الاتحاد الاشتراكي يفتح ورش القضاء الدستوري .. إدريس لشكر يحذر من «تشريع على المقاس» ويدعو لحماية روح الدستور وتعزيز الأمن القانوني

منح مشروع القانون لمحكمة النقض سلطة التحقق من الصلة بين الدفع والحق الدستوري موضوع الانتهاك يُعد «تهريباً لصلاحيات المحكمة الدستورية» !

 

في ندوة دراسية نظمها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوم الثلاثاء 25 نونبر 2025، حول موضوع “مستجدات القضاء الدستوري في ضوء القانونين التنظيميين المتعلقين بالمحكمة الدستورية والدفع بعدم الدستورية”، قدّم الكاتب الأول للحزب، الأستاذ إدريس لشكر، كلمة افتتاحية رسمت معالم نقاش سياسي وقانوني دقيق حول مشاريع القوانين التنظيمية المعروضة اليوم على الساحة التشريعية، محذّراً مما اعتبره “اختلالات تمس روح الدستور” و»تشريعات موجهة على المقاس».
شهدت الندوة حضور ثلة من الباحثين والخبراء في القانون، الدستوري، وأكاديميين ومحامين وبرلمانيين إلى جانب قيادات حزبية وأطر مهتمة بالشأن السياسي والقانوني.

 

الإشادة بالمكتسبات… وانتقاد التباطؤ والاختلالات

استهل لشكر كلمته بالتذكير بالدور المحوري للقضاء الدستوري في بناء دولة الحق والقانون، مبرزاً أن الحزب ظلّ، منذ عقود، من المدافعين عن تجويد إطاره المؤسساتي، منذ مذكراته السابقة لإنشاء المجلس الدستوري سنة 1992، وصولاً إلى مساهماته في مداولات اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور سنة 2011.
وفي الوقت الذي أكد فيه حرص الحزب على الإشادة بكل المكتسبات المحققة في عهد الملك محمد السادس بمختلف المجالات الحقوقية والدستورية، شدد لشكر على أن الاتحاد الاشتراكي “لا يسكت عن أي تجاوز أو تعطيل لتفعيل الدستور أو أي مساس بالحقوق والحريات أو تضارب في المصالح”.

القانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية… “مسار مرتبك ومسطرية مضطربة”

خصص لشكر حيّزاً مهماً من مداخلته لقراءة نقدية لمشروع القانون التنظيمي 35.24 المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون، مذكّراً بتاريخه «المتعرج» منذ كان يحمل رقم 86.15، ثم بإحالته مرتين على المحكمة الدستورية التي قضت بعدم دستورية أجزاء منه ثم ببطلان مسطرته بسبب عدم مصادقة المجلس الوزاري.
وقال لشكر إن تقديم الحكومة لمشروع جديد برقم مختلف «يجعل القانون التنظيمي كالطفل المسجل بتاريخين للولادة»، معتبراً أن تغيير الرقم مخالف للفصل 86 من الدستور الذي يفرض الاحتفاظ بنفس رقم المشروع خلال الولاية التشريعية الأولى لتفعيل دستور 2011.

إشكالية “نظام التصفية”

انتقد لشكر منح مشروع القانون لمحكمة النقض سلطة التحقق من الصلة بين الدفع والحق الدستوري موضوع الانتهاك، معتبراً أن هذا التوجه يناقض قرار المحكمة الدستورية رقم 70.18 التي شددت على أن نظام التصفية اختصاص حصري للمحكمة الدستورية.
وأكد أن أي نقل لهذا الاختصاص يُعد “تهريباً لصلاحيات المحكمة الدستورية”، داعياً إلى تعزيز موارد هذه الأخيرة للاضطلاع بدورها كاملاً، دون المساس بجوهر اختصاصاتها.

التعديلات على القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية… النقطة الأكثر حساسية

انتقل لشكر إلى مشروع القانون التنظيمي 36.24 المغير والمتمم للقانون 066.13، مبدياً ملاحظات حادة بخصوص المادة 14، التي تمنع إعادة تعيين أو انتخاب عضو أكمل فترة تكميلية تتجاوز ثلاث سنوات، وتسمح لبقية الأعضاء بإعادة التعيين.

لشكر: “النص صيغ على المقاس… ويخرق الدستور صراحة”

اعتبر لشكر أن هذا المقتضى «يخفي الكثير»، لأنه قد يؤدي إلى ضرب القاعدة الدستورية المتعلقة بـالتجديد الدوري لثلث أعضاء المحكمة كل ثلاث سنوات، وإلى فقدان التوازن بين الأعضاء المعينين والمنتخبين.
وأكد أن السماح لبعض الأعضاء بإعادة التعيين بدعوى أن فترتهم التكميلية تقل عن ثلاث سنوات «تحايل على الدستور»، لأن ذلك يفتح الباب لولايات تتجاوز السقف الدستوري المقرر في تسع سنوات.
وعدّد لشكر أربع مخالفات أساسية يعتبرها ناتجة عن التعديل:
– مخالفة روح النص الدستوري الذي يمنع التجديد مطلقاً.
– المساس بقاعدة التجديد الدوري عبر السماح بتراكم المدد.
– التمييز بين الأعضاء على أساس مدد تكميلية متقاربة.
– تهديد استقلال القضاء الدستوري عبر خلق “ولاءات مرتبطة بالاستمرار في المنصب”.
وتساءل بنبرة حادة: “على أي أساس دستوري تم تحديد سقف الثلاث سنوات للاستفادة من التجديد؟ أم أن الأمر يتعلق بتشريع على المقاس؟”

ملاحظات أخرى… وإشارات إلى بعض قرارات المحكمة الدستورية

لم يفت الكاتب الأول التوقف عند المادة 27 المتعلقة بالإحالة على تفسير المحكمة الدستورية عند نشر القوانين، متسائلاً عن كيفية تضمين هذه الإحالة في النص أو الهامش، ومشدداً على ضرورة اجتهاد قضائي واضح يجنّب تضارب الممارسة.
كما أشار إلى بعض قرارات المحكمة التي أثارت نقاشاً، منها:
– قرارات الطعون الانتخابية،
– قرار المسطرة المدنية المتعلق بتدبير النظام المعلوماتي،
– قرار التنظيم القضائي الذي أفرز مفهوماً جديداً وصفه بـ“المبهم”.
واعتبر أن بعض هذه القرارات خلقت ارتباكاً في الممارسة القضائية، داعياً إلى تطوير مقاربة أكثر وضوحاً وانسجاماً.

ختام: دعوة لتعميق النقاش وتعزيز الأمن القانوني

اختتم لشكر كلمته بالتأكيد على أن هذا اللقاء العلمي يروم سدّ الثغرات واقتراح البدائل بهدف: تجويد التشريع، حماية الحقوق والحريات، تعزيز الأمن القانوني،
وتقوية المسار الديمقراطي بالمغرب. ووجّه شكره للأساتذة والخبراء والبرلمانيين وكل المشاركين الذين حضروا هذه الندوة.
بهذا، يكون الاتحاد الاشتراكي قد فتح باب نقاش حساس حول مستقبل القضاء الدستوري بالمغرب، في ظرفية تشريعية تعتبر الأهم منذ دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، في انتظار ما ستسفر عنه النقاشات داخل البرلمان ودوائر القرار.
وقد عرفت الندوة أيضاً سلسلة من المداخلات المتخصصة، أبرزها مداخلة الخبير الدستوري محمد لمريني، الذي تناول الإطار النظري والمؤسساتي للمحكمة الدستورية، مع التركيز على شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية، وتحديات تطبيقه منذ دخوله حيّز التنفيذ. كما قدم المحامي عبد الكبير طبيح قراءة نقدية لمسار تفعيل هذه الآلية، موضحاً الإشكالات العملية التي تواجه المتقاضين والمحامين أمام القضاء العادي عند إثارة الدفع، مؤكداً ضرورة تبسيط المساطر وضمان تيسير الولوج إلى العدالة الدستورية.
وقدم الأستاذ الغازي صبحي مداخلة مبرزا فيها على أن تطهير القوانين من الأخطاء التي تشوبها وتنقيتها وعدم دستوريتها، وقدم عدد من الملاحظات التي تهم مشروع قانون الدفع بعدم دستورية القوانين.
أما الأستاذ الجامعي كمال الهشومي، فخصّص مداخلته لتحليل البعد التشريعي، حيث أبرز نقاط القوة والقصور في الإطار القانوني الحالي، معتبراً أن تحسين جودة التشريعات وضمان مطابقتها للدستور يتطلب رؤية إصلاحية شاملة وتعاوناً مؤسساتياً أوسع. كما شدّد على أهمية ترسيخ ثقافة الرقابة الدستورية لدى الفاعلين القانونيين والعموم. كما ركز أيضا في مداخلته على عدد من المحاور منها نظرية التفسير الدستوري الحرفي على حساب بعد الحقوق السياسية، باعتبار ان هذا المنهج يتيح قرارا سطحيا من الناحية الشكلية في مقابل أن المحكمة الدستورية حامية للحقوق، والمحور الثاني المتعلق برقابة التناسب كمعيار، ثم الأزمة المؤسساتية، متسائلا هل لدينا مؤسسات تتناسب وذلك، والمحور الأخير الربط بين المشاريع القانونية والنظري الدستورية.
من جهته قدم الدكتور سعيد بعزيز، رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، مداخلة ضمن العديد من الملاحظات حول مشروع القانون المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين، مبرزا على أن هذا المولود بتاريخين مختلفين، مشددا على أن هناك عشوائية واعتباطية في طريقة تعاطي الحكومة مع هذا المشروع.
كما قدم ملاحظات حول تقديم المشروع داخل لجنة العدل والتشريع تهم الشكل والمضمون، مشددا على أن يبقى القضاء الدستوري والمختص شكلا وموضوعا.
وقد تميّزت الندوة بنقاش واسع بين الحاضرين، مما عكس اهتماماً كبيراً بموضوع الدستورية والقضايا التشريعية ذات الصلة. وتقاطعت آراء المتدخلين حول ضرورة تطوير القانون الحالي بما يضمن حماية الحقوق والحريات الدستورية، ويعزّز الثقة في المؤسسات. كما أظهرت النقاشات مواقف الاتحاد الاشتراكي التي تؤكد على مركزية المحكمة الدستورية في تعزيز المسار الديمقراطي، وعلى أهمية إصلاح النصوص التشريعية حتى تستجيب تماماً لروح الدستور ومبادئه.


الكاتب : n الرباط عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 26/11/2025