«الاتحاد الاشتراكي» تحاور الدكتور حسن عاطش، رئيس الغرفة النقابية لصيادلة فاس

أزمة القطاع تهدد بفقدان كفاءات وطنية، وزيادة هجرة العقول،

وضرب أسس الأمن الدوائي على المدى المتوسط

 

يعرف قطاع الصيدلة غليانا كبيرا، انطلقت شرارته قبل مدة طويلة بإصدار بيانات وبلاغات تخاطب «الضمير الرسمي» للوزارة الوصية على القطاع من أجل إعادة النظر في تدبيرها للسياسة الدوائية والالتزام بما تم تسطيره من تحفيزات ترافق تنزيل سياسة تخفيض أسعار الدواء حتى يتم التمكّن من تأهيل الصيدليات وإنقاذها من الإفلاس، ويضمن استمرار خدماتها التي لا تقف عند حدود صرف الدواء للمريض وإنما تتعداها إلى التثقيف الصحي والتوعية والقيام بأدوار إنسانية واجتماعية بامتياز.
قطاع قام مهنيوه بإصدار بيانات، وخاضوا إضرابا وطنيا، ونظموا وقفات احتجاجية، وحملوا الشارة السوداء، وسطّروا هذه المرة وقفة غاضبة أخرى حددوا لها موعد التاسع من الشهر الجاري، كل هاته الأشكال الاحتجاجية كان الهدف منها إسماع صوت صيادلة الصيدليات الذين يحضرون في كل شبر من تراب المملكة المغربية لتمكين المريض من الدواء، ضدا عن كل الإكراهات والصعوبات التي تعترضهم، ورغم ذلك لم تجد أصواتهم آذانا صاغية، بل أن تداعيات هذا الوضع تعدّت المهنيين لتصل إلى المواطنين، بعد انقطاع عشرات الأدوية التي اختفت من رفوف الصيدليات، مما أضحى يشكل تهديدا للأمن الصحي للمغاربة، بسبب ما يصفه بعض المهنيين «سياسة عشوائية في تخفيض أسعار الأدوية» مما أدى إلى «انقراض» العديد منها.
«الاتحاد الاشتراكي» ومن أجل تسليط الضوء أكثر على أزمة مهنة الصيدلة وواقع الصيادلة، وإشكالية قلّة الأدوية تارة وندرتها تارة أخرى، أجرت الحوار التالي مع الدكتور حسن عاطش، رئيس الغرفة النقابية لصيادلة فاس، الذي توقف عند الكثير من التفاصيل الدقيقة المرتبطة بهذا الملف، وقدّم تشريحا لممارسة الصيدلة التي لم تعد تلك المهنة الآمنة التي توجد صورتها في أذهان الكثير من المواطنين.

n صدرت مؤخرا عدة بلاغات نقابية تندد بالوضعية التي يعرفها القطاع الصيدلاني في بلادنا. فما هي طبيعة الأزمة المتحدث عنها؟

pp يشهد القطاع الصيدلاني في المغرب أزمة مركبة متفاقمة تهدد استقراره واستمراريته كجزء أساسي من المنظومة الصحية الوطنية، حيث غياب الحكامة، وتدهور الوضع الاقتصادي للصيدليات، وتعطل التمثيلية المهنية، ونقص الأدوية، عوامل مترابطة جعلت الوضع غير قابل للاستمرار. وفي ظل إصرار الحكومة على اعتماد مشروع مرسوم جديد يخص مراجعة منظومة تسعير الأدوية، دون مراعاة مطالب المهنيين والأخذ بمقترحاتهم، ارتفعت الأصوات الغاضبة بمختلف المنتديات، التي تفاعلت معها بعض النقابات الوطنية والمحلية، وأصدرت بيانات احتجاجية تعكس انتظارات القاعدة الصيدلانية، تعرب عن قلقها الشديد من الوضع القائم ورفضها المطلق لأي إجراء أحادي يهدد استقرار الصيدليات، ويمس بشكل مباشر بالأمن الدوائي الوطني والحق في العلاج، حيث ندّدنا جميعا كل حسب موقعه بمحاولة تمرير هذا المرسوم تحت غطاء «الإصلاح» في غياب مقاربة تشاركية، وفي ظل أوضاع اقتصادية ومهنية صعبة يعيشها القطاع، الأمر الذي يزيد من منسوب أزمة المهنة، التي تؤمن الولوج اليومي للدواء لنحو 40 مليون مواطن، وتوفر آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة.
نحن نقول بصفتنا رئيس الغرفة النقابية لصيادلة فاس، نعم لإصلاح مرسوم تسعير الأدوية بشكل يحقق التوازن بين حق المواطن في سعر معقول، وحق الصيدلي في الاستمرارية… إن إصلاح مرسوم التسعير ليس فقط مسألة تقنية، بل رهان استراتيجي لضمان الحقوق المشار إليها ضمن منظومة صحية منصفة ومتماسكة، «فلا أمن دوائي بدون عدالة في السعر… ولا عدالة في السعر بدون عدالة في تقاسم الأعباء والأرباح».

n هل هناك حقا صيدليات قد أغلقت أبوابها وأخرى توجد على عتبة الإفلاس؟

pp إن أكثر من 30 في المائة من الصيدليات لديها صافي دخل أقل من 5900 درهم في الشهر، وهو مبلغ قد لا يغطي حتى الحد الأدنى من التكاليف، الأمر الذي أطاح بثلث صيدليات المغرب وجعل جلهم يواجهون خطر الإفلاس، أي نحو 4000 صيدلية، تعاني من أكذوبة هوامش الربح الخادعة والواقع المعقد، مما أدى إلى اندلاع شرارة الغضب وحمل الشارة السوداء خلال الفترة الممتدة من 18 غشت إلى 9 شتنبر 2025، ضاربين موعدا يوم 9 شتنبر لتنظيم وقفة إنذارية أمام وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، احتجاجا على تجاهل الوزارة لوضعية القطاع وجعل الصيدلي كبش فداء لإصلاحات غير متوازنة، حيث نتقاسم كمهنيين، أن ربط استدامة صناديق التأمين الصحي بتخفيض أسعار الأدوية فقط هو طرح اختزالي ومغلوط، على أساس أن استقرار صناديق لا يمكن عزله عن السياق الاقتصادي العام للصيدليات، وأن التوازن المالي لهذه المؤسسات الاجتماعية مرتبط بمجموعة من العوامل، نذكر منها:
وإلى جانب ما سبق، فإن هناك تقديرات قام بها بعض الزملاء المختصين داخل القطاع التي تشير إلى أن تطبيق هذا المرسوم بصيغته الحالية قد يؤدي إلى تراجع رقم معاملات الصيدليات بما بين 25 و30 في المائة، في وقت تعرف فيه كلفة التسيير والالتزامات الضريبية ارتفاعا مستمرا، ما ينذر بإفلاس جماعي في الأفق. لذا، فنحن نشدد على أن أي إصلاح حقيقي يجب أن يكون شاملا ومتكاملا، يعالج جميع اختلالات المنظومة الصحية والدوائية، بدل استهداف طرف واحد دون غيره.
وأمام هذه التطورات الخطيرة، نحمل الجهات الوصية كامل المسؤولية فيما قد تؤول إليه الأوضاع، وندعوها لتجدد تمسكها بالحوار كخيار استراتيجي، شريطة أن يكون حوارا جادا ومسؤولا، يستحضر مصلحة المريض كما يستوعب خصوصية المهنة، على أساس أن أي تراجع في رقم المعاملات أو في القدرة على تغطية الأعباء الجارية، يعرض بشكل مباشر آلاف المهنيين لمصير مجهول.
وعليه، فإننا ندعو إلى التجميد الفوري لمشروع المرسوم المتعلق بتسعيرة الأدوية، وفتح نقاش تشاركي جدي مع جميع الفاعلين المهنيين، مع وضع إصلاح شامل لمنظومة التمويل الصحي، قائم على عدالة توزيع الكلفة بين مختلف مكونات العلاج.

n كيف يهدد هذا الأمر الأجيال الجديدة من الصيادلة؟

pp في ظل هذه الأزمة يجد الصيادلة الجدد أنفسهم بين خيارين، إما البحث عن وظيفة في الصيدليات برواتب هزيلة أو فتح صيدلية وسط سوق مشبعة يعيش تخمة وتنافسية قاتلة، حيث كلاهما مر، فأزمة القطاع في المغرب أصبحت تشكل خطرا وجوديا على الصيادلة ومستقبلهم المهني، سيما وأن تكاليف الاستثمار مرهقة أمام ضعف المردودية وارتفاع التكاليف التشغيلية، وغياب دعم حكومي أو تحفيزات، حيث يجد الصيدلي الجديد نفسه في وضعية مديونية قبل حتى تحقيق أول دخل صاف وعاجزا عن تسديد الديون والقروض البنكية، وبالتالي مرغم البقاء على قيد الإفلاس، حيث العديد من الصيدليات الحديثة لم تتمكن من الاستمرار أكثر من 3 إلى 5 سنوات، مما دفع بأصحابها تحت ضغط نفسي واجتماعي إلى تغيير المهنة أو الهجرة بحثا عن مستقبل مهني أفضل.
خلاصة القول، إن أزمة الصيدلة ليست فقط أزمة قطاع، بل هي أزمة جيل كامل من الصيادلة الشباب الذين يعانون في صمت، وإذا استمر تجاهل قضايا المهنيين ولم يتم اتخاذ خطوات جادة وعاجلة، فإننا نخاطر بفقدان كفاءات وطنية، وزيادة هجرة العقول، وضرب أسس الأمن الدوائي على المدى المتوسط.

n ما هي انعكاسات هذا الوضع على المواطن؟

pp رغم أن أزمة قطاع الصيدلة تطرح في الغالب باعتبارها شأنا مهنيا داخليا، إلا أن تداعياتها الحقيقية والأخطر تمس المواطن المغربي مباشرة، وتضرب في العمق حقه الدستوري في الولوج إلى الرعاية الصحية والدواء، وهما ركيزتان أساسيتان في أي منظومة صحية عادلة، فمع تزايد الصيدليات المهددة بالإفلاس أو التي أغلقت أبوابها فعليا، يرتفع منسوب معاناة المواطن في البحث عن الدواء خصوصا في المناطق النائية، يحث يصبح مرغما على قطع مسافات طويلة أو التخلي عن العلاج بسبب صعوبات التنقل أو التكاليف، ناهيك عن المعاناة المرتبطة بانقطاعات الأدوية أو ندرتها لهذا السبب أو ذاك، والتي قد تهم أدوية حيوية وأحيانا أدوية منقذة للحياة، دون وجود بدائل في السوق أو آلية طوارئ لضمان الاستمرارية، في ظل خدمات الحراسة الليلية والنهارية، التي أضحت معطلة أو غير كافية، بسبب الإغلاقات القسرية، ما يعرض حياة المواطنين للخطر في الحالات المستعجلة، خاصة بالنسبة للأطفال والمرضى المزمنين، الذين يلجؤون مضطرين إلى اقتناء الأدوية من مصادر مجهولة (أسواق غير رسمية، شبكات رقمية، تهريب…)، ما يشكل خطرا مباشرا على الصحة العامة، لأن الصيدلية هو المرفق الصحي الآمن، وهذا يعني أن تدهور أوضاع الصيدليات لا يعني فقط انهيار مؤسسة مهنية، بل انهيار حلقة أساسية في ضمان الأمن الدوائي والصحي للمواطن. لهذا، نطالب بضرورة التحرك العاجل لإصلاح جذري للقطاع بما يضمن استدامته المهنية ويعيد التوازن الضروري بين مصلحة الصيدلي وحق المواطن.

n لكن هناك معطيات ومقارنات تشير إلى وجود أدوية تباع بأضعاف ثمنها في المغرب مقارنة بدول أخرى. ما هو سبب ذلك؟ ومن هي الجهة التي كان من المفروض أن تتدخل لتصحيح هذا الاختلال؟

pp نعم، من الملاحظ فعلا أن هناك أدوية تباع في المغرب بأثمان مرتفعة مقارنة بدول مجاورة أو حتى أوروبية، رغم أن القدرة الشرائية للمواطن المغربي أقل، وللأسف الشديد تصرف بالمصحات خارج الصيدليات، وهذه هي معركتنا الحقيقية من باب المنافسة الشريفة، بحيث نشدد على عودتها إلى رفوف الصيدليات وبسعر معقول يساهم في تسهيل ولوجية الأدوية للمواطن ومن أجل الحفاظ على استقرار صناديق التعاضد الذي يكلفها الكثير وتهدد استدامتها.
هذا يطرح تساؤلات حول سياسة تسعير الأدوية، ومدى الشفافية والعدالة فيها، ويلزم بإعادة النظر في سياسة التسعير في هذا الصنف من الأدوية من طرف وزارة الصحة بشراكة مع الفاعلين المهنيين، مع تعزيز المراقبة والتفتيش لمنع بيعها خارج الصيدليات، بالإضافة إلى تشجيع استعمال الأدوية الجنيسة ذات الفعالية المماثلة والتكلفة الأقل.

n صرحت وزارة الصحة بأنها حرصت على المقاربة التشاركية في إعداد مشروع المرسوم الجديد. إلى أي حدّ هذا الأمر صحيح؟

pp نحن نؤكد بأن جلسات «الحوار التشاركية» في إعداد مشروع المرسوم الجديد ما هي إلا استمرارا للمسرحية «الصورية» التي تعود فبركتها إلى عهد الوزير السابق، لضياع وهدر للوقت وكسب الرهان الإداري على حساب الصيدلي، أبطالها عن قصد وعن غير قصد من أهل الدار تخلوا عن مسؤوليتهم المهنية مقابل غايات مختلفة، سيما بعد المصادقة على جهوية عرجاء وسط التهليل والتكبير على قانون يرهن المهنة أكثر من 40 سنة.

n ماهي الخطوات التي قررتم دعوة صيادلة الصيدليات للقيام بها من أجل تصحيح هذا الوضع وحث الوزارة على تنفيذ تعهداتها المتمثلة في سنّ تحفيزات بالموازاة مع تخفيض أسعار الأدوية؟

pp وسط هذا السخط العارم، نتيجة حالة الاحتقان التي تعصف بقطاع الصيدلة، نجد أنفسنا أمام خيارين، أن نكون أو لا نكون، وانطلاقا من الدور المنوط بنا كنقابات مهنية الساعي إلى الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للصيادلة الذي نفرضه علينا مسؤوليتنا اتجاه هذا القطاع ومزاوليه، وحرصا منا على أن يشهد التاريخ بأن صرختنا لم تأت من فراغ، وفي ظل جو اليأس وعدم الثقة الذي أصبح يشعر بها جلّ الصيادلة بعد طول انتظار، من أجل تحقيق الوعود السابقة والتي لم تر النور حتى هذه اللحظة، نطالب كل من له غيرة على وطنه أن يرفع الضرر عن هاته المهنة النبيلة التي عانت ومازالت تعاني الويلات بسبب الكوارث التشريعية والتنظيمية وسياسات الأمر الواقع.
ومن أجل انتشال مهنة الصيدلة من واقعها العسير، والنهوض بأوضاع المهنيين، حتى يكون الصيدلي عند الموعد مع انتظارات المواطنين وفي مستوى الآمال المعقودة عليه كرافعة للتنمية إن على المستوى الداخلي أو الخارجي، على اعتبار أن الأصوات الغاضبة تندر بـ» أن تأزيم القطاع هو بالدرجة الأولى تأزيم لصحة المواطن وسحب الثقة من القطاع الصحي»، فإننا، نحن صيادلة القاعدة ماضون في نهجنا التصعيدي والنضالي حتى نتمكن من تحقيق الكرامة والعيش الكريم بقناعات راسخة بأن معركتنا قد بدأت وأنه قد حان الوقت لاسترجاع الحقوق.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 05/09/2025