التاريخ الديني للجنوب المغربي سبيل لكتابة التاريخ المغربي من أسفل 18- الشيخ الأمي يسلب المريد العالم 1/3

تسعى هذه المقالات التاريخية إلى تقريب القارئ من بعض قضايا التاريخ الجهوي لسوس التي ظلت مهمشة في تاريخنا الشمولي، وهي مواضيع لم تلفت عناية الباحثين فقفزوا عليها إما لندرة الوثائق أو لحساسياتها أو لصعوبة الخوض فيها. ومن جهة أخرى فإن اختيارنا لموضوع التاريخ الديني للجنوب المغربي راجع بالأساس إلى أهميته في إعادة كتابة تاريخ المغرب من أسفل وهو مطلب من مطالب التاريخ الجديد الذي قطع أشواطا كبيرة في فرنسا.

 

“من لا شيخ له فالشيطان شيخه، ومن لم يمت تحت بيعة شيخ مات في الترهات و الظلال، وكل سالك للطريق محتاج إلى دليل مرشد عارف ناصح” (الشاذلي عبد اللطيف، التصوف والمجتمع: نماذج من القرن العاشر الهجري ،منشورات جامعة الحسن الثاني، سلسلة أطروحات ورسائل 4 ص، 136.). هذه هي القولة التي تحاول أن تجيب أسرة “الحاج علي” وخصوصا أمه “تكدا” التي بكت الليالي وتوجعت وتألمت وجددت دعواتها للشيخ المعدري الذي سلبها فلذة كبدها، والتي ظنت أنه ضاع منها بدون رجعة. إنها قولة لها أكثر من دلالة فهي التي تجيب عن السؤال الذي حير قبيلة الشيخ “الحاج علي الدرقاوي”، والذي مفاده كيف لتلميذ نجيب ومجتهد ومدرك بالعلم الظاهري ومتفوق على أقرانه أن يسلبه شيخ عرف بأميته؟ فإذا كانت إرادة الإلغي بالفعل هي أن يكون في مقام عال بمعرفة الله، فهذا لن يتأتى له إلا بالارتماء في حضن شيخ من مشاهير وكبار رجالات التصوف يأخذ بيده وينير له الطريق، وهذا المقام لا نجده إلا مع “سعيد بن همو المعدري” الذي ذاع صيته خلال هذه الفترة. فتاريخ التصوف يشمل عدة حالات انقطع فيها المريد إلى شيخه وارتبط به كارتباط الرضيع بأمه، ولم يتحرر منه إلا بعد إذنه وإجازته والترخيص له، بل أننا نجد أنفسنا في حالة استثنائية مع الشيخ “علي الإلغي” الذي لم يتحرر من شيخه إلا بإذنه وإذن الرسول صلى لله عليه وسلم وأخيرا بإذن ربه. أما  الشيخ علي الإلغي فكان له اعتقاد كبير في شيخه، فهو المربي وهو الأصل وهو الهادي إلى طريق الخير، وهو المستشار الأعلى في الأمور كلها حقيرة كانت أم جليلة، والتاريخ الطرقي يسجل أن أول ما يقبل عليه المريدين على التماس الإذن من شيخهم هو الطريقة ذاتها، فالانضمام إلى طريقة ما تستدعي من المريد الالتفات نحو شيخ يمده بوردها وسرها الجلي، وتوضح المراسلة أسفله كيف أن الشيخ “علي بن أحمد الإلغي” أذن لـ “عبد لله بن القاضي الإيديكلي التملي” في أوراد الطريقة الدرقاوية، وقد فصل الشيخ أنواعها وعددها وأوقاتها، فقال : “من لا شيخ له فالشيطان شيخه، ومن لم يمت تحت بيعة شيخ مات في الترهات و الظلال، وكل سالك للطريق محتاج إلى دليل مرشد عارف ناصح” (الشاذلي عبد اللطيف، التصوف والمجتمع: نماذج من القرن العاشر الهجري ،منشورات جامعة الحسن الثاني، سلسلة أطروحات ورسائل 4 ص، 136.). هذه هي القولة التي تحاول أن تجيب أسرة “الحاج علي” وخصوصا أمه “تكدا” التي بكت الليالي وتوجعت وتألمت وجددت دعواتها للشيخ المعدري الذي سلبها فلذة كبدها، والتي ظنت أنه ضاع منها بدون رجعة. إنها قولة لها أكثر من دلالة فهي التي تجيب عن السؤال الذي حير قبيلة الشيخ “الحاج علي الدرقاوي”، والذي مفاده كيف لتلميذ نجيب ومجتهد ومدرك بالعلم الظاهري ومتفوق على أقرانه أن يسلبه شيخ عرف بأميته؟ فإذا كانت إرادة الإلغي بالفعل هي أن يكون في مقام عال بمعرفة الله، فهذا لن يتأتى له إلا بالارتماء في حضن شيخ من مشاهير وكبار رجالات التصوف يأخذ بيده وينير له الطريق، وهذا المقام لا نجده إلا مع “سعيد بن همو المعدري” الذي ذاع صيته خلال هذه الفترة. فتاريخ التصوف يشمل عدة حالات انقطع فيها المريد إلى شيخه وارتبط به كارتباط الرضيع بأمه، ولم يتحرر منه إلا بعد إذنه وإجازته والترخيص له، بل أننا نجد أنفسنا في حالة استثنائية مع الشيخ “علي الإلغي” الذي لم يتحرر من شيخه إلا بإذنه وإذن الرسول صلى لله عليه وسلم وأخيرا بإذن ربه. أما  الشيخ علي الإلغي فكان له اعتقاد كبير في شيخه، فهو المربي وهو الأصل وهو الهادي إلى طريق الخير، وهو المستشار الأعلى في الأمور كلها حقيرة كانت أم جليلة، والتاريخ الطرقي يسجل أن أول ما يقبل عليه المريدين على التماس الإذن من شيخهم هو الطريقة ذاتها، فالانضمام إلى طريقة ما تستدعي من المريد الالتفات نحو شيخ يمده بوردها وسرها الجلي، وتوضح المراسلة أسفله كيف أن الشيخ “علي بن أحمد الإلغي” أذن لـ “عبد لله بن القاضي الإيديكلي التملي” في أوراد الطريقة الدرقاوية، وقد فصل الشيخ أنواعها وعددها وأوقاتها، فقال :”…وقد أخبرني سيدي إسماعيل بكمال محبتك في جانب لله، وأهل لله، وأنك ترغب في دخول الطريقة الصوفية، التي قال فيها شيخ شيوخنا أبو الحسن الشاذلي: من لم يتغلغل في علمنا هذا ومات، مات مصرا على الكبائر وهو لا يشعر، صدق ورب الكعبة، ولذلك أذنا لك  في خدمة أعوذ بالله… والبسملة والحوقلة في الابتداء ثلاث مرات، ثم مائة من الاستغفار، ثم مائة من اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، ثم مائة من لا إله إلا لله وحده لا شريك له، له الملك وهو على كل شيء قدير، صباحا و مساءا فهذا الغذاء والعشاء للروح، ولا تقصره على وقت واحد، والسر في الأتباع، ولتنور به معرفة الله عز وجل، واذكر اسم لله العظيم الأعظم، وهو الله بتشخيص حروفه في قلبك قياما وقعودا وعلى كل حال، بلا وقت ولا عدد، فالسر الكبير يحصل إن شاء لله. وأخلص العمل لله، ولا تنو به أن يحصل لك سر أو شيء، بل أذكر لله كما خلقك لذلك.” (علي الدرقاوي،النور المبغي،ص،71)كما يقدم الشيخ لمريده النصح والتوجيه بالطريقة المثلى التي يمكن أن تجعله في يوم من الأيام مريدا قادرا على أمور المشيخة، فالنصح والتوجيه كانا مبادرة من الشيوخ في الوقت الذي تقل فيه استشارة المريدين لشيوخهم في أمور تتعلق بالتصوف أو العلم الظاهر، لهذا يبادر الشيوخ المتصوفة في توجيه وتقويم اعوجاج سلوك مريديهم بشكل يجعل العلاقة بينهما، علاقة التابع بالمتبوع. وهناك رسائل كثيرة موجهة من شيوخ إلى مريديهم، مغزاها يوضح مدى توجيههم لهم والأخذ بأيديهم. يقول علي بن أحمد الإلغي مخاطبا مريده “إبراهيم بن صالح التازروالتي” :”…عمروا أوقاتكم بذكر لله مادمت في قيد الحياة، فإن هذه الحياة لا قيمة لها ولا عوض إن صرفت في ذكر الله فرضا أو نفلا، والرواتب لا تتركها في كل فريضة إن شاء لله، وصلاة الضحى والتي بين العشاءين، وما استطعت عليه من التهجد في الليل وأحرى أوقات الأسحار…” (نفسه، ص22).

 


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 15/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *