الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية بسوس تتخذ طابعا استثنائيا من حيث الطقوس المتوارثة والأطباق المقدمة والأزياء التقليدية

عرفت الاحتفالات لهذه السنة بسوس عموما،بمناسبة رأس الأمازيغية الجديدة،طابعا استثنائيا،حيث انخرطت الجمعيات المهتمة بالشأن الأمازيغي،ومعها المجالس المنتخبة والسلطات المختلفة،في تهيئة أجواء هذا الاحتفال،والإعداد له من كل الجوانب،منذ أسبوع، قبل حلول رأس السنة الأمازيغية.
وكان من مظاهر هذا الطقس الاحتفالي، استحضار،بهذه المناسبة التي أضحت بقرار ملكي،عيدا وطنيا يوم 14 يناير من كل سنة، كل الطقوس المتوارثة والأطباق الغذائية المقدمة للضيوف، وارتداء الأزياء التقليدية،وتنظيم سهرات فنية ومسابقات في الكتابة والإملاء في لغة»تيفيناغ»التي دأبت وزارة التعليم بالمغرب على تدريسها وبرمجتها في المقررات الدراسية منذ 20 سنة.
كما تخللت هذه الاحتفالات تنظيم ندوات علمية وفكرية أطرها باحثون وإعلاميون وأكاديميون متخصصون في الشأن الأمازيغي لغة وتاريخا وحضارة وتدريسا،لإبراز مدى الخطوات التي قطعها المغرب في النهوض بهذا الشأن من جهة،والتحديات والمعيقات الذاتية والموضوعية التي تقف أحيانا،حجرعثرة،دون تحقيق كل الأهداف المتوخاة.
وبهذه المناسبة التي احتفل بها المغاربة بربوع الوطن،التقطت الجريدة تصريحات وآراء عن أجواء هذه الاحتفالات وطقوسها بجهة سوس ماسة،بتيزنيت وأكَادير وإنزكَان واشتوكة أيت باها وتارودانت،أدلى بها إعلاميون وباحثون وأكاديميون متخصصون في الثقافة الأمازيغية نوردها كالآتي:

الحسن باكريم إعلامي متخصص في الثقافة الأمازيغية(أكادير)

«مع حلول كل سنة أمازيغية جديدة،يشمر أمازيغ المغرب،وحتى غير الناطقين بهذه اللغة، على سواعدهم من أجل تخليد رأس هذه السنة أوما يطلق عليه بـ”إيض ن ئناير”،الذي يصادف يوم ليلة 13ينايرمن كل سنة،ويكون اليوم الموالي،14يناير،هو فاتح السنة الأمازيغية الجديدة2975،والذي أصبح يوم عطلة رسمية بالمغرب بعد القرار الملكي السامي شهرماي 2023.
ويعتبر هذا اليوم احتفالا له طقوس وعادات وتقاليد خاصة تجمع بين إعداد وجبة»تاكلا « (العصيدة) وما يرافق ذلك من مظاهر فنية وثقافية تنم كلها عن ارتباط بالهوية وبالأرض.
وإذا كانت هذه التقاليد والطقوس لا تختلف كثيرا بين مناطق المغرب،فإن القاسم المشترك بينها يكمن في الدلالات الرمزية لمختلف السلوكات الاحتفالية.
وقد انتقلت هذه الاحتفالات من طابعها الضيق (بين الأسر والعائلات) بالبوادي والأرياف والقرى المغربية إلى التقاط رمزية الموعد من طرف هيئات المجتمع المدني ومختلف المؤسسات،لاسيما المهتمة بالثقافة الأمازيغية،فنجد الاحتفال يعم مختلف الفضاءات الخاصة والعامة،ويتخذ أشكالا جماعية في غالب الأحيان.
ويلاحظ بعد الترسيم توسع حجم الاحتفال والإقبال المتزايد على تنظيم أشكالا متعددة من اللقاءات، فنية ثقافية تراثية،عمومية وخاصة،وهو أمر مستحسن سيساهم في التملك الجماعي للأمازيغية.
أما ظاهرة الاحتفال عند المغاربة فتستمد عادات وتقاليد وطقوسا، كانت ولا يزال البعض منها مرتبطا بالمراحل الرئيسية للسنة الفلاحية المتمثلة في فصول السنة، كما هو الشأن بالنسبة لطقوس الخصوبة في فصل الربيع (احتفالات النزاهة)،وطقوس الماء والنار في فصل الصيف (احتفالات العنصرة والشعالة).
وطقوس الاستسقاء في فصل الخريف (احتفالات تاسليت ن ؤنزار وتاغنجا)،وطقوس التضامن في فصل الشتاء(احتفالات ءينّاير)؛وهي كلها مرتبطة بعلاقة الإنسان بالأرض خاصة،وبالطبيعة عامة وبالبيئة بصفة أعم».

لحسن بنواري فاعل
جمعوي وسياسي(تيزنيت)

«أولا لابد من توجيه الشكر، مرة ثانية، لجلالة الملك بتفضله بإقرار رأس السنة الأمازيغية،عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها،على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية،وبذلك تكون الاستجابة لمطالب الفاعلين المدنيين والسياسيين،ضمنها الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية بمجلس النواب، الذي قدمت باسمه، وقد وجهت المعارضة الاتحادية سنة 2021،ثلاثة أسئلة لأعضاء الحكومة المعنيين،والذين اختاروا عدم الإجابة عن موضوعها وممارسة التمويه من خلال الخلط بين اعتماد اللغة الأمازيغية في الإدارة العمومية التي يؤطرها القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
ومازالت الحكومة بمختلف قطاعاتها تتخبط في تنزيله في ظل غياب استراتيجية واضحة وإرادة حقيقية لتفعيل الفصل الخامس من دستور2011 الذي صادق عليه المغاربة والذي أقراللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد ولكل المغاربة، بأسلوبها الهروبي هذا كانت الحكومة تتهرب من مطلب تغييروتتميم المرسومين المعنيين بمطلب إقرار رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة وطنية مؤدى عنها .
ويتعلق الأمر بالمرسوم 2.77.169بتاريخ 9 ربيع الأول 1397 (28 فبراير1977) بتحديد لائحة أيام الأعياد المسموح فيها بالعطلة في الإدارات العمومية والمؤسسات العمومية والمصالح ذات الامتياز كما غير وتمم، والمرسوم رقم 2.04.426الصادر في 16من ذي القعدة 1425( 29ديسمبر  2004 بتحديد لائحة أيام الأعياد المؤداة الأجور في المقاولات الصناعية والتجارية والمهن الحرة والاستغلالات الفلاحية والغابوية .
وإذا كانت الحكومة قد مارست اختصاصاتها التنظيمية من خلال إصدار المرسومين أعلاه ، فإن مهمتها لا تنتهي عند هذا الحد بل يتعين على مختلف القطاعات الحكومية والجماعات الترابية أن تضع لها خارطة طريق لأجل توفير الظروف والأجواء المناسبة ليكون الاحتفاء بهذه المناسبة إضافة نوعية لكل أفراد المجتمع المغربي .
وهذا يقتضي من الحكومة من خلال مصالحها الخارجية أن تقوم ببلورة الصيغ الملائمة والمراعية للموروث الثقافي المحلي والمحددة للطقوس المحلية في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية،من خلال فتح أوراش تشاورية على الصعيد المحلي بمختلف مناطق المغرب.
كما على القطاعات الوزارية المعنية،تربية،شباب،اتصال،ثقافة،مغاربة العالم،فلاحة،سياحة، صناعة تقليدية…أن تضع برامج علمية،ثقافية،ترفيهية وتواصلية موجهة لمختلف فئات الشعب المغربي للاحتفال بهذه المناسبة كجزء من الرصيد المشترك لجميع المغاربة مع إصدارمذكرات للمصالح الخارجية تحثها على مراعاة خصوصيات كل منطقة.
وعن البعد الاقتصادي لهذه المناسبة فيتعين استثمار رأس السنة الأمازيغية لأجل خلق أنشطة اقتصادية  يكون الهدف منها المساهمة في تحريك عجلة النمو على مختلف الأصعدة صناعيا تجاريا وسياحيا.
وعلى المستوى الاجتماعي فمن المطلوب فسح المجال لتنظيم أنشطة اجتماعية لأجل تقوية اللحمة وترسيخ قيم التضامن بين مختلف مكونات الشعب المغربي وفق أشكال تراعي خصوصيات كل منطقة وتستحضر احترام كرامة الإنسان».

محمد بليهي
الناشط الإعلامي (تارودانت)

« حبذا لو تم تخصيص المبالغ المالية المرصودة لهذه الاحتفالات الباذخة للمناطق المتضررة من الزلزال.
فجميل جدا أن نحتفل برأس السنة الأمازيغية كحدث تاريخي مجيد يربطنا بتاريخنا المجيد، ويرسخ ارتباطنا بالأرض والهوية واللغة التي لطالما ناضلنا من أجل ترسيمها دستوريا، وهو ما تحقق بفضل نضالات أبنائها وبفضل تجاوب المؤسسة الملكية بشكل إيجابي مع هذه المطالب،بل أكثر من ذلك أنه لأول مرة يتم إقرارهذا اليوم يوم عطلة رسمية مؤدى عنها.
ولكن أن نحتفل بها بهذا الشكل الباذخ بفضل سخاء مؤسسات الدولة والجماعات الترابية في تمويلها في الوقت الذي تعيش ساكنة المناطق الجبلية،خاصة الأطلس الكبير،المتضررة من الزلزال تحت الخيام وفي ظروف مناخية قاسية جدا خاصة أننا في فصل الشتاء المتسم بالبرد القارس والثلوج، فهذا الأمرلا يستقيم مع مبادئ المؤسسات الاجتماعية ببلادنا، حبذا لو كانت الاحتفالات رمزية وتخصيص نسبة مئوية من هذه الميزانية لدعم متضرري زلزال الأطلس الكبير على شكل قوافل تضامنية تزورهذه المناطق وتحتفل مع الساكنة بعين المكان وتخصيص تيمات لهذه المناسبة.
وما يهم في ذلك الدعم المعنوي وإعادة إثارة الانتباه لهذه المناطق التي مازال عدد كبير منهم يعانون من قساوة الطبيعة ومن ظلم وإقصاء من طرف لجن الإحصاء والسلطات المحلية الموكول لها تدبيرهذا الملف».

الدكتورالحسين بويعقوبي(باحث متخصص في الثقافة الأمازيغية بجامعة ابن زهر بأكادير)

«يكتسي الاحتفال هذه السنة برأس السنة الأمازيغية 2975طابعا خاصا،لأنه يأتي بعد الاعتراف الملكي بهذا اليوم، يوم عطلة مؤدى عنه،أي أعطاه جلالة الملك صفة «عيد» لجميع المغاربة.وهذا القرارالملكي هو بمثابة استجابة لمطلب شعبي دام عقودا منذ التسعينيات من القرن الماضي.
كما أن القرار ينخرط في إطارسلسلة من القرارات الملكية المتخذة لصالح الأمازيغية منذ تولي الملك محمد السادس العرش،كان أهمها الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011.
وإذا كانت هذه الممارسة الثقافية،بتسمياتها المتعددة أهمها:»ءيناير»معروفة لدى المغاربة منذ قرون،وكانت ترتبط بالفلاحة والتغيرات المناخية،ونسجت حولها أساطيروممارسات وطقوس،تيمنا بسنة فلاحية مثمرة، فإنها اليوم،خاصة في الوسط الحضري،أصبحت تحمل حمولة أخرى مرتبطة أساسا باللغة والثقافة والهوية الأمازيغية،لأنها أدرجت من طرف الحركة الأمازيغية ضمن العناصر المشكلة للخطاب الهوياتي الأمازيغي، مما جعل الاحتفال بها اليوم إلى جانب التذكيربالارتباط بالأرض وخيراتها، ينحو منحى الاعتزاز بالثقافة الأمازيغية باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، وصلب الهوية المغربية، وهو أيضا فرصة لمناقشة وضعية الأمازيغية في المغرب، ومدى تأثرها بالقرارات المتخذة في شأنها،خاصة تفعيل طابعها الرسمي في جميع المجالات».

الدكتور خالد العيوض مدير مركز تاوسنا للدراسات والأبحاث

«إيض أناير»هو احتفال بالأرض والإنسان،في حفل كبير يحتفل به الشعب المغربي بعد أن تحقق هذا الطلب الذي طالب به ناشطون ومناضلون ثقافيون أمازيغ من أجل جعل يوم الرابع عشر يوم عطلة مؤدى عنها، وهو ما تأكد لهم منذ السنة الماضية.
وهي مطالب تتماشى مع دينامية المجتمع المغربي، والذي يدبر اختلافاته بشكل عقلاني مما يجعله بلدا كان دائما منفتحا على النقاش وعلى تدبير الاختلاف وترسيخ قيم العيش المشترك.
«إيض يناير»طقس احتفالي قديم قدم هذه الأرض، وهو يدخل ضمن احتفالات الأمازيغ والمرتبطة بالفلاحة وبحياة المزارعين، وذلك قبل أن يتحول الاحتفال إلى احتفالات كبيرة داخل القاعات العمومية والفضاءات المستقطبة للآلاف.
في الوقت الذي كان الاحتفال لا يتعدى البيوت حيث كانت الأسر تستعد لهذا الحدث بتزيين المنزل( الجير) وإخراج الأفرشة والزرابي وتهييئ أواني الشاي لجعل «تمصريت» (غرفة الضيوف) مستعدة لاستقبالهم، والمعروف أن طقوس الضيافة تقتضي توفر(تمكيلين)، وهي أواني بنفس الحجم والشكل تتضمن العسل والزيت(خصوصا زيت الأركان) والسمن التقليدي المنتج في البيت إضافة إلى أملو الذي تتفرد به هذه الربوع.
فكل هذه الأطباق هي إنتاج محلي يدخل ضمن نمط زراعي تتكامل فيه تربية الماشية وزراعة الحبوب والأشجار المثمرة خصوصا اللوز إضافة إلى تربية النحل لإنتاج العسل.
وهذا النمط الفلاحي الرعوي تعتبر فيه الأرض مركز الثروة والحياة لذلك لابد من الاحتفال بها سنويا عبر طبق شهير يسمى(أوركيمن)، وهو طبق غريب لايهيأ إلا مرة في السنة يتضمن 7أنواع من الحبوب:الذرة،الفول،الجلبان،القمح،العدس…
تنضاف إلى الحبوب السبعة قوائم الماعز أو الغنم(الكرعين) ليبدأ إعداد الطبق من الصباح على نار هادئة بطبيعة الحال مع إضافة الزيت والبهارات الأخرى التي لايحلو الطعام إلا بها، دون إضافة الملح.
هذا وبعد أن تصبح الأكلة جاهزة يتم أخذ جزء في طبق صغير ويرش في أماكن خاصة مثل أنوال وبعض الممرات اعتقادا بأن ساكني المنزل من الكائنات الأخرى تشارك الناس طعامهم دون إيذائهم(المسوس)،وبعد ذلك يضاف الملح فيقدم الطعام عشاء لكل أفراد العائلة،حسب ما جرت به العادة قديما، قبل أن يتطور اليوم هذا الاحتفال في أشكال عصرية متطورة من خلال تقديم أطباق متنوعة».


الكاتب : عبد اللطيف الكامل

  

بتاريخ : 14/01/2025