية ناتجة عن خلل في بعض الغدد كالغدة الكظرية فوق الكلي ومنها من قد تكون نفسية ناتجة عن تفكك عائلي أو تعطش للحنان ،وقد تكون اجتماعية ناتجة عن ضعف مستوى العيش وعن سوء التغذية وقد تكون ناتجة عن عوارض مرضية تحول بين التلميذ والنضج المتوازن فتطغى بعض التطلعات الجسدية المتصلة بتحقيق الرغبات الجنسية على التماسك العقلي ويؤدي ذلك حتما إلى احتدام باطني يؤدي غالبا إلى التمرد والغضب .
– كثيرا من التلاميذ يعانون مشاكل عنيفة قاسية في بيئتهم وبين أفراد أسرهم وليس هناك من يستطيع أن يزيل عنهم هذه المشاكل و المعاناة غير الأستاذ ….انه من العجب أن نرى اهتمام علماء الاجتماع وعلماء النفس الإجرامي ورجال القضاء بوضعية هؤلاء الأحداث الجانحين الذين يرتكبون المخالفات والتي هي اكبر من مواجهة الأستاذ بعنف أو بوقاحة ومع ذلك يقررون بان هؤلاء المنحرفين يجب أن ينظر إليهم على أساس أنهم مرضى لا على أساس أنهم مجرمون الشيء الذي يدفع إلى التفكير في علاجهم لا إلى التفكير في عقابهم .
وأحسن وسيلة لتربية الطفل تأتي عن طريق إشعاره بوجوده وعن إنماء وعيه بذاته وعن فتح عينيه على أخطائه ليتسنى له اخذ اختيارات تبعده عن الزلل وتنزهه عن المزالق وترفع قيمته وتجعله حكما على نفسه فيبتعد بسبب ذلك عن المساوئ عالي الرأس و بعيدا عن قيود العبودية .
ووعيا منها على أهمية ترسيخ مجتمع المواطنة والديمقراطية والمساواة جاءت الرؤية الإستراتيجية للإصلاح بمقترح لترسيخ التربية على القيم وحقوق الإنسان والمواطنة عبر أربع مستويات : مستوى النهج التربوي- مستوى البنيات التربوية والآليات المؤسساتية – مستوى الفاعلين التربويين – مستوى علاقة المؤسسة التربوية بالمحيط .
انه ما تزال السلوكات اللامدنية مستمرة في الانتشار كالغش والعنف والإضرار بالبيئة والتجهيزات والوسائل التعليمية داخل المؤسسات التعليمية وفي محيطها .
فهل يجوز أن نقول أن سبب العنف والتخريب والانحراف دال على فشل المجتمع المدني والسياسي ووسائل الإعلام والأسرة وتخلف الأنظمة التربوية …وليس المدرس أو المربي أو المكون .
فلنحاسب المؤسسات والسياسات الحكومية وليس الأفراد ؟
الدشيرة الجهادية