الاتحاد الاشتراكي يلتزم في برنامجه الانتخابي بتطوير طب الشغل ويعتبره أحد مداخل تجويد المنظومة الصحية

أفرد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مساحة جد مهمة للصحة في برنامجه الانتخابي، وشدّد على ضرورة اعتماد برامج وأنشطة مبتكرة لحماية صحة المواطنات والمواطنين، داعيا إلى إعطاء الأهمية اللازمة لحفظ الصحة وسلامة وجودة المياه والمواد الغذائية وطب الشغل بتنسيق مع القطاعات المعنية، لأن كل هذه العوامل مجتمعة تساهم في الحفاظ على الصحة والنهوض بها، انسجاما مع تعريف منظمة الصحة العالمية لها، الذي يؤكد أنها حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية وليس مجرد غياب أو انعدام للمرض أو العجز.
وإذا كان البرنامج الانتخابي الذي يتقدم به الاتحاد الاشتراكي للناخبات والناخبين ويدعوهم إلى التصويت على الحزب في استحقاقات الثامن من شتنبر، ملتزما بتنزيل ما تضمنه من إجراءات، قد أكد على استعجالية إصلاح المنظومة الصحية وقدم مقترحات بالغة الأهمية من أجل تحقيق هذه الغاية، فإنه قد خصص وهو يتحدث عن الجانب الطبي والتمريضي والنفقات العلاجية وغيرها من المحاور الصحية، شقا خاصا بطب الشغل كذلك، الذي لم يأت عبثا، وإنما هو ثمرة تشخيص ودراسات أجراها خبراء، لأن الحزب يراهن على تعزيز الحكامة من أجل حماية اجتماعية مستدامة شاملة وعادلة، كما يؤكد ذلك، ولهذا فقد دعا إلى إعادة النظر في الإطار التشريعي والتنظيمي المؤطر لحوادث الشغل والأمراض المهنية ومراجعة الجوانب الخاصة بالمعاينة والتكفل والتعويض، مع تطوير المقتضيات القانونية المتعلقة بطب الشغل.
التركيز على النهوض بطب الشغل، باعتباره أحد مداخل تجويد المنظومة الصحية، تتأكد أهميته بالعودة إلى مجموعة من المقالات والملفات التي أنجزناها وأشرفنا عليها في جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، والتي قمنا خلالها بإشراك خبراء ومختصين في المجال، الذين شددوا على أن هذا القطاع يعاني معاناة كبيرة ويفتقد للعديد من المقومات، بل أنه بعيد عن المعايير الموصى بها، ومن بين الأمثلة الدّالة على ذلك، عدد الأساتذة، الذي انتقل بصعوبة من أستاذين اثنين في كامل تراب المملكة، إلى 6 في وقت لاحق بكليات الطب والصيدلة، بينما لا يتجاوز عدد وحدات تكوين المختصين وحدة واحدة توجد بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء. واقع قاتم يمتد إلى أطباء الشغل الذين يقدر عددهم بـ 1500 طبيب وطبيبة، لكن أغلبهم يزاول مهام أخرى بعيدة عن طب الشغل، ليبقى هذا العدد غير كاف للتعاقد مع المؤسسات المختلفة والمقاولات، إن على مستوى المتابعة الفعلية أو الزيارات. وجدير بالذكر أن القانون يفرض على كل مقاولة تشغّل 50 أجيرا فما فوق التوفر على مصلحة مستقلة لطب الشغل، هذا في الوقت الذي تشير فيه الأرقام إلى أن 17 في المئة فقط من المقاولات تتوفر على لجنة للصحة والسلامة المهنية من بين 140 ألف مقاولة أو أكثر، بينما يقدر عدد حوادث الشغل سنويا داخل الفضاءات المهنية، مفتوحة كانت أو مغلقة، بحوالي 80 ألف حادثة، ما بين 20 و 30 ألف منها تتّسم بالخطورة، أما الخصاص في أطباء الشغل فيقدره المختصون بحوالي خمسة آلاف طبيب، علما بأن معدل التغطية بمصالح طب الشغل بالقطاعين العام والخاص لايتجاوز 2 في المئة.
وتتعدد عناوين أهمية طب الشغل في الحياة المهنية وآثاره على الحياة الجماعية، فطبيب الشغل يتابع تطورات «الجسم» على امتداد المسار المهني للمستخدم والأجير منذ اليوم الأول من العمل، ويقترح باستمرار تغيير المهام حسب التقدم في السن، لأن هناك شيخوخة عصبية وقلبية وأخرى جسدية، وفقا لتأكيد المختصين، وذلك ارتباطا بخصوصيات العمل الذي يتم القيام به. ويقوم طبيب الشغل بتحديد الاختصاصات المهنية التي يمكن القيام بها بناء على تشخيص الوضعية الصحية للأجير، العضوية منها والنفسية، ويستمر في مواكبته إلى غاية التقاعد، علما بأن هناك أعمالا ومهاما تتطلب متابعة المعنيين بالأمر صحيا حتى بعد التقاعد، لأن العديد من الأمراض المرتبطة بطبيعة ونوعية وظروف العمل الذي كانوا يقومون بها لا تظهر إلا بعد سنوات، وهو ما لا يتم إيلاؤه أهمية كبيرة، ويترك المتقاعد مع علله التي يتم التعامل معها كأمراض عادية والحال أنها أمراض مهنية.
وشددت عدد من الملفات التي أنجزتها «الاتحاد الاشتراكي» حول طب الشغل، على أن الطبيب المتخصص في هذا المجال يساهم في التثقيف الصحي داخل فضاء المقاولة، ويقوم بحماية الأجير والمشغل على حدّ سواء، ويساهم في التقليص من حوادث الشغل ومن الأخطار المهنية بفضل التوجيهات التي يقدمها بناء على تشخيص، يساهم فيه أطباء الشغل إلى جانب الممرضين والتقنيين، فإذا كان الطبيب والممرض لهما علاقة مباشرة مع جسد الأجير، فإن التقني يختص بفضاء العمل، كما هو الحال بالنسبة للشق المرتبط بطبيعة ونوعية الإنارة والوقاية في الفضاءات التي يتم الاشتغال فيها باستعمال المواد الكيماوية والسامة وغيرها، ليكون بذلك دور طبيب الشغل دورا وقائيا بشكل كبير. ويشدد الخبراء على أنه كلما تم الحفاظ على صحة الأجير وسلامته، التي قد تنطلق من نوعية الكرسي الذي يجلس عليه وتمتد إلى مجالات أخرى، كلما كانت مردوديته أكبر وساعات تغيبه عن العمل أقل، ونقله للعدوى لمحيطه الأسري ضعيفا، فيساهم ذلك كله في تحسين جودة الحياة بالنسبة له ويرتقي بأداء المقاولة، وهو ما يتطلب بذل مجهودات أكبر للنهوض بهذا القطاع، وقد أكدت الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 هذا الجانب بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى إغلاق أبواب عدد من المقاولات والوحدات الإنتاجية وغيرها، لأن عددا منها لم يكن يتوفر على طبيب شغل بإمكانه تقديم تصور متكامل لاستمرار العمل باعتماد كل التدابير الوقائية، والحرص على حماية صحة الأجراء والحفاظ على استمرارية الدورة الصناعية بشكل طبيعي.
إن طب الشغل ليس ترفا، ولا أمرا ثانويا، بل يعتبر أولوية إذا تم النهوض به على المستوى التشريعي والتنظيمي، وتم حماية الأجراء والتكفل بهم وتطوير منظومة الحماية والتعويض، فإن ذلك يشكل أحد الدعائم القوية التي يمكن أن تقوم عليها المنظومة الصحية، وهو ما يجعل حزب الاتحاد الاشتراكي يتقدم بجملة من الإجراءات في برنامجه الانتخابي من أجل تطوير طب الشغل وتحصين الفضاءات المهنية من الأخطار التي تعتبر تحديا جماعيا يجب النجاح فيه.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 07/09/2021