الإمارات أكبر مستثمر أجنبي في المغرب سنة 2024 بتدفقات بلغت 3,1 مليارات درهم .. تحويلات المغاربة بالخارج تحطم رقما قياسيا وتتجاوز عائدات السياحة والفوسفاط بحصيلة 119 مليار درهم

 

سجلت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج سنة 2024 مستوى غير مسبوق، لتبلغ 119 مليار درهم، بعدما كانت في حدود 115,2 مليار درهم سنة 2023 و110,8 مليارات في 2022، أي بزيادة قدرها 3,8 مليارات درهم في ظرف عام واحد، وبمعدل نمو سنوي متوسط يناهز 5,7 في المائة خلال الفترة 2021-2024. هذا التطور يعكس دينامية متواصلة تجعل من تحويلات الجالية المغربية أحد أعمدة التوازنات الخارجية للمملكة، إذ تؤمن تدفقات من العملة الصعبة تفوق بكثير بعض القطاعات الإنتاجية الموجهة للتصدير. فعلى سبيل المثال، ورغم أن صادرات قطاع السيارات تواصل توسعها لتبلغ 141 مليار درهم سنة 2024، وصادرات الفوسفاط ومشتقاته 114,7 مليارات درهم، فإن تحويلات المغاربة بالخارج تضاهي في حجمها حصيلة هذه القطاعات وتتفوق عليها في أثرها على ميزان المدفوعات، حيث تمثل المورد الأول في باب التحويلات الجارية الخاصة بما مجموعه 139,5 مليار درهم، وهو ما يوازي 16 في المائة من الناتج الداخلي الخام تقريبا.
ولعل اللافت في هذه الأرقام أن تحويلات الجالية تفوقت في 2024 على عائدات السياحة التي بلغت 112,5 مليار درهم، رغم الأداء المتميز للقطاع السياحي بعد سنوات الجائحة. كما أن هذه التحويلات تظل أكثر استقرارا وأقل ارتباطا بدورات اقتصادية ظرفية أو صدمات خارجية، وهو ما يجعلها ركيزة أساسية للقدرة التمويلية الخارجية، حيث ساهمت في تقليص عجز الحساب الجاري الذي بلغ 18,5 مليار درهم فقط سنة 2024، أي ما يعادل 1,2 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي.
هذه الموارد التي تأتي من ملايين المغاربة الموزعين على أوروبا والخليج وأمريكا الشمالية، تمنح المغرب موقعا متقدما بين البلدان المستقبلة للتحويلات. ففي المنطقة المغاربية، يتصدر المغرب بهامش كبير حجم التحويلات مقارنة بالجزائر أو تونس، وعلى الصعيد العالمي يحتل مراكز متقدمة إلى جانب مصر، التي استفادت بدورها من تدفقات مهمة من جاليتها بالخارج. أما على مستوى الهيكلة الداخلية لهذه التحويلات، فإنها تغذي مباشرة الاستهلاك الداخلي وتنعش الادخار وتساهم في دعم القطاع البنكي من خلال الودائع بالعملة الصعبة.
وإذا كانت تحويلات المغاربة بالخارج تؤدي هذا الدور المالي الحاسم، فإن جانب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يكشف بدوره عن تحولات بارزة في تركيبة الشركاء. فقد سجل المغرب خلال 2024 تدفقات صافية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت 16,3 مليار درهم، أي بارتفاع نسبته 52,5 في المائة مقارنة بسنة 2023. واللافت أن دولة الإمارات العربية المتحدة تبوأت لأول مرة موقع الشريك الاستثماري الأول بحصة بلغت 18,9 في المائة من إجمالي التدفقات، أي ما يعادل 3,1 مليارات درهم، مقابل 1,9 مليار فقط سنة 2023، وهو ما يمثل زيادة قدرها 57,8 في المائة خلال عام واحد.
وإلى جانب هذا التدفق، يبرز حجم المخزون التراكمي للاستثمارات الإماراتية بالمغرب الذي بلغ 95,8 مليار درهم، أي ما يمثل 19 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتحتل الإمارات المرتبة الثانية بعد فرنسا التي تظل المستثمر الأول تاريخيا. هذا الحجم يتفوق بوضوح على استثمارات بلدان أوروبية كإسبانيا (44,7 مليار درهم)، ألمانيا (20,7 مليار درهم) أو إيطاليا (26,6 مليار درهم)، وحتى على الولايات المتحدة التي لا يتعدى رصيدها 17,1 مليار درهم.
توزيع هذه الاستثمارات يكشف بدوره عن توجه استراتيجي نحو قطاعين أساسيين هما العقار والصناعات التحويلية، حيث استحوذا معا على أكثر من 90 في المائة من التدفقات الجديدة المسجلة في 2024. وهو ما يضع رأس المال الإماراتي في قلب دينامية إعادة تشكيل الخريطة القطاعية للاستثمارات الأجنبية بالمغرب، في وقت تتجه فيه استثمارات بلدان أوروبية كفرنسا وإسبانيا بشكل أكبر نحو قطاعات الخدمات والطاقة.
وتؤشر هذه التطورات على مفارقة لافتة: فمن جهة تؤمن تحويلات الجالية المغربية موارد خارجية تفوق في حجمها صادرات مواد أولية واستراتيجية كالفوسفاط أو الصناعات الناشئة كقطاع السيارات، ومن جهة أخرى تنجح الإمارات في التقدم على باقي الشركاء التقليديين لتصبح أول مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب من حيث التدفقات، وثاني أكبر مستثمر من حيث الرصيد.
هذا التلاقي بين تحويلات متدفقة من الخارج ورؤوس أموال أجنبية قادمة من الخليج يمنح الاقتصاد المغربي متنفسا في مواجهة تقلبات التجارة الدولية وتزايد عجز الميزان التجاري الذي بلغ 304,9 مليارات درهم سنة 2024. كما يكشف عن تحول نوعي في مصادر التمويل الخارجي، حيث لم يعد الأمر مرتبطا فقط بالعلاقات التقليدية مع أوروبا، بل أضحى منفتحا على شراكات جنوب-جنوب، في طليعتها الشريك الإماراتي.


الكاتب :  عماد عادل 

  

بتاريخ : 05/09/2025