رفعه يجب أن يكون تدريجيا وأن يتحمل المواطن مسؤوليته في هذه المرحلة
على بعد أيام قليلة من نهاية الشوط الثاني من الحجر الصحي، تُطرح العديد من علامات الاستفهام بخصوص مستقبل المرحلة المقبلة في ظل الجائحة الوبائية التي تمر منها بلادنا، التي ترخي بتبعاتها المتعددة على الأفراد والمجتمع، صحيا واجتماعيا واقتصاديا، وتؤدي إلى تناسل المخاوف التي تخشى
من إمكانية التعرض لموجهة ثانية من الوباء أشد ضراوة، في الوقت الذي لم يتم فيه الإعلان عن سيناريوهات كافية وشافية، ولم يتم فيه تطويق البؤر وتحقيق المؤشرات الضرورية لرفع الحجر الصحي.
وضعية مقلقة، ترخي بظلالها على يوميات المواطنين، في ظل الجو المشحون الذي يعيشه البعض،
تقيّدا بإجراءات الوقاية خوفا من انتقال العدوى، مما جعل العديد من المنازل تعيش حالة استثنائية بكل ما للكلمة من معنى، وهو ما دفعنا إلى نقل الأسئلة المرتبطة بهذه الوضعية وبهواجس رفع الحجر الصحي وطرحها على البروفسور جعفر هيكل، الاختصاصي في الأمراض المعدية والطب الوقائي، الذي أجرت معه
«الاتحاد الاشتراكي» الحوار التالي:
ونحن نتجه نحو انتهاء المرحلة الثانية من الحجر الصحي، ما هي الاحتياطات التي يجب الحرص على اتخاذها؟
pp رفع الحجر الصحي سيكون مرتبطا بمجموعة من الإجراءات، والسلطات ستعتمد في ذلك بالأساس على معيار معامل انتشار الفيروس وانتقال العدوى المعروف بـ R0، لكن ما يهم هو أن التدابير الوقائية يجب أن تستمر، والمتمثلة في وضع الكمامات، غسل الأيدي، الابتعاد عن التجمعات، تفادي العناق وتبادل القبل.
من الضروري جدا أن يفهم المواطن أن رفع الحجر الصحي لا يعني الخروج بكل حرية وطلاقة، والقيام بكل ما يرغب فيه بكل تلقائية، ولقاء الأهل والأصدقاء، وتبادل المصافحة والسلام بكل تفاصيله، لأننا مازلنا في مرحلة تعرف حضور الوباء وتطوره، رغم أن الحالات الصعبة تقلصت ولم تعد تلج مصالح الإنعاش، لكن الحالات الجديدة لا تزال تسجل، والبؤر كذلك تظهر بين الفينة والأخرى، لهذا يجب على المواطن أن يعي دوره في هذه المرحلة الدقيقة وأن يساعد الدولة في رفع الحجر الصحي الذي سيكون بدون شك تدريجيا، لكي نتمكن من تفادي حضور الوباء مدة أطول.
الكثير من المواطنين يقومون بتعقيم الخضراوات والفواكه والأسطح بماء جافيل بكثرة خوفا من العدوى، هل يشكل ذلك أية خطورة؟
إن تدابير النظافة المتعلقة بالتعقيم والتطهير هي ضرورية، كما كنا نقوم بذلك دوما، من خلال غسل الفواكه والخضر باستعمال ملعقة من ماء جافيل داخل آنية خاصة، وبعدها يتم غسلها بالماء جيدا، وهي نفس العملية التي يجب أن تشمل المعدات المستعملة في المطبخ والمساحة التي يتم الاشتغال عليها.
هذه التدابير يجب احترامها والتقيد بها، وعلى رأسها غسل الأيدي جيدا بالماء والصابون، ويكفي استعمال ملعقة واحدة من ماء جافيل في نصف لتر من الماء، دون الحاجة إلى الإكثار من هذه المادة المطهّرة لأنها يمكن أن تتحول إلى مصدر للضرر.
ما هي النصائح التي يمكنكم توجيهها من أجل تعقيم آمن بدون مضاعفات؟
pp التعقيم عنده ضوابطه وإجراءاته، لكن المهم بالنسبة للمواطن العادي هو أن تكون الأيدي نقية دائما، لأن الخطورة تكمن في حمل الفيروس في اليد، الذي ينتقل عبر العينين أو الأنف أو الفم، وإذا لم تتم ملامسة الوجه أو كانت الأيدي نظيفة والمواد المستعملة في المنزل كذلك هي نظيفة، شأنها في ذلك شأن مقابض الأبواب وغيرها من الأسطح المختلفة، ومكان الأكل أيضا، فلن يكون هناك أي مشكل.
كما يجب التذكير أنه عند مغادرة الشخص للمنزل يجب عليه وضع الكمامة، وحين عودته يتعين عليه غسل يديه ووجهه بالماء والصابون، لأنه إذا ما تم التقيد بهذه الإجراءات فلن يسجل أي مشكل. هذه الخطوات تسمح بأن يكون الإنسان في علاقة مع أفراد أسرته داخل المنزل بكل أمان، لكن هذا لا يلغي الانتباه واتخاذ الإجراءات الاحترازية ومن بينها المسافة الصحية.
هل أفصح الفيروس عن كل أسراره أم أن الغموض هو من خصائصه؟
pp الفيروس وبكل أسف لم يقل كلمته النهائية، فنحن نكتشف كل يوم أمرا جديدا بشأنه، سواء تعلّق الأمر بأعراضه أو كيفية تطوره في الجسم أو مضاعفاته، وصرنا نعرف بأن الأمر لا يتعلق بفيروس عادي تعفّني، لأن لديه مضاعفات التهابية أخرى متعددة ومهمة على مختلف أعضاء الجسم، سواء تعلق الأمر بالجهاز التنفسي أو القلب والشرايين وغيرها.
فيروس ليس معديا فقط، بل له وقع مهم على الصحة نكتشفه يوما عن يوم، لأننا نتحدث عن مرض تعرفنا عليه منذ حوالي 3 أشهر، وبالتالي نحاول فهم تفاصيله، وحاولنا من خلال البروتوكول العلاجي المتبع وطنيا المساهمة في علاج المرضى، والحمد لله حققنا نتائج جدّ مهمة في هذا الإطار.
الأساسي اليوم، أنه يجب وقف تطور الفيروس وانتشار عدواه، والحجر الصحي واستعمال الكمامات الواقية وباقي التدابير الحاجزية، هي خطوات أساسية يمكن أن تساهم في رفع الحجر الصحي بطريقة مبكرة إذا تطورت الدينامية الوبائية بالشكل الذي نرجوه.
ما هي الخلاصات التي يمكن استخلاصها من هذه الجائحة الوبائية؟
pp يجب علينا بعد مرحلة كوفيد 19 أن نعيد ترتيب الأوراق، والاستفادة ممّا حقه المغرب في تدبير ومواجهة الجائحة، لأنه قدم درسا أساسيا ونوعيا، من أجل تفادي أمراض خطيرة مختلفة، باعتماد الوقاية الأولية وتحسين نمط العيش.
إن هذه الجائحة جعلتنا نقف على أدوار ومهام مهنيي الصحة ككل المهمة والحيوية، من أطباء وممرضين في كل القطاعات، الذين قاموا بعمل جبار، معرضين أنفسهم للخطر، بعزيمة قوية من أجل الاهتمام بالمرضى، ويجب التأكيد على أن هؤلاء المهنيين المغاربة بالإمكانيات المتوفرة في بلادنا، تكلفوا بمتابعة الوضع الصحي لإخوانهم وكذا للأجانب.
لقد استطعنا بفضل التوجيهات الملكية السامية، وتعبئة الحكومة وكل المتدخلين في مجمل القطاعات، مواجهة الفيروس بشكل مبكر، منذ قرار إغلاق الحدود وتطبيق حالة الطوارئ الصحية، مع تسجيل أولى الحالات، وتفعيل بروتوكول علاجي منذ البداية كذلك، وتضامن النسيج الاقتصادي والاجتماعي لدعم ومساندة الفئات الهشة والمتضررين من التبعات الصحية والاجتماعية لهذه الجائحة. هذه التدابير برمتها كان لها وقعها وأثرها، وجعلت المغرب يتوفر على استراتيجية ناجعة، صحيح أن هناك أشياء نريدها أن تتطور وأن تكون أكثر إيجابية، لكن هذا سيأتي تدريجيا، لهذا يجب الاعتزاز بأن المغرب قدم مثالا متميزا في كيفية مواجهة الأزمات وتدبيرها.