الاتحاد الذي نجح في توحيد يسار العالم قادر على توحيد يسار المغرب 

« أنهت الأممية الاشتراكية أشغالها باعتماد « إعلان الرباط « ، بما هو خارطة طريق للاشتراكيين الديموقراطيين وحاملي المشروع التقدمي الإنساني في كرتنا الأرضية …
كانت للمؤتمر الاشتراكي قيم مصاحبة: هي الثقة والاحترام والتقدير .
ومن المحقق في هذا الباب أن الاجتماع، بحد ذاته، كان عربون ثقة من عموم الاشتراكيين في العالم، ثقة في الحزب الذي احتضن ثلاثة اجتماعات في اجتماع واحد : لجنة إفريقيا والأممية الاشتراكية للنساء والمجلس الدولي للمنظمة ، وهو حدث نادر وغير مسبوق ، بشهادة قادة الاشتراكية العالمية ، والذين رافقوا تجربة الأممية لأزيد من عقدين متواصلين من الزمن، كما هو حال رئيس لجنة إفريقيا والكاتبة العامة للمنظمة .
والاجتماع عربون تقدير واحترام لهذا الحزب، الذي قرر احتضان هذا المنتدى، فوق الأرض الإفريقية التي تنتمي إليها حركته الاشتراكية، وهو احترام عبر عنه المجتمعون بالحضور الكثيف أولا، وبالمشاركة في كل محطات النقاش بحرية وبقوة ثانيا، والظروف التي تمت فيها هاته المشاركة، ثالثا.
وما من شك أن النتائج التي وصل إليها المجتمعون، بعد نقاش من مستوى رفيع، ستظل في سجلات الأدبية الأممية ومرجعية فكرية وسياسية عند الاشتراكية العالمية، مرتبطة في الوقت نفسه مع مدينة الرباط ودولة المغرب التي تم فيها تسطير هذا الأفق الإنساني المشترك …» رسالة الاتحاد في 24 دجنبر .2024
اليسار ، بالرغم من كل الكبوات التي عرفها، فإنه لم يستسلم، بل في العالم كله قام بمحاولات إبداع لاستنهاض قوته …
ونحن اليوم، حزب فاعل في هذا الإبداع اليساري؛ إننا كحزب يساري اشتراكي مغربي، الحزب الوحيد في الأممية الاشتراكية والتحالف الاجتماعي التقدمي ..
وبفضل تجذرنا في التاريخ والمجتمع، وبفضل اجتهادنا وإبداعنا نسجل أننا نكاد نكون الحزب الاشتراكي الوحيد الذي حافظ على ذاته واستمراره وتوازنه، في ظل التغيرات والتحولات العالمية التي أقبرت أحزاب اشتراكية عريقة في المنطقة العربية …
اليسار فكر كوني وتموقع سياسي له تاريخ ومفكرون، وقادة، ورموز، وتجارب، ومرجعيات .
اليسار هو نسق متكامل من القيم، وتطور واضح ومنسجم لمشروع مجتمع .
اليسار في جوهره فكر التقدم والحداثة، وهو أداة وقاطرة التطور المستمر .
اليسار مساند دائم للإبداع، والخلق، والعلم والعقل .
اليسار طبعا، لا يرى سبيلا لتحقيق مشروعه المجتمعي إلا بالديموقراطية وهو في نفس الآن المدافع الدائم، والدرع الواقي لهذه الديموقراطية .
وأن تكون يساريا هو أن تنتمي لهذا التيار البشري التاريخي للفكر الإنساني .
أن تكون يساريا هو أن تؤمن وتتبنى قيم العقل، والحرية، والعدالة والتضامن، والانفتاح على الآخر، والتسامح .
أن تكون يساريا هو أن تدافع عن مساواة البشر دون تمييز باسم اللون أو الجنس، أو المعتقدات أو الوضع الاجتماعي، أو الجنسية .
أن تكون يساريا هو أن ترفض وتحارب كل خطاب أو ممارسة تدعو إلى الحقد أو التعصب، أو أي شكل من أشكال الاضطهاد والشمولية .
وإن الوحدة الجادة والممكنة هو أن تدرك القوى السياسية التقدمية واليسارية وحدة مصيرها وأهدافها الكبرى، وألا تخطئ في تقديرها لخصومها وأعدائها، وألا تخدمهم ضدا على أسرتها التقدمية اليسارية، وأن تنصرف إلى تأطير المجتمع باسم القيم اليسارية…
إن الوحدة بين القوى السياسية التقدمية واليسارية هو أن تكون موحدة وجازمة في القضايا الكبرى والمعارك المصيرية ضدا على كل ما هو مناف لقيم اليسار ومبادئه …
وحدة اليسار هي تآزر فكري سياسي، عملي دائم ومستمر ، حول الجوهر، ولا يمنع بل يشترط استمرار الحوار والجدال والنقد داخل أسرة اليسار…
الاتحاد الاشتراكي قاطرة اليسار المغربي، ومن الخطأ الاعتقاد أن إضعافه يخدم الديموقراطية والتحديث، وهذه إحدى الخلاصات التي لن تبرح فصائل اليسار أن تقر بها على اعتبار أن خيارات التحديث والديموقراطية لا يمكن أن تتحقق بدون حزب يساري من وزنه .
إن حصيلة تطور الحقل السياسي المغربي، من وجهة تشكل العائلات السياسية، واستحضار النضالات والتضحيات والمعارك المجتمعية، تؤكد هذه الخلاصة بجلاء، وتفضي إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الاتحاد الاشتراكي هو ملك لكل اليسار وليس ملك نفسه، وهو بذلك معني، من وجهة نظر التاريخ، ليس بمصيره الخاص فقط، بل بمصير العائلة اليسارية كلها والعائلة التحديثية بشكل عام، وعلى هذا الأساس ينظر إليه كرقم أساسي في أجندة البلاد، وعلى هذا الأساس ناضل ويناضل وعلى هذا الأساس جاء نداء تأسيس جبهة تقدمية معارضة للتغول .
سؤال طرحناه مرارا وتكرارا، ولن نمل من طرحه، سؤال لا بد أن يجيب عنه بعض الذين غادرونا، أي قيمة إضافية في إعادة تشكيل الخريطة السياسية، جاءت بها إطاراتهم ؟! وإلى أي حد ساهموا في إضعاف الاتحاد الاشتراكي دون أن ينجحوا في المقابل في إنشاء أحزاب بديلة ذات شأن أو تقوية اليسار السبعيني، والأرقام المسجلة دليل على ذلك ولا ضرورة للتذكير بها…
إن الاختلاف في الرأي لا ينبغي أن يوقف التعامل والتفاعل والتنسيق في القضايا المشتركة…إن التنسيق المشترك بين القوى السياسية اليسارية هو ألا تخطئ في تقديرها لخصومها وأعدائها، وألا تخدمهم ضدا على أسرتها التقدمية اليسارية، وأن تنصرف إلى تأطير المجتمع باسم القيم الكونية الإنسانية .
مرت تحت الجسور سيول، وبقي الاتحاد الاشتراكي وفيا للفكرة اليسارية، ظل على الإيمان المبدئي الأول المبني على الانتماء للإنسان، العاشق للحرية والديموقراطية والحداثة، المتمثل لها فعلا لا قولا وشعارا فقط…
بعيدا عن جدل التبريرات الانهزامية والمواقف العدمية التي تجتر أطروحة « احتضار « اليسار، بما هو خيار تقدمي ، ومسار مجتمعي، نهضوي مرتبط بمطالب وتطلعات الفئات الشعبية الواسعة إلى الديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية؛ فإن معضلة اليسار كامنة أساسا في أزمة اليساريين ذاتهم الذين انعزلوا عن ديناميات الحركية المجتمعية، واختزلوا الانتماء اليساري في ترديد الشعار وإصدار « الفتاوى « اليسارية، بدل النهوض الفعلي، العملي ، بمشروعه المجتمعي، بمقوماته المترابطة عضويا؛ الفكرية والجماهيرية والنضالية .
ما عاد أحد يجادل في أن اليسار بجميع خياراته وتموقعاته ، إذا ما تركنا خطابات التمجيد النابعة حكما من الحاجة المستديمة « للصنمية التنظيمية «، ليس أمامه إلا الدفاع عن الوجود في حده الأدنى. وهذا الواقع المتدني في حده الأقصى ، والذي أحد تمظهراته التحديات الانتخابية، يستوجب طرح السؤال الصادم، والذي يتم الهروب منه : إلى متى سيستمر هذا الحال الدفاعي المتدني الأقصى، أمام هول فقدان الثقة العدمي في كل المؤسسات ( حزبية ودولتية ) لدى جمهور الشارع اليوم وغدا، وأمام مجاهيله الكبرى !
ولو أن الجميع أجاب أحزابا ومناضلين، عن هذا السؤال، وبصدق مع الذات، وبلا مكابرة ولا استخفاف بالآخر، وخصوصا بلا رتابة ذهنية مطمئنة لنفسها، لا تستشعر هول ما نحن أمامه من مجاهيل، فإننا سنصل لا محالة إلى الجواب الوحيد القادر على إخراج اليسار من دوامة انحباساته، وذلك بالشروع في ترتيب مبادرة نهضوية توحيدية كبرى، غير معتادة، تقوم على أساس :
مراجعة نقدية تركيبية للتاريخ النضالي المشترك لليسار، بمكاسبه وخساراته، ومع وضع كل مواقفه المتناقضة في زمنيتها المجتمعية النسبية .
وعلى هيكلة تحافظ على تفاعل تنوع الرأي فيها، أي مع الوعي الضروري بترتيب الخلافات الراهنة بقدر أهميتها وأولوياتها مع الحاجيات الاجتماعية في الساحة الجماهيرية .
وبالتلازم مع الوعي الضروري أيضا بأن المهمة المركزية في الزمن المنظور على الأقل، ولا سواها، هي إعادة بناء قواعد اليسار الاجتماعية والجماهيرية، أولا وأخيرا .
والقاعدة الحاكمة في جميع ما سبق، أن من لا يستطيع كسب الأغلبية داخل الهيكلة الموحدة المفترضة، فهو عاجز بالأحرى على أن يكسب لأطروحته الأغلبية الشعبية .
فكثير من الصبر والتأني إذن، استخلاصا من تسرعات جرت في الماضي، ومن أجل بناء هذا المشروع النهضوي الوحدوي الكبير، الذي وحده يمكن أن يستشعر الجماهير بتغير نوعي لدى اليسار، ووحده يساعد على تنمية الثقة فيها ….من هنا نفهم دينامية المصالحة، الوحدة والانفتاح التي انخرط فيها الاتحاد الاشتراكي ….
إزاء ما ألم بمكونات الحقل الحزبي ببلادنا من وهن وتراخ في الاضطلاع بواجباتها الدستورية، وفي القيام الفعال بمهامها السياسية والنضالية، فإن بلادنا أمست في أمس الحاجة إلى إرساء قطب سياسي، حزبي، جماهيري، حداثي، تقدمي، قادر على تجسير الفجوة المتفاقمة بين الطبقة السياسية، الحزبية المنكفئة، والقوى الشعبية المتحفزة، من جهة أولى، وعلى تأمين التجاوب الفعال مع الحاجات الأساسية والترقبات المشروعة للشعب من جهة ثانية، وعلى استشراف أفق جديد، وابتكار مقاربات مستجدة، ومناهج مستحدثة للتأطير السياسي للمجتمع، وتعبئة قواه الحية، لمواصلة مسيرة التغيير والتحديث والتنمية من جهة ثالثة .


الكاتب : السلام المساوي 

  

بتاريخ : 03/01/2025