البروفسور محمد مهاوي، المسؤول عن مصلحة استقبال المستعجلات بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد  

 

تم الانتقال من 15 إصابة كمعدل أسبوعي للحالات الخطيرة بكوفيد 19

إلى حالة أو حالتين في اليوم

تعتبر مستعجلات مستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء بمثابة خلية نحل نشيطة، فالحركة لا تنقطع في هذه المصلحة، وسيارات الإسعاف الخاصة والعامة، تتوافد عليها ليل نهار، من أجل إنقاذ حياة مريض يوجد في وضعية خطيرة، بسبب طارئ صحي أو حادث عرضي، أو بفعل الإصابة بفيروس كوفيد 19 الذي لم تتوقف عدواه وإن تراجع منسوب الإصابات، أو نتيجة لمخلّفات المرض الذي يؤدي إلى صعوبة في التنفس، مما جعل عددا من الأجساد لا تسترد عافيتها لغاية اليوم.
مستعجلات يجد فيها الطاقم الصحي بمختلف فئاته نفسه أمام تحديات متعددة في كل لحظة وحين، زادت حدتها مع الجائحة الوبائية، التي فرضت انخراطا تاما متواصلا لإنقاذ أرواح المصابين بالفيروس، والتعامل مع الحالات المرضية الأخرى التي لم يتوقف تدفقها على المصلحة التي رفعت شعار التحدي وأصرت على النجاح في امتحانه.
في هذا الحوار، تقدم «الاتحاد الاشتراكي» صورة مقربة عن وضع مصلحة المستعجلات اليوم، عن طبيعة الحالات التي تستقبلها، سواء تلك المصابة بعدوى كوفيد 19 أو التي تعرضت لحوادث صحية مختلفة، عن التحديات والإكراهات ووضع المصلحة الجديدة التي ينتظرها الجميع، وطرحت عددا من الأسئلة على البروفسور محمد مهاوي، وهو طبيب اختصاصي في التخدير والإنعاش، أستاذ التعليم العالي بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء والمسؤول عن مصلحة استقبال المستعجلات بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، التي جاء جوابها على الشكل التالي:

– كيف تعيش اليوم مستعجلات ابن رشد المواجهة مع فيروس كوفيد 19؟

– الأكيد أن كوفيد 19 لا يزال حاضرا بيننا إلى غاية اليوم فهو لم ينقرض، ويواصل تنقله وإصابة المواطنين بعدواه، بسبب حالة التراخي التي تطبع سلوكات بعض المواطنين، وإن كان عدد المرضى الذين يوجدون في وضعية صحية صعبة بسبب الإصابة بالفيروس الذين يتوافدون على مصلحة استقبال المستعجلات بمستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء يعرف تراجعا مقارنة مع ما كان يتم تسجيله من معدلات في السابق.
تعلمون أننا كنا نستقبل خلال أشهر غشت وأكتوبر ونونبر معدلا يوميا للإصابات الخطيرة يقدر بـ 15 حالة، لكن خلال الأسابيع الثمانية الأخيرة، أصبحنا نستقبل حالة إلى حالتين كمعدل يومي، لهذا يجب الحرص على التقيد بالتدابير الوقائية وتطبيق الإجراءات الوقائية الضرورية المتمثلة في الوضع السليم للكمامة والتباعد الجسدي وغسل الأيادي وتعقيمها، لأن الموجة الثالثة التي أصابت عددا من الدول يمكن أن نعيشها نحن أيضا، وهو ما لا نتمناه، ولتفادي ذلك يجب تحمل المسؤولية الفردية الكاملة من أجل الحماية الجماعية.

– ما هي خصائص الحالات المسجلة مؤخرا، وهل تم اكتشاف أية إصابة بالسلالة المتحورة في صفوفها؟

-إن الحالات التي أصبحت ترد على مستعجلات مستشفى ابن رشد هي تخص أشخاصا غير متقدمين في السن بشكل كبير، خلافا لما كان يتم تسجيله منذ بداية الجائحة الوبائية، وهو ما قد يجد تفسيره في حملة التلقيح التي تقوم بها بلادنا ضد فيروس كوفيد 19، ويعكس نجاحها وتحقيق كبار السن الملقحين للمناعة، على اعتبار أن الحالات الواردة هي لأشخاص شباب ما فوق العشرينات أو الثلاثينات أو الأربعينات، وأصحابها يصلون إلى المستشفى وهم في وضعية صعبة.
هذه الصعوبة في ظل غياب مرض مزمن إلى جانب عامل السن، تدفعنا للتدقيق والبحث أكثر، إلا أن كل الاختبارات والأبحاث التي تم القيام بها إلى غاية اليوم، تؤكد عدم تسجيل أية حالة إصابة بأي من السلالات المتحورة.

– ألا يتوافد على مصلحة المستعجلات أشخاص سبق أن أصيبوا بكوفيد 19 وتعافوا منه، وما هي دوافع توجههم صوب المستشفى؟

– إن الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كوفيد 19 خلال الجائحة الوبائية التي عرفتها بلادنا ومعها العالم بأسره، منهم من تعافوا بشكل كلي، والذين تطلب عودتهم إلى الحياة الطبيعية وقتا معينا، في حين أن هناك فئة ثالثة لا تزال تعاني من تبعات صحية بسبب الإصابة بالعدوى.
وبالفعل، فإن عددا منهم يتوافدون على مصلحة المستعجلات بسبب صعوبات في التنفس، حيث يتم التكفل بهم، ثم تتم إحالتهم لاحقا على مصلحة الأمراض الصدرية والتنفسية لمواصلة العلاج.

– كم يبلغ المعدل اليومي لهذه الحالات ومنذ متى بدأتم تتعاملون معها؟

– تستقبل مصلحة مستعجلات مستشفى ابن رشد الأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد 19 في وقت سابق، والذين لا يزالون يعانون من تبعاته التي تتمثل في صعوبة التنفس بمعدل حالتين في اليوم. هذه الحالات بخصوصيتها تلك لاحظنا أنها تتوافد على المصلحة منذ حوالي 3 أشهر تقريبا.

– ماذا عن الحالات المستعجلة الأخرى التي ترد على المصلحة هل عرفت أي تغيير؟

– لم يسجل أي تغيير في العمل اليومي المتواصل، ليلا ونهارا، الذي تقوم به مصلحة المستعجلات، التي تستقبل الحالات الصعبة والحرجة لمصابين بفيروس كوفيد 19، إلى جانب الحالات المرضية الأخرى المختلفة، حيث يبذل جميع مهنيي الصحة بمختلف فئاتهم جهودا كبرى للإجابة عن كل الاحتياجات الصحية المطلوبة.
وتجب الإشارة في هذا الصدد إلى أن من بين 500 حالة ترد على مصلحة المستعجلات كل يوم، فإن 5 في المئة منها تكون في وضعية خطيرة وتحتاج إلى ولوج مصلحة الإنعاش والعناية المركزة، مهما كانت الدوافع التي أتت بها إلى المستشفى.

– خلال زمن الجائحة، كانت هناك مرحلتان أساسيتان الأولى عرفت تطبيق الحجر الصحي والثانية استمرار حالة الطوارئ الصحية مع منع التنقل انطلاقا من توقيت معين ليلا، في ظل هذا الوضع هل عرفت معدلات حوادث السير أي تغيير؟

– بالفعل، وهذه ملاحظة وجيهة جدا، فقد تراجعت الحالات التي ترد على المصلحة بسبب حوادث السير الخطيرة، التي تتسبب في إصابات بليغة وحرجة للمصابين فيها، إذ كنا سابقا نسجل حوالي 20 حالة خطيرة في الأسبوع الواحد، لكن أصبحنا في ظل الوضع الوبائي الحالي وما ترتب عنه من تدابير إدارية احترازية، نسجل ما بين 8 و 10 حالات خطيرة في الأسبوع الناجمة عن حوادث للسير.
هذا الرقم الذي تراجع إلى النصف، وكان من الممكن جدا أن يتقلّص أكثر، لو كان هناك احترام كامل لحالة الطوارئ الصحية، التي يحاول البعض التحايل عليها، بشكل أو بآخر.

-أشرتم إلى أن هناك ضغطا مكثفا على مصلحة المستعجلات، هل يعني ذلك عدم وجود تنسيق مع المراكز الاستشفائية الأخرى لإحالة الحالات الضرورية على ابن رشد؟

– إن أي مواطن يعاني من عارض صحي مستعجل، عليه أن يتوجه إلى أقرب مركز صحي من مقر سكناه، الذي يحيله على المستشفى الإقليمي أو الجهوي، وإذا كانت الحالة مستعصية وتتطلب تكفلا من المستوى الثالث يتم توجيهه إلى مستشفى ابن رشد بعد تنسيق بين مصالح المؤسستين الاستشفائيتين معا.
هذه هي الكيفية التي يجب أن تتم بها العملية نظريا، لكن للأسف أغلب المواطنين لا يستوعبون هذه التراتبية ويتوجهون مباشرة إلى مستعجلات ابن رشد، مما يرفع من منسوب الضغط على المصلحة ويؤدي إلى الاكتظاظ، ليس فقط بالحالات المستعجلة والخطيرة التي تحتاج إلى أولوية في التعامل والتدخل، وإنما حتى بالحالات البسيطة التي لا تشكل خطرا، والتي مع ذلك يصر ويفضل أصحابها الانتقال إلى هذه المصلحة علما بأنها ليست مركزا للتشخيص أو لعلاج الأمراض المزمنة.
هذا الوضع تترتب عنه مشاق وصعوبات كبيرة، تبذل الأطر الصحية بمختلف فئاتها جهودا كبيرة للتعامل معها، لكن للأسف هذا العمل الشاق قد لا تبدو ملامحه ولا يراه الكثير من الناس.

– أمام هذا الوضع، ونتيجة للضغط ومن أجل فحص وعلاج الحالات المستعجلة، هل يتم رفض الحالات الأخرى؟

– إن أية حالة مستعجلة وصلت إلى مصلحة المستعجلات، إن بشكل فردي وطوعي، أو بعد إحالة من مستشفى آخر بناء على تنسيق بين الجانبين يتم التكفل بها، ويتم بذل كل الجهود لتوفير سرير للإنعاش أو العناية المركزة لمن هم في حاجة إليها.
بالنسبة للحالات الأخرى غير المستعجلة، لا سيما تلك التي تتوفر مصلحة خاصة بها في المستشفى القريب من محل سكن المريض، ويمكن متابعته وعلاجه هناك، فيتم التنسيق مع مصالح المستشفى المذكور للتكفل به، وفي حال العكس يتم التعامل مع الحالة في المصلحة.
لقد عرف تدبير أزمة كورونا تنسيقا تاما بين المؤسسات الصحية المختلفة للتكفل بالحالات المرضية خاصة المستعجلة، وهو ما نتمنى أن يستمر ويتواصل في مختلف المناحي الصحية بما يخدم صحة المواطن ويضمن نجاعة الأداء لمختلف المرافق الاستشفائية.

-ما هي الإكراهات التي تعترض المصلحة وتترتب عنها صعوبات في تأدية الواجب المهني؟

– إكراه واحد ووحيد والمتمثل في العدد المرتفع للمرضى، الأمر الذي يخلق صعوبات متعددة، خاصة حين لا يتفهم البعض استعجالية حالة دونا عن أخرى، ويعتقدون بأن وضعهم أكثر استعجالا من غيرهم، فيترتب عن ذلك عدم تفهم واستيعاب للأمر مما قد لا يروق للبعض.
لقد كانت الإكراهات سابقا تتمثل في التجهيزات والأدوية وغيرها، لكن هذا الأمر أصبح متجاوزا اليوم ولم يعد يشكل عائقا، لهذا نتمنى أن يتفهم الجميع خصوصية مصلحة المستعجلات حتى يمكن لنا التكفل بالحالات المستعجلة في ظروف جيدة.

– أين وصلت مصلحة المستعجلات الجديدة وما هي الإضافات التي ستشهدها؟

– إن العمل بمصلحة المستعجلات الجديدة يتواصل بها على قدم وساق، وستكون جاهزة في القريب العاجل جدا، وهي ستكون من مستوى عالمي كبير وستشكل مفخرة لبلدنا المغرب، بظروف استقبال وفحص وتدخل أفضل.
مصلحة ستتوفر على كل التجهيزات والإمكانيات المتطورة لخدمة صحة المواطن وإنقاذ من يمكن إنقاذهم، وأبرز إضافة تتمثل في توفر مركب جراحي في قلبها، وبالتالي إمكانية التدخل الجراحي المستعجل بالنسبة للحالات الحرجة والخطيرة. ويبقى الأساسي هو تعامل المواطنين مع هذا المرفق الذي سيكون رهن إشارتهم ولخدمتهم، والذي يجب أن تتوافد عليه الحالات المستعجلة فعلا بعيدا عن كل أشكال الفضول وغيره.

– ما هي الأهداف التي تضعونها نصب أعينكم؟

– إن مستعجلات ومستشفى ابن رشد والمركز الجامعي عموما، يتوفر على كفاءات وطنية مقتدرة، راكمت خبرات طويلة في مختلف المجالات الصحية، واستمرار هذه الكفاءات في الاشتغال غايته خدمة المواطنين المغاربة، والهدف منه أن يكون المستشفى العمومي رهن إشارة المريض الذي ليست له إمكانيات لكي يعالج خارجه، وذلك في مثل ظروف من له القدرة المادية على ذلك.
نحن نهدف إلى مصالحة فعلية مع المواطن المغربي ونسعى لكي تتغير تلك النظرة السوداوية عن المستشفى العمومي، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بتظافر جهود الجميع ومن خلال تحليهم بقيم المواطنة، كل من موقعه، وأن تكون لنا غيرة على الوطن وعلى المواطنين وعلى المؤسسات العمومية التي يجب علينا أن نحافظ عليها وأن نرتقي بها، لا أن يطالها التخريب أو الإساءة.

– ونحن نستعد لاستقبال شهر رمضان الأبرك، ما هي النصيحة التي توجهونها للقراء ارتباطا بالجائحة الوبائية؟

– أولا، أتمنى أن يحلّ شهر رمضان الأبرك والمغاربة قاطبة ينعمون بالخير والهناء، وأن يتقبل منا الباري سبحانه وتعالى خير الأعمال، وأن يرفع عنا هذا الوباء، وأوصي الجميع بالاحترام المسؤول والجاد للتدابير الوقائية، والتركيز على الوضع السليم للكمامة والتباعد الجسدي وغسل وتعقيم الأيادي، فإذا كنا لم نعد نلحظ إصابات في صفوف الأشخاص المسنين بفضل التلقيح، فإنه يجب توفير كل الشروط لكي تكتمل هذه العلمية بشكل آمن وسليم، وأن يتم


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 29/03/2021