«الاتحاد الاشتراكي» تحاور البروفسور نعيمة المدغري، رئيسة مصلحة التحاليل الميكروبيولوجية بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء، والمديرة السابقة لمعهد باستور المغرب بالدارالبيضاء

التحاليل، الفحوصات بالأشعة المقطعية والسريرية.. خطوات لتأكيد

إصابة مريض بالفيروس من عدمه

تعدّدت الاختبارات والغاية واحدة، الكشف عن الحالة المشكوك في إصابتها بالفيروس الذي حيّر العالم، وقلب المعادلة، وتسبب في جائحة غير مسبوقة، اعتقد العلماء والمختصون في الطب عند البداية أنه شبيه بفيروسات سابقة، وسيمكن التغلب عليه سريعا، لكن تبين مع مرور الأيام أنه قادر على تغيير خصائصه وتقمص «أدوار» عدّة.
فيروس «كوفيد 19» لم يكن فيروسا عاديا، وأصرّ على ألا يكون له شبيه في عائلة «الكورونا»، وقرّر أن يخصص لنفسه بصمة خاصة، يتفرّد بها عن باقي أفراد عائلته، مما جعل الأطباء والباحثين يتجنّدون لتعقب أثره والنبش أكثر في تفاصيله الوبائية، علّهم يتمكنون من محاصرته. فيروس تعبأت المختبرات باعتماد تقنيات متعددة للكشف عن وجوده في أجساد المشكوك في إصابتهم أو العكس، لكي يمكن التكفل بهم مبكرا والتمكن من إنقاذ حياتهم، حتى لا يتم فقدانهم.
اختبارات مختلفة، وبتقينات متعددة، لمعرفة خصائصها، هامش الخطأ فيها ومدى نجاعتها، والسقف اليومي الذي يمكن الوصول إليه، وغيرها من التفاصيل، أجرت «الاتحاد الاشتراكي»، الحوار التالي مع البروفسور نعيمة المدغري، رئيسة مصلحة التحاليل الميكروبيولوجية بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء، والمديرة السابقة لمعهد باستور المغرب بالدارالبيضاء، للإجابة عن كل هذه التساؤلات، وتسليط الضوء على المستجدات التي لها صلة بهذا الموضوع.

 

 البروفسور نعيمة المدغري

p بداية، هل تكونت صورة واضحة اليوم عن فيروس كورونا المستجد، وأصبح التمكن منه متاحا؟
n نحن أمام فيروس يسمى سارس كوف 2، هو فيروس جديد ينتمي إلى عائلة كبيرة للفيروسات هي الكورونا، يعرفه العالم لأول مرّة، وبالتالي فإن عددا من الأشياء المرتبطة به لا تزال غير واضحة، كما هو الحال بالنسبة لكيفية حدوثه، طبيعة مقاومة الجسم له، العلاجات وغيرها …، كلها قضايا تؤرق بال الخبراء والمختصين الذين ينكبون على إجراء أبحاث نظرية ومختبرية للتعرف عليه أكثر، وهو ما يجعلنا غير ملمّين بكل ما يتعلق بهذا الفيروس، وما نعرفه عنه يظل قليلا، فهو يتغير يوما عن يوم، وتتغير معه التدخلات الصحية المرتبطة به.

p كيف يمكن تحديد إصابة شخص بالفيروس؟
n كما أشرت فإن هذا الفيروس عندما ظهر أول مرة اعتقدنا أنه شبيه بفيروس الأنفلونزا، وبأننا سنستطيع مقاومته، لكن تبين بأنه مغاير وحتى أعراضه في نسبة 80 في المئة لا تكون ظاهرة، وهو ما يتطلب لتأكيد الإصابة من عدمها، إجراء مجموعة من الفحوصات، التي تشكّل ملفا طبيا متكاملا، انطلاقا من اختبار الحمض النووي، علما بأنه ليس هناك اختبار ناجع 100 في المئة، إلى جانب اختبار مضادات الأجسام، ونتائج الفحص بـالأشعة المقطعية أو ما يعرف بـ “السكانير”، وكذا خلاصات الفحص السريري، التي تمكّن في نهاية المطاف من الوصول إلى نتيجة تتعلق بالحالة المشكوك في إصابتها بالفيروس من عدمه.

p تكلمتم عن الأشخاص الذين بدون أعراض والذين قد ينشرون العدوى، كيف يجب التعامل معهم؟
n إن هذا الفيروس ينتشر بسرعة كبيرة من طرف الأشخاص الحاملين له والذين لا تظهر عليهم أية أعراض، سواء جسدية وعضوية، كارتفاع درجات الحرارة مثلا، وباقي الأعراض أخرى، أو حتى على مستوى نتائج الفحوصات بـ “السكانير”، وبالتالي ونظرا لخطورة هذه الفئة مرضيا، يجب عزل الحالات المشكوك فيها طبيا، والتباعد في المنازل كإجراء وقائي، لأنه من الممكن ألا يبدو الإنسان اليوم مريضا لكن بعد مرور الأيام قد تظهر عليه علامات المرض، وبالتالي فإن مقاومة الفيروس تكون بالعزل.

p ما هي التقنيات المعتمدة على المستوى الفيرولوجي لاكتشاف الفيروس، وما مدى نجاعتها وهامش الخطأ فيها؟
n إن المغرب يعتمد أرقى تقنية في الاختبارات الفيرولوجية التي تقوم على أخذ عينة من الحمض النووي للشخص المشكوك في إصابته بالفيروس المعروفة بـ PCR، ويتعلق الأمر بكشف مخبري مرجعي، تتراوح نجاعته ما بين 60 و 80 في المئة، بحسب ظروف أخذ العينة والكيفية التي تمت بها، التي يجب أن تكون من خلال الأنف والحلق وبكيفية مهنية، فليس الكل يمكنه القيام بذلك على أكمل وجه.
ثم هناك اختبارات الكشف السريع بالاعتماد على عينات الدم والبحث عن مضادات الأجسام، علما بأنه ليس كل شخص أصيب بالفيروس يمكن أن يولّد جسمه مناعة، أخذا بعين الاعتبار أيضا أن هذه المضادات تتطلب مدة تتراوح ما بين 7 و 10 أيام عن دخول الفيروس للجسم لكي ينتجها الجسم في مواجهته.
هذه التقنية الثانية ورغم توفر العدّة التي تخصها إلا أنه لم يتم الشروع في العمل بها، في انتظار نتائج تحليل حساسيتها التي يجريها المعهد الوطني للصحة من أجل التأكد من فعاليتها وهامش الخطأ فيها قبل اتخاذ قرار باعتمادها أو العكس.

p مستشفى ابن رشد أحد المستشفيات التي تجري اليوم الاختبارات للكشف عن الفيروس، هل مختبر قادر على مواجهة هذا التحدي؟
n بالفعل انتقل المغرب في ظل تطور الفيروس إلى جائحة وبائية من اعتماد المعهد الوطني للصحة بالرباط ومعهد باستور بالداراليضاء باعتبارهما مختبرين مرجعيين إلى توسيع قاعدة المختبرات، لتشمل المستشفيات الجامعية وعددا من المؤسسات الصحية الأخرى، وضمنها المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، الذي راكم تحارب وخبرات على مدى 20 سنة في ارتباط باختبار PCR، وكان مختبره ينكب دائما على البحث عن الفيروسات واكتشافها سواء التي لها صلة بالتهاب السحايا أو مرض السل أو غيرهما، فضلا عن تتبع المرضى الذين خضعوا لعمليات زرع الأعضاء والخلايا، والبحث عن الفيروسات إن وجدت لأنها تشكل خطرا على هذه الفئة، وبالتالي فتجربته هي واسعة في هذا المجال وليست وليدة اليوم.

p كم من اختبار يتم القيام به يوميا في مختبر ابن رشد ومختبرات أخرى في الدارالييضاء نموذجا، وكم تتطلب من التقنيات والموارد البشرية؟
n إن وجود المعدات والآليات المخبرية وتوفرها يرفع من هامش إجراء الاختبارات، وبالنظر إلى أن هناك آلة واحدة في مختبر مستشفى ابن رشد فإننا نجري ما بين 200 و 250 تحليلة، ويمكننا المرور خلال الأسبوع المقبل إلى سقف 400 اختبار، لأننا ننتظر التوصل من وزارة الصحة بإحدى المعدات التقنية في هذا الصدد.
وبخصوص الحديث عن الموارد البشرية، فإن ذلك يجب أن يحيل على الكمّ ارتباطا بالكيف، أي الموارد المؤهلة والكفؤة، وفي هذا الصدد فإن معهد باستور يتوفر على 12 متخصصا وخبيرا، يمكنهم في ظل التقنيات المتوفرة إجراء أكثر من 500 اختبار في اليوم، وفي مستشفى الشيخ خليفة فإن نفس العدد من المهنيين يجرون ما بين 100 و 150 اختبارا بحكم الاشتغال على آلة واحدة، وهو ما يبين الدور الكبير الذي يمكن للوسائل التقنية القيام به حين توفرها.

p ما هي المراحل التي تقطعها العيّنة من أجل إجراء الاختبار عليها وكم تتطلب زمنيا؟
n إن أول شيء يتم القيام به هو معرفة إن كانت العيّنة خاضعة للشروط الضرورية، وأن تكون الاستمارة المرافقة لها مملوءة بكيفية جيدة وتتوفر على كافة المعلومات المطلوبة، هذه الخطوة تتطلب وقتا كبيرا من أجل عملية التأكد وتسجيل العينات في المختبر، التي تعتبر أول مرحلة، تليها عملية استئصال الحمض النووي للفيروس من العيّنة والتي تتطلب ما بين ساعة وساعة ونصف زمنيا، ثم الشروع في تحليلها وإجراء الاختبار عليها في الآلة المخصصة لذلك لمدة تصل إلى حوالي ساعة و 45 دقيقة، لنكون في نهاية المطاف أمام أكثر من 4 ساعات.
وتجب الإشارة ارتباطا بهذا السؤال، أنه يتم تجميع العيّنات ليصل مجموعها إلى حوالي 40 عيّنة للشروع في إجراء الاختبارات، لأنه لا يمكن الاشتغال على عيّنة، وبعد ذلك حين تصل أخرى يتم إخضاعها للاختبار، إذ نكون أمام من 6 إلى 7 أو ثماني دورات في اليوم تسفر عن معالجة 400 عيّنة في اليوم، إذ يواصل المختبر عمله 24/24.

p خلال هذا الأسبوع أثير موضوع إمكانية الخطأ في نتائج الاختبارات، إذ انتقلنا من إمكانية أن تكون النتيجة سلبية لشخص مصاب بالفيروس إلى نتيجة إيجابية لآخر لم تصبه العدوى، فما هو تعليقكم؟
n كما أسلفت فإن حساسية الاختبارات هي معروفة عالميا، ونتائجها لها صلة بمجموعة من المتدخلين والأوضاع، كما هو الحال بالنسبة لكفاءة الشخص الذي أخذ العينة وطريقة وظروف أخذها، وهل كان الفيروس متواجدا لحظتها أم لا، وغيرها من التفاصيل الأخرى، التي تجعل النتيجة تتغير في لحظة من اللحظات، وهذا لا يعني أنها خاطئة، بل أن النتيجة المتوصل إليها هي خلاصة وترجمة لكل هذه السياقات، وعندما نكون أمام مثل هذه الحالات، التي قد نحصل فيها على نتائج متضاربة في الاختبار، فإنه متى أشارت نتيجة اختبار إلى وجود الفيروس وجب وضع الشخص في الحجر الصحي، كخطوة وقائية، وتتبع وضعيته الصحية إلى حين التأكد التام، حتى لا تنتقل العدوى في حال الإصابة إلى الغير.
إن نتائج الاختبارات لا جدال فيها ونحن متأكدون منها، وفي حالة وجود أي شك فإننا نعمل على إعادتها لمزيد من التأكيد.

p ما هي رسالتكم للمواطنين ارتباطا بهذا الموضوع؟
n نحن نثق في وعي المواطنين واقتناعهم بأهمية التدابير التي اتخذتها السلطات العمومية والصحية من أجل مواجهة هذه الجائحة الوبائية، وتفادي انتشار العدوى والتقليص من آثارها، كما نعوّل على وسائل الإعلام من أجل المساهمة في التوعية والتحسيس بأهمية التقيد بالإجراءات والتدابير الوقائية والتثقيف الصحي، التي عليها مسؤولية كبيرة في زرع الثقة وترسيخها، ونحن كمختصين إلى جانب باقي الأطباء والباحثين، فإن علينا مسؤولية أيضا للبحث وتتبع كل ما يتعلق بالفيروس ويكون له أثره الإيجابي على صحة المواطنين.

 


الكاتب : حاورها: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 02/05/2020