الانتخابات و البيع و الشراء في الاصوات

منذ أن تولى الملك محمد السادس كرسي العرش في يوليوز 1999 ظهرت للعيان سياسة متقدمة وحضارية ، ، شملت مجالات متعددة ، منها على سبيل المثل لا الحصر المجال السياسي الذي يرمي إلى إقرار دولة الحق والقانون كخيار أساسي لا رجعة فيه ، إلا انه لا يزال يراوح مكانه؛ ثانيها المجال الاقتصادي والاجتماعي الرامي إلى جعل الاقتصاد الوطني أداة فعلية للتخلص من الفقر والهشاشة وآخرها مشروع النموذج التنموي الذي يطمح الى جعل المغرب في صفوف الدول المتقدمة ؟؟.
هناك توجه ، إذن، إلى تثبيت دولة الحق والقانون، بدأ من خلال سن جملة من التدابير وتفعيل العديد من المؤسسات الدستورية الرامية إلى التطبيق الفعلي لهذا التوجه . وفي المقابل هناك دعوة إلى الأحزاب السياسية المغربية لتأهيل النخب للمشاركة في عملية البناء الديمقراطي، وخدمة الصالح العام، لكي تكون صلة وصل قوية بين الدولة والمواطن ، في تكامل تام مع تشجيع المبادرات الميدانية لجمعيات المجتمع المدني . وقد جاء دستور 2011 ، من بعد الاحتجاجات السلمية لحركة 20 فبراير، وأكد على أهمية إعداد النخب القادرة على تسيير البلاد بعقلية النقاء و الصفاء و النزاهة ..؛ لكن الواقع هو غير ما كنا نتوقع ، فبعد مرور عشر سنوات ونيف على الدستور الجديد ما تزال الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ، فبعد انتخابات 08 شتنبر 2021 عادت النخب الفاسدة و ما أكثرها إلى تسيير الشأن العام ، بل ومنهم من تمت ادانته باختلاس و تبذير المال العام ابتدائيا و استئنافيا و ملفاتهم في غرفة المجلس الاعلى للقضاء ، و التي تنتظر ان يتم البث فيها اما بتأييد الادانة او اعادة المحاكمة .. وهذا ما سيجعل التغيير و الإصلاح في علم المؤجل ، وستعود حليمة إلى عادتها القديمة لنهب المال العام بطرق شتى … وسيبقى في أنفسنا شيء من الديموقراطية والنزاهة….
الفساد المالي بلغ مستوياته العليا في هذه الانتخابات ، فبعد ضبط الكثير من المرشحين والسماسرة يتاجرون في الكائنات الانتخابية تبين ان هذه الكائنات الهلامية تعطي أصواتها لمن يعطي أكثر ؛ فهل هذه هي النخبة التي تحدث عنها دستور 2011 ؟ هل هذه هي النخبة التي ستقود البلاد إلى بر الأمان ؟ نعم لقد بدأت الاستحقاقات بالبيع و الشراء في الذمم في انتخابات الغرف المهنية و المأجورين و المجالس الجماعية و الإقليمية و الجهوية و البرلمانية ، و انتهت بنفس النهج في مؤسسة المستشارين ، المفروض أن تصلها نخب سياسية نزيهة و متنورة .
في الحقيقة تعجز اللغة والكلمات عن وصف هذا الوضع البئيس الذي تعيشه السياسة في وطننا العزيز فالمغرب مرة أخرى يسقط رهينة في يد المفسدين ؛ فالانتخابات ان كان ظاهرها ديموقراطيا تغنّى به الكثير ، فان باطنها كان فاسدا بامتياز بالبيع و الشراء و قد أصبحت موعدا لاغتناء السماسرة بدل ان تكون محطة بعث الأمل في نفوس المغاربة ، و ما زاد الطين بلة ان جيلا من المنتخبين والمنتخبات الشباب دخلوا على خط الفساد للحفاظ على كراسي الفساد والريع السياسي الذي يورّث الأبناء و الأحفاد ، لتبقى دار لقمان على حالها ، دون أي أثر أو وقع على المعيش اليومي للمغاربة المستضعفين و المهمشين …. فسماسرة بيع وشراء الاصوات الانتخابية ، بالمال الحرام ، يستغلون الظروف الاقتصادية التي تواجه الأسر الفقيرة وتشجيعهم وإغرائهم على بيع أصواتهم ، و بعض الاحزاب السياسية التي تدعي الديموقراطية و النزاهة … توفر للسماسرة السيولة النقدية بالملايين لحشد الأصوات …
ان شراء الأصوات في الانتخابات منكر خطير وشر كبير، يدمر الذمم والمجتمعات، ويجلب الفساد للبلاد فضلا عن جلب سخط رب العباد … وأن من يبيع صوته مستعد لبيع كل شيء لكون بيع الضمير من صفات الخونة و المنافقين .. و من يشتري الأصوات ليصل الى المسؤولية ليس له أي ضمير و لا يقدر المسؤولية و لا يهمه خدمة الصالح العام ….
ان هذه السلوكيات تعتبر خيانة وفسادا وترسخ قيم الغش والتضليل والتزوير بين أفراد المجتمع ، و من الناحية الشرعية تعتبر رشوة والرشوة تعتبر جريمة قانونا و شرعا ؛ فالراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما ملعونون مطرودون من رحمة الله كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، وان الذي يأخذ المال مقابل صوته و أصوات اهله كمن يأخذ قطعة من نار و يعتبر خائنا للأمانة ، و بائعا لمروءته ، و شاهد زور، لأنه يساهم في وصول مرشحين فاسدين إلى مناصب المسؤولية مما سيترتب على ذلك فساد كبير وخيانة للضمير والوطن و يحمل آثارا سيئة وخطيرة على البلاد والعباد .
نحن أمام ورم سرطاني اسمه بيع الذمم والأصوات في الانتخابات لمن لا يستحقها ، ولمن ليسوا اهلا لها ، لانهم لو كانوا أهلا لذلك لما استخدموا المال الحرام ، واعتمدوا على انجازاتهم ومواقفهم الاجتماعية والوطنية التي تخدم الوطن و المواطنين … هذا ما جعل و يجعل المواطنين يقرون بعدم جدوى الانتخابات التي تفرض الأشخاص المفسدين الذين ساهموا في انهيار الأخلاق و القيم التي تنبني عليها المجتمعات الديموقراطية ..
فواجب المؤسسات المنتخبة أن تتلتزم بالأخلاق الحميدة وأن تخدم المواطنين بالإخلاص الجدير بالشأن العام والمصلحة العليا على النحو الذي يقتضيه الاختيار الديمقراطي في دولة الحق والقانون ، وهذا يحتاج الى المخلصين و الشرفاء من المواطنين الحريصين على القيم العالية للمجتمع . ليكونوا على قدر من المسوؤلية التي يستحقها المغرب وشعب المغرب ….
نعم ، انها قضية تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لمواجهتها بكل جرأة وحزم وصرامة ، وغياب هذه الإرادة هو الذي سيجعل هذه الوجوه المتورطة في الفساد و اختلاس المال العام تعود إلى تدبير الشأن العام أمام مرأى ومسمع الجميع كل ما حل موسم الانتخابات …


بتاريخ : 12/11/2021