الاستعدادات لاجتياز التقييم الدولي PISA 2025 .. إجراءات حقيقية لإصلاح التعليم أم سعي لتلميع صورته دوليا؟

 

دعت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديرين الإقليميين إلى التعبئة حول البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ 2025 PISA ، الذي يشارك فيه المغرب للمرة الثالثة على التوالي، ويهدف إلى قياس أداء التلميذات والتلاميذ المغاربة ومقارنته مع معايير دولية ومع أداء تلميذات وتلاميذ باقي الدول المشاركة، وحسب ما جاء في مذكرة موجهة إلى المسؤولين المعنيين فإن هذا البرنامج يشكل فرصة للوقوف على مستوى تطور منظومتنا التعليمية والتعرف على نقاط القوة والضعف المساعدة في تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
المشاركتان السابقتان للمغرب في هذا البرنامج عرتا، بشكل جلي، واقع التعليم ببلادنا حيث تذيل التلاميذ المغاربة القائمة من بين الدول المشاركة، (في دورة2022 من أصل 81 دولة مشاركة، احتل المغرب الرتبة 71 في مجال الرياضيات، والرتبة 79 في مجال القراءة، والرتبة 76 في مجال العلوم،)، وهو ما تحاول الوزارة تفاديه هذه السنة، حيث تطمح إلى تحسين مراتب التعليم المغربي في هذه المسابقة الدولية في محاولة لتلميع صورة قاتمة لتعليم يغوص في وحل مشاكل لن تستطيع مسابقات عابرة والاستعداد لها نفيها، ونفي الواقع الذي يتخبط فيه التلاميذ المغاربة ومنظومتهم التعليمية التي تحتاج أكثر من استعدادات عابرة لتجميل صورتها دوليا.
وحسب المذكرة فإن هذه التعبئة تأتي انسجاما ومقتضيات خارطة الطريق 2026/2022 التي تسعى إلى مواصلة إرساء تقييمات منتظمة ومتنوعة للتحصيل الدراسي باعتباره من المؤشرات الأساسية الدالة على فعالية التعليم ونجاعته، والتي اتخذت رفع أداء المغرب في الدراسات التقييمية الدولية هدفا لها ! داعية إلى ضرورة ” اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الكفيلة بالرفع من مستويات ثقة وتحفيز وتأطير التلميذات والتلاميذ للمشاركة بجدية وتقديم أفضل ما لديهم لتمثيل المغرب بشكل مشرف، لا سيما وأن مشاركة المغرب في هذا الاستحقاق تشكل فرصة للتميز وتعزيز سمعة ومكانة بلدنا على المستوى الدولي.”
إن هذه التعبئة الكبيرة التي تدعو إليها الوزارة المعنية تثير التساؤل حول نجاعة مثل هذه الاستعدادات المناسباتية وما فائدتها؟ على اعتبار أن من سيستفيد منها فقط هم التلاميذ الذين سيشاركون في هذا التقييم الدولي دون غيرهم، وهل بهذه الاستعدادات ستنبعث منظومتنا التعليمية من وسط مشاكلها وإكراهاتها؟ فالإجراءات المكثفة التي بسطتها الوزارة الوصية في مذكرتها للاستعداد لهذا التقييم الدولي لن يجعل التحسن في الترتيب الدولي إلا شكليا وليس جوهريا، هذا إن افترضنا أن المغرب سيحسن مرتبته هذه السنة، إذ أن ذلك لن يكون سوى نتيجة لما تم القيام به من استعدادات شكلية لم يتم التركيز فيها على معالجة المشاكل المتفشية في منظومتنا التعليمية، وأقلها تلك المشاكل البنيوية المزمنة كالاكتظاظ في الأقسام وضعف التكوين وغياب التكافؤ بين التعليم في المدن والقرى والنقص الملاحظ في الوسائل التكنولوجيا الحديثة ومشاكل النقل خصوصا بالعلم القروي والتفاوتات الكبيرة بين التعليمين الخصوصي والعمومي والهدر المدرسي وغيرها من المشاكل والصعوبات التي لن تستطيع التعبئة لاجتياز تقييم ما محوها أو المرور عليها مرور الكرام.
الاجتماعات التي دعت إليها الوزارة مع المديرات والمديرين الإقليميين على مستوى الأكاديميات الجهوية للتربية استعدادا لهذا التقييم الدولي ستشمل إعداد خطة جهوية في هذا الشأن وإعداد مواد تواصلية للتعريف بالبرنامج وأهميته بالنسبة للمنظومة الوطنية للتربية والتكوين ولتشجيع التلميذات والتلاميذ وشحذ هممهم لتمثيل أفضل لمؤسساتهم ولبلدهم، مع تكليف المسؤول عن مجال التواصل على المستوى الجهوي للإشراف على عملية التعبئة جهويا، وتتبع خطط التواصل والتحسيس والتعبئة الإقليمية، وكذا تعيين لجان جهوية للوقوف على مختلف التدابير والإجراءات الخاصة بهذه العملية على مستوى المديريات الإقليمية، إضافة إلى توفير الموارد اللازمة لتغطية حاجات المؤسسات التعليمية من المواد والوسائل الميسرة العمليات التعبئة والتحسيس والتواصل والتحفيز، وإعداد تقرير تركيبي عن سير العملية ومجمل الخلاصات، يوجه إلى المركز الوطني للامتحانات المدرسية وتقييم التعلمات بغرض الاستثمار، إلى غيرها من الإجراءات المكثفة التي كان من الممكن صبها في إطار إصلاح جذري للمنظومة التعليمية، وتعبئة شاملة، تشمل توفير بيئة تعليمية محفزة، ومعالجة الفوارق الاجتماعية التي تؤثر على مستوى التعلم لمعالجة ما يسجل في صفوف تلاميذ الابتدائي الذين يصلون القسم السادس بصعوبات كبيرة في القراءة والحساب ووضع الحلول للنقص المسجل لدى تلاميذ الإعدادي في التعلمات الموجهة إليهم وغيرهم، وذلك لن يتأتى بالسعي إلى تحسين الوضع مؤقتا في مبادرة سيتلاشى مفعولها سريعا مع انتهاء الاستعداد والتعبئة والكشف عن نتائج هذا التقييم الدولي الذي لن يغير واقع منظومتنا التعليمية !


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 15/03/2025