“الاتحاد الاشتراكي” تحاور الدكتور مولاي سعيد عفيف عضو اللجنة العلمية للتلقيح ورئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية

تعميم التغطية الصحية ورش اجتماعي كبير يحق للشعب المغربي أن يفتخر به

الرفع من ميزانية الصحة وتطوير التكوينين الأساسي والمستمر والاستثمار في الموارد البشرية الوصفة لتحقيق عدالة صحية ناجعة لكل المغاربة

 

 

أطلقت بلادنا بمبادرة ملكية ورشا اجتماعيا بالغ الأهمية، من بين محاوره الأساسية تعميم التغطية الصحية لتشمل 22 مليون مغربي ومغربية، وتم تحديد سقف زمني لتحقيق هذه الغاية على ألا يتجاوز سنة 2022. ورش كبير يعزز رصيد المبادرات الاجتماعية التي حرصت بلادنا على التأسيس لها وإطلاقها من أجل التغلب على كل التفاوتات والقطع مع كل أشكال التمييز تفعيلا لمقتضيات دستور 2011، ويطرح بالمقابل تحديات متعددة لاستيعاب الطلبات الصحية التي سترتفع والاحتياجات المختلفة للمواطنات والمواطنين في الحقل الصحي التي ستتعاظم، في ظل منظومة تعاني من مجموعة من الإكراهات والتي هي في حاجة إلى إعادة تأهيل، سواء تعلق الأمر بالشق المرتبط بالموارد البشرية أو التقنية واللوجستيكية.

تحديات تم بالضرورة استحضارها وإعداد العدّة من أجل تجاوز كل الإكراهات التي قد تعترض سبيلها، والتي تناقش “الاتحاد الاشتراكي” بعضا من عناوينها مع الدكتور مولاي سعيد عفيف، عضو اللجنة العلمية للتلقيح ورئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية والفيدرالية الوطنية للصحة، الذي أجرينا معه الحوار التالي:

 

دخل ورش تعميم التغطية الصحية على المواطنين والمواطنات حيّز التنفيذ، فهل الموارد البشرية على المستوى العددي قادرة على تلبية الاحتياجات الصحية التي سترتفع؟

 

إن هذا الورش الكبير الذي أعطى انطلاقته جلالة الملك محمد السادس، يعتبر ترجمة فعلية وأجرأة للنص الدستوري، خاصة في الفصل 31، وهو يجيب عن انتظارات كبيرة ظلت شرائح واسعة تترقبها بأمل كبير، والإعداد له صاحبه بكل تأكيد تحضير واسع من أجل إصلاح حقيقي للنظام الصحي حتى يستجيب للطلبات الصحية للمغاربة.

إصلاح، يجب أن يلامس بالضرورة عددا من المستويات، كما هو الحال بالنسبة للتكوين الأساسي الذي وبكل أسف لم يمكّن، وفقا للمشروع الذي تم تسطيره على عهد جطو، من تكوين 3300 طبيب في السنة كما كان مرتقبا، حيث لم يتجاوز العدد 2000 إلى 2200 طبيب وطبيبة في السنة، إذا ما تم احتساب الذين يقدمون على مناقشة شهادة الدكتوراه في الطب.

وارتباطا بالشق التكويني وجب إحداث ملحقات لكليات الطب والصيدلة البالغ عددها 7 إلى غاية اليوم، علما بأن كلية أخرى ستفتتح أبوابها لاحقا بمدينة العيون، حتى تساهم كلها في توفير تكوين نظري وتطبيقي، وهنا تجب الإشارة إلى أن الجائحة الوبائية قد أظهرت الحاجة إلى مستشفى جامعي آخر بجهة الدارالبيضاء سطات.

تطوير التكوين الأساسي والرفع من أعداد الموارد البشرية يتطلب دعما ماليا مهما، علما بأن الميزانية المخصصة لوزارة الصحة ظلت دائما دون المعدل الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، فكيف يمكن تجاوز هذا الإشكال؟

أكيد أن للصحة كلفتها، والجميع بات اليوم على وعي تام وكامل بأن هذا القطاع ليس اجتماعيا واستهلاكيا كما كان يعتقد البعض بل هو قطاع منتج وله وقعه المباشر على الاقتصاد، لهذا يجب علينا الاستثمار في هذا المجال الحيوي والتشجيع عليه بما يخدم المصلحة العامة لبلادنا وصحة المواطنين والمواطنات وضمان ولوجهم العادل والسلس إلى العلاج دون تمييز أو قيود، وتوفير الموارد المالية الضرورية لتحقيق هذه الغاية كما جاء في عرض وزير المالية.

وكما أشرتم في سؤالكم، فإنه لا بد من الرفع من ميزانية وزارة الصحة وهذا أمر لا بديل عنه وليس هناك من خيار غيره، لمواجهة الطلبات والاحتياجات التي تفرض نفسها، ويجب التنبيه إلى أن تعميم التغطية الصحية ليس مسألة مساهمات مادية للاشتراك والانخراط في هذا النظام فقط، لأنه يجب على المنظومة كلها أن تسير في نفس الاتجاه وأن يتم إعادة تأهيلها لتكون قادرة على مواجهة التحديات.

هذا التحدي يتطلب تحفيز الموارد البشرية المتوفرة وتشجيعها على مزيد من البذل والعطاء، حتى لا تختار في الهجرة، إلى جانب التفكير في آلية لحث الأطباء المغاربة في الخارج على العودة إلى الوطن والمساهمة في النهوض بالقطاع الصحي، فكيف يمكن القيام بذلك؟

لقد أكد وزير الصحة على أنه يجب الانتقال إلى وظيفة صحية بترسانة قانونية وإدارية متطورة، فمن غير المعقول أن يتم التعاقد مع الأطباء بأجر شهري قدره 8400 درهم، فهذا يعتبر أحد الأسباب التي تدفع حوالي 600 من 2200 طبيب يتخرجون كل سنة للهجرة، دون احتساب آلاف الأطباء المتواجدين في دول مختلفة عبر العالم، الذين يتوفرن على خبرات بلادنا في حاجة إليها، لهذا فإن الاستثمار في العنصر البشري يعتبر أمرا ضروريا.

هل معنى ذلك أن المشكل يكمن فقط في الأجر ومتى تم الرفع منه سيتم التغلب على كل المشاكل؟

لايمكن اختزال الارتقاء بالمنظومة الصحية في منظومة الأجور، بل هي جزء من الكل، وتمثل شقا إلى جانب محاور أخرى كما هو الحال بالنسبة للتكوين، وتقدير الطبيب المغربي، وشروط العمل وغيرها، التي في تجويدها كاملة تجويد لأداء المنظومة الصحية والرفع من مردوديتها.

نحن في حاجة إلى خارطة صحية واضحة المعالم، وأن يتم تحفيز الموارد الصحية البشرية في المناطق النائية، سواء في القطاعين العام أو الخاص، ويمكن للمجالس المنتخبة، جماعات وجهات، أن تساهم في ذلك بقوة لكي تستقطب الكفاءات الطبية.

لقد ظلت المنظومة الصحية تعرف انتقادات كبيرة طيلة سنوات عدة، ما هو تعليقكم على ذلك؟

يجب أن نفتخر بالكفاءات المغربية وأن نثق فيها، فهذه المنظومة الصحية على الرغم من الإكراهات التي تتخبط فيها، استطاعت مواجهة الجائحة الوبائية بضغطها الكبير وتبعاتها المؤلمة. لقد تمكنت الموارد البشرية، من أطباء وممرضين ومختلف المتدخلين في قطاع الصحة، من إنقاذ حياة الكثير من المواطنين والمواطنات الذين أصيبوا بالفيروس، وتم تدبير الجائحة بكثير من الحكمة والنجاعة في أصعب الظروف.

إن التحدي الذي نواجهه اليوم يكمن في تثمين الرأسمال البشري المغربي، لأنه متى حققنا هذا الأمر واستطعنا الوصول إليه سنستطيع التغلب على كل الصعاب وتجاوزها.

أشرتم إلى دور الجماعات الترابية في النهوض بالصحة، كيف يمكن لها ذلك في اعتقادكم؟

إن نجاعة وفعالية النظام الصحي تتمثل في العدالة التي يوفرها للمواطنين دون استثناء بحيث يضمن للجميع الولوج إلى العلاجات على قدم المساواة، في المركز كما في أي منطقة من مناطق بلادنا، وهو ما يفترض تعزيز البعد الترابي في القطاع الصحي، وتعتبر الجهوية المتقدمة رافعة أساسية وإحدى الركائز الداعمة لتحقيق هذا الهدف، بإشراك الجماعات والجهات وضمان تظافر الجهود بين كافة المكونات من مؤسسات وأفراد، وتعزيز فعلي للشراكة بين القطاعين العام حتى يمكن للمواطن المغربي أن يعالج بنفس الكيفية التي يعالج بها غيره في مدينة كبيرة، نموذجا، أينما تواجد وفي أية رقعة جغرافية من تراب المملكة.

هل من دروس أخرى يجب استيعابها من الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19؟

من الدروس الأساسية المهمة تعزيز الشراكة الفعلية بين القطاعين العام والخاص، وأن يكون هناك تكامل بينهما بعيدا عن كل تنافر لما فيه خير لبلادنا وللمواطنين، ولنا في تجربة مصحة الزيراوي بالدارالبيضاء التابعة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خير مثال التي تم تدعيمها بالموارد التقنية والبشرية والمالية من القطاع الخاص، ونفس الأمر عرفته مؤسسات أخرى، للمساهمة في مواجهة الجائحة.

نقطة أخرى يجب الإشارة إليها ويتعلق الأمر بمساهمة الصناديق الاجتماعية في التكوين الطبي المستمر، بالنظر إلى أهميته وضرورته بما ينعكس إيجابا على صحة المواطنين وعلى المنظومة الصحية، وبالتالي وجب تكتل الجهود وتوفير الدعم اللازم للقيام بذلك.

لقد كشفت الجائحة الوبائية عن نقاط قوة نتوفر عليها وجب تطويرها لكي تستفيد منها بلادنا كما هو الحال بالنسبة للصناعة الدوائية، حيث تم الحفاظ على استمرار الأمن الدوائي للمواطنين والمواطنات، وتم تصنيع الأدوية التي تم بها علاج المرضى المصابين بفيروس كوفيد 19في بلادنا، وهو أمر لا يجب المرور عليه مرور الكرام، ويجب منح مختبرات الدواء المغربية دعما يسمح لها بالرفع من مردوديتها وتطويرها، وأن تكون بلادنا مصنّعة ومصدّرة للدواء بشكل عام واللقاحات بشكل خاص صوب إفريقيا بشكل أكبر، ولا بد أن يتم تشجيع الولوج إلى الأدوية الجنيسة والرفع من نسبتها لتصل على الأقل إلى 75 في المئة، لأنها لا تتجاوز اليوم نسبة 35 في المئة، والمساهمة في ضمان التوازن المالي للصناديق الاجتماعية. وارتباطا بهذه النقطة وجب التذكير بأهمية مراجعة التعريفة المرجعية وبضرورة احترام تطبيقها، وإدراج البروتكولات العلاجية في مسطرة التعويض، حتى يتم تقليص عبء العلاج المادي على المريض، الذي يؤدي حوالي 60 في المئة من المصاريف من جيبه، علما بأننا نتحدث عن المريض الذي يتوفر على تغطية صحية.

نقطة أخيرة أود التطرق إليها أيضا في هذا الصدد والمتعلقة بأهمية اللقاحات بشكل عام وفعالياتها في القضاء على العديد من الأمراض بشكل نهائي، مقابل الوقاية والتقليص من تبعات صحية وخيمة بسبب أمراض أخرى، لها كلفة صحية واقتصادية واجتماعية، بل وإنسانية أيضا، الأمر الذي يتطلب تغطية مصاريف هذه اللقاحات بشكل كامل بنسبة 100 في المئة، حتى يتم فسح المجال لإدراج لقاحات أخرى جديدة لمواجهة أمراض أخرى، كما هو الحال بالنسبة للقاح سرطان عنق الرحم ولقاح مرض اليرقان من نوع A.

 


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 29/04/2021