الاتحاد الاشتراكي بالمنطقة شخّص أعطابه ووقف عند أسباب التفاوتات التي يعرفها .. درب السلطان.. قلب الدار البيضاء الذي يئن تحت وطأة التهميش

رغم المكانة التاريخية والرمزية التي يحظى بها درب السلطان في الذاكرة الجماعية للبيضاويين إلا أنه يعيش تحت وطأة الأزمات المتشابكة التي تمس مختلف جوانب حياته الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مما جعله نموذجا صارخا لما يمكن أن تفرزه السياسات المحلية من تفاوتات ولا مبالاة بمصير السكان والمنطقة ككل.
درب السلطان، الذي يعتبر حي الأحباس نواته الأولى، والذي يرجع تاريخ بنائه إلى بداية القرن العشرين ( 1917)، إضافة إلى كل من حي البلدية (1920)، درب كَلُّوطِي (1924) درب بوشنتوف، درب الشرفاء، درب العفو، درب الفقراء، درب القريعة، درب كريكوان، درب السبليون، والدرب الكبير، يمتد وفق معطيات المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2024، على مساحة تناهز 7.74 كيلومتر مربع، ويقطنه 224.072 نسمة، من بينهم 186.754 بمقاطعة الفداء، وهي أرقام تعكس الكثافة السكانية المرتفعة، لكنها لا تُترجم في الميدان إلى تنمية متوازنة أو تحسين في جودة العيش، بل إلى مظاهر اختناق عمراني واجتماعي متفاقمة، وهي المظاهر التي تصدم العين المتجولة، إذا استثنينا حي الأحباس، بين أحيائه وأزقته المتشعبة والحبلى بكل أنواع المشاكل والاختلالات من الاختناق العمراني إلى ندرة المساحات الخضراء مرورا بالتراجع الملاحظ في المرافق الاجتماعية، حيث تم إفراغ ملاعب القرب من دورها الشبابي، بينما ابتعدت دور الشباب عن رسالتها التربوية والثقافية، في وقت يواجه فيه عدد كبير من شباب المنطقة مخاطر الإدمان والانحراف، وهو ما تؤكده مؤشرات المؤسسات الإصلاحية والسجنية، علما أن أكثر من 146 ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة يعيشون في تراب المنطقة.
هذه المعطيات التي تضمنها تشخيص الأرضية السياسية للاتحاد الاشتراكي بالمنطقة وهو ينظم مؤتمره الإقليمي التأسيسي، بيّنت كذلك كيف أن منطقة درب السلطان تستقطب يوميا آلاف المتسوقين من مختلف مناطق الدار البيضاء بل من كل مناطق المغرب لما تحتضنه جنباتها من قيساريات ومحلات تجارية مما يعطي الانطباع أنها تتمتع بدينامية اقتصادية متميزة، لكن هذه الدينامية لا تستفيد منها إلا فئات محدودة بينما الواقع غير ذلك، بل إن ما يطبع المنطقة هو التجارة غير المنظمة والتي تظهر بشكل صارخ في العدد الكبير من الباعة الجائلين الذين يؤثثون الشوارع و الأزقة ويستقطبون الآلاف من الزبناء مما يعرض المنطقة للاختناق المروري والاكتظاظ، حيث يعيش أكثر من 13 ألف بائع متجول أوضاعا غير مستقرة، بعد أن أغلقت أبواب سوق الشغل أمامهم بسبب الهدر المدرسي وضعف التكوين. ومع غياب أسواق نموذجية منظمة، يجد هؤلاء أنفسهم يوميا في مواجهة مفتوحة مع السلطات، في مشهد يعكس هشاشة اجتماعية متجذرة تتطلب حلولا واقعية ومبادرات تنموية تحفظ كرامة الإنسان قبل أي شيء آخر.
وإلى جانب ما سبق، فقد توقف الاتحاديون في ورقتهم التحليلية لواقع درب السلطان، عند معاناة البنية العمرانية للمنطقة التي تعاني الكثير من المنازل بها من تدهور ظاهر حيث يتساقط بعضها خصوصا في موسم الأمطار، في الوقت الذي توجد فيه منازل لا تكون سوى في حاجة إلى ترميم جزئي لكن جرة قلم من بعض المسؤولين تدفعها إلى الهدم وبالتالي تشريد عائلات بأكملها وترحيلهم إلى مناطق بعيدة عن مسقط رأسهم وأماكن عيشهم وعملهم، في ظل غياب المراقبة الحقيقية وتنامي مظاهر التحايل على القانون، حيث تهدم المنازل «الآيلة للسقوط «وتقام مكانها قيساريات و»مولات تجارية» في تحول عمراني تدفع ثمنه الساكنة المحلية .
ولأن مظاهر التهميش متعددة في درب السلطان، فإن المجال الصحي يعتبر هو الآخر من بين عناوين الأزمة، حيث أدى الاختناق البيئي إلى الانتشار المقلق للأمراض التنفسية كالربو والسل، وما زاد الطين بلة ما تعرفه من توافد أعداد كبيرة من المهاجرين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، في غياب التنظيم الكافي لإقامتهم مما يفاقم ويزيد من الفوضى الاجتماعية التي تغرق فيها المنطقة، إذ أوضحت الورقة التحليلية بأن من بين هؤلاء المهاجرين من يحاول الاندماج باحترام تام للقوانين والعادات المحلية، في حين أن البعض الآخر ينخرط في سلوكيات منحرفة أدت إلى مواجهات متكررة مع سكان أحياء مثل درب الكبير والفوسفاط والفرح، وهو ما يفرض تدخلا حازما لتنظيم حضورهم بما يضمن الأمن وكرامة الجميع.
هذا الواقع القاتم يؤكد الاتحاد الاشتراكي في المنطقة على أنه يشمل كذلك المشهد التعليمي الذي لا يختلف عن باقي مظاهر التراجع، إذ يعرف القطاع العمومي انكماشا متواصلا مقابل تمدد المؤسسات الخاصة. وتشير المعطيات إلى وجود 29 مؤسسة ابتدائية خصوصية مقابل 38 عمومية، و29 إعدادية خاصة مقابل 17 عمومية، فيما يقتصر التعليم الثانوي التأهيلي على 10 مؤسسات عمومية أمام 13 خاصة.
إن درب السلطان، الذي كان يوما ما رمزا للمقاومة والصمود والهوية الحضرية للدار البيضاء، يعيش اليوم في هوّة من الإهمال والتفاوتات، بسبب تدبير جماعي ونيابي وإداري، لم يتمكن من الارتقاء بالمنطقة وساكنتها، مما يجعل درب السلطان في حاجة ماسة إلى رؤية تنموية عادلة تعيد الاعتبار للإنسان وللمنطقة ككل.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 08/10/2025