في هذا الحوار الذي كانت الاتحاد الاشتراكي قد أجرته سابقا مع مونغ تون خين، يسلط رئيس منظمة روهيجيا بورما الضوء على الكثير من الزوايا المعتمة في ملف «مسلمي بورما» الذي زاد اليوم تأججا وينذر بمأساة إنسانية غير مسبوقة، ونظرا للأحداث والتطورات المتسارعة التي يعرفها النزاع، ارتأينا أن نعيد نشر هذا الحوار الذي أجراه الزميل يوسف هناني مع إحدى الشخصيات الأكثر إلماما بخبايا هذا الملف.
تعترف حكومة ميانمار بمسلمي الروهنجيا وعددهم 1.1 مليون شخص كمواطنين مما يجعلهم عديمي الجنسية. وتشير تقارير إعلامية إلى أن نحو 25 ألفا من أقلية الروهنجيا المسلمة التي تتعرض لأعمال عنف واضطهاد من قبل البوذيين في ميانمار فروا منها بحرا في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية.
وهرب الكثيرون منهم من أوضاع تشبه التمييز العنصري في ولاية أراكان الواقعة في غرب ميانمار.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال قبل أسبوع: إن ميانمار بحاجة لإنهاء التمييز ضد الروهنجيا إذا أرادت أن تنجح في انتقالها إلى الديمقراطية، مع تصعيد واشنطن ضغوطها على الدولة الآسيوية لمواجهة مسألة ترى الإدارة الأمريكية أنها من الأسباب الرئيسية لمشكلة الهجرة التي تكافح المنطقة لحلها.
غير أن ميانمار قالت: إن «اضطهاد» مسلمي الروهنجيا ليس السبب في أزمة الهجرة بمنطقة جنوب شرق آسيا، وذلك بعد يوم من دعوة الولايات المتحدة حكومة يانجون إلى منح الأقلية حقوقا كاملة للمساعدة على وقف تدفق المهاجرين.
خلال الأسبوع الماضي حلت إشكالية أقلية الروهنجيا المسلمة ضيفا خاصا على أشغال الاجتماع الاستثنائي للجنة الهجرة التابعة للأممية الاشتراكية، الذي دعا لعقده بالرباط حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بشراكة مع الفريق الاشتراكي بمجلس النواب.
وتمكن مونغ تون خين، رئيس منظمة روهنجيا بورما، بالمملكة المتحدة «بروك»، من تقديم عرض بسط فيه كل أوجه معاناة أقلية الروهنجيا المسلمة التي تواجه حملة إبادة من قبل نظام بورما، والذي يصادر حقوق هذه الأقلية المسلمة ويتشبث بعدم إقرارها على أرض الواقع، داعيا إلى تحمل حكومة يانجون لمسؤوليتها بالكامل حيال جميع سكانها وخصوصا الروهنجيا.
وقال: «إن الأممية الاشتراكية بمقدورها فعل الكثير مما يمكن بكل تأكيد من مساعدة أقلية الروهنجيا المسلمة»، ودعا في حوار خص به «الاتحاد الاشتراكي» المنتظم الدولي أن يتدخل بشكل عاجل من أجل إيجاد حل لإشكالية أقلية الروهنجيا المسلمة وتوفير الحماية لها وأن يعزز من تعاونه مع الدول الآسيوية المجاورة لبورما من أجل الضغط على حكومة ميانمار، من أجل أن تمنعها من مواصلة مطاردتها لأقلية الروهنجيا المسلمة.
n هل لكم أن تقدموا لنا صورة عن الوضع الحالي للروهينغيا ؟
pp ما يمكنني قوله بخصوص الروهنجيا أنها أقلية مسلمة في بورما تعيش وضعا صعبا، فهي تواجه حملة إبادة من قبل نظام بورما. فحكومة ميانمار تتجاهل بشكل تام جميع حقوقها الأساسية، حيث إن النظام ينفي عنهم بشكل كلي صفة الوجود على أراضيه، ويتجاهل مواطنتهم وانتماءهم لبورما ويجعل منهم مواطنين عديمي الجنسية، كما أنه نظام لا يتردد في تجاهل الاعتراف بهم ولا يمنح المواطنة لأبناء الأقلية من الروهنجيا.
وأشير بالمناسبة إلى أن نظام بورما، يصادر كذلك حق أقلية الروهنجيا المسلمة، التي تعاني من التمييز في ميانمار التي لا تعترف بهم كإحدى العرقيات الرسمية في البلاد، وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين، في الولوج إلى التطبيب وكذا التمتع بالعلاج، وأيضا تصادر حكومة ميانمار حقهم في الولوج إلى التعليم والتمكن من الدراسة.
n هل هذا ما جعل بالأساس أقلية الروهنجيا المسلمة تختار النزوح ومغادرة أرض بورما؟
pp نعم بالتأكيد، فكل الاضطهادات التي تعانيها أقلية الروهنجيا المسلمة في بورما، والتي بسطت بعضا من أوجهها، دفعت هذا الشعب الى النزوح، أو إن لم نقل، الهروب من بورما، والدليل على هذا ما تابعه المجتمع الدولي شهر مايو الماضي من مشاهد لنزوج جماعي لأقلية الروهنجيا المسلمة، حيث اضطر أكثر من ثمانية آلاف من شعب الروهنجيا إلى ركوب مخاطر البحر عبر القوارب والتوجه إلى وجهة تبعدهم عن أرض بورما ونظامها.
n هل تعتقدون أن النظام الدولي اليوم مكتوف الأيدي إزاء ما تواجهه أقلية الروهنجيا المسلمة ولا يتحرك بالشكل المطلوب؟
pp أظن أن المطلوب اليوم أمام الوضع المزري الذي تعيشه أقلية الروهنجيا المسلمة في بورما أن يبحث النظام الدولي في الأسباب الحقيقية لإشكالية أقلية الروهنجيا المسلمة في بورما، ويحاول إيجاد جواب عن السؤال الكبير، لماذا يهاجر اليوم شعب الروهنجيا من بورما وينزح، مخاطرا بنفسه، عبر القوارب، بسبب مصادرة حكومة يانجون لحقوق هذه الأقلية المسلمة وتشبثها بعدم إقرارها على أرض الواقع، واعتبار أن الإشكالية ليست مسألة اضطهاد بقدر ما هي قضية هجرة غير شرعية.
n ما السبب في كل ما تعانيه أقلية الروهنجيا المسلمة في بورما، وما هي أوجه مسؤولية حكومة يانجون لها في ما يحدث اليوم لهذه الأقلية؟
pp لقد عملت حكومة بورما، بالموازاة مع مصادرة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأقلية الروهنجيا المسلمة، على اختلاق وضع متأزم يروم بالأساس إلى الدفع بتأجيج الكراهية ضد أقلية الروهنجيا المسلمة، كما أن حكومة يانجون لا تتوانى في العمل على مطاردة أقلية الروهنجيا المسلمة ومحاولة إبادتها من خلال تبنيها سياسة تضييق تقضي بدفعها إلى الهروب خارج أراضي بورما.
n هل من مخرج دولي لإشكالية شعب أقلية الروهنجيا المسلمة؟
pp أعتقد أن المطلوب اليوم من المجتمع الدولي، هو أن يتدخل بشكل عاجل من أجل إيجاد حل لتوفير الحماية لأقلية الروهنجيا المسلمة، كما أنه يجب على النظام الدولي أن يعزز من تعاونه مع الدول الآسيوية المجاورة لبورما من أجل الضغط على حكومة ميانمار، بهدف أن تمنعها من مواصلة مطاردتها لأقلية الروهنجيا المسلمة ودفعها إلى الهروب من بورما، وأن يعمل النظام الدولي أيضا على أن يطالب حكومة يانجون بأن تتحمل مسؤوليتها بالكامل حيال جميع سكانها وخصوصا أقلية الروهنجيا المسلمة.
n ما الذي يمكن أن تفعله الأممية الاشتراكية من أجل المساهمة في إيجاد حل لإشكالية أقلية الروهنجيا المسلمة؟
pp أظن أن الأممية الاشتراكية، وخاصة لجنة الهجرات التي حلت ضيفا خاصا عليها خلال عقدها لقائها الاستثنائي بالرباط، واستعرضت أمام الوفود المشاركة الوضع الذي تعيشه أقلية الروهنجيا المسلمة، بمقدورها فعل الكثير مما يمكن بكل تأكيد من مساعدة أقلية الروهنجيا المسلمة، وذلك بعمل وفود الأممية الاشتراكية المشاركة في هذا الاجتماع الاستثنائي للجنة الهجرات على التعريف بوضعية أقلية الروهنجيا المسلمة لدى أحزابها المشكلة للأممية الاشتراكية لها وتعميمها لمضامين العرض الذي قدمته حول واقع أقلية الروهنجيا المسلمة التي تتعرض لأعمال عنف واضطهاد في ميانمار.
n قد يفهم من اتخاذ أقلية الروهنجيا المسلمة من قوارب الموت وسيلة للهروب أنهم مهاجرون سريون ما صحة ذلك؟
pp إن أفراد أقلية الروهنجيا المسلمة ليسوا مهاجرين سريين يتخذون من قوارب الموت أداة للهرب من بورما، بل هم لاجئون اضطروا إلى مغادرة بورما هربا من الاضطهاد الذي يعانون منه من قبل نظام بورما. إن الإشكالية في بورما، في ما يتعلق بشعب أقلية الروهنجيا المسلمة، سياسية، دينية وعرقية بالأساس، والروهنجيا شعب متعدد الأديان والأعراق، وحكومة بورما تطارد أقلية الروهنجيا بشكل خاص، و تسعى الى التخلص بشكل خاص من الأقلية المسلمة فيها.
n هل تعتقدون أن الدول الآسيوية المجاورة تساعد كما يكفي أقلية الروهنجيا المسلمة اللاجئة إليها؟
pp أظن أن الدول المجاورة التي تلجأ إليها أقلية الروهنجيا المسلمة التي اضطرت للفرار من تعسف حكومة يانجون، لا تقدم للاجئين إليها من أقلية الروهنجيا المسلمة المساعدة بالشكل المرجو، بالنظر لتعقيدات قوانين الهجرة والإقامة، وفي ظل استحالة الاستقرار تضطر الى إعادتهم من حيث أتوا، أي إلى بورما.
وفي هذا السياق، يجب التأكيد على ضرورة أن تقدم حكومة بورما الضمانات الكافية بخصوص العائدين من أقلية الروهنجيا المسلمة وتعبر عن التزامها الواضح أن إعادتهم لبورما ووجودهم بها بعد محاولة النزوح الى الخارج لن تشكل خطرا عليهم، وأن تعمل على منح الجنسية لهم وتمكينهم من كل حقوقهم.
ومع استحالة إيجاد حل لإشكالية أقلية الروهنجيا المسلمة، فهذه الأقلية ستكون دائما مضطرة للنزوح والهروب، وعلى النظام الدولي بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكذا الدول الآسيوية، أن يعززوا تنسيقهم وجهودهم المشتركة بشكل خاص مع الدول الأسيوية المجاورة من أجل الضغط على حكومة بورما لتمكين أقلية الروهنجيا المسلمة من كامل حقوقها والعمل على وقف نزوحها وهروبها من بورما.