التحديات الهيكلية للاقتصاد المغربي: مديونية مرتفعة وضعف استثمارات القطاع الخاص

محدودية القدرة الادخارية لدى غالبية الأسر والمقاولات تجد صعوبات في الحصول على التمويل

 

 

كشفت المذكرة التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط أمس حول الحسابات الوطنية، أنه على الرغم من التحسن الملحوظ الذي شهده الاقتصاد المغربي في بعض المؤشرات خلال سنة 2023، لا تزال هناك تحديات بارزة تعكس نقاط الضعف الهيكلية التي تحتاج إلى معالجة عاجلة. المديونية المتزايدة، الحاجة التمويلية لبعض القطاعات، وضعف الاستثمارات في بعض المجالات كلها تحديات تلقي بثقلها على الاقتصاد الوطني، وفقاً لمضامين التقرير المرفق.
وتعد المديونية من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المغربي، حيث لجأت الحكومة إلى زيادة كبيرة في الديون لتغطية حاجتها التمويلية. وارتفع صافي تدفق الديون الخارجية إلى 34.9 مليار درهم سنة 2023 مقارنة بـ 6.1 مليار درهم فقط سنة 2022. كما سجلت إصدارات الخزينة العامة في السوق الداخلي زيادة كبيرة، حيث انتقلت من 20.5 مليار درهم إلى 40 مليار درهم خلال نفس الفترة.
وأظهرت الحسابات الوطنية كيف أن تنامي الديون يشكل ضغطا على المالية العامة، ويهدد بتقييد قدرة الدولة على تمويل مشاريع التنمية أو مواجهة الأزمات الاقتصادية المستقبلية. هذا الوضع يتطلب تحسين إدارة الدين العام وتطوير استراتيجيات بديلة لتمويل العجز.
ورغم التحسن العام في الوضعية التمويلية للاقتصاد الوطني، لا تزال بعض القطاعات تعاني من تحديات واضحة. فمثلا، شهدت الشركات المالية انخفاضا كبيرا في حاجتها التمويلية من 8.8 مليار درهم سنة 2022 إلى مليار درهم فقط سنة 2023، بينما ارتفعت الحاجة التمويلية للإدارات العمومية إلى 40.5 مليار درهم، ما يعكس استمرار الضغط على هذا القطاع الحيوي.
من جهة أخرى، انخفضت القروض البنكية الموجهة للشركات غير المالية بشكل ملحوظ، حيث تراجع صافي تدفق القروض من 46.1 مليار درهم سنة 2022 إلى 15.9 مليار درهم سنة 2023. هذا التراجع يشير إلى صعوبات في الحصول على التمويل اللازم لدعم الأنشطة الاستثمارية والتوسع، وهو ما قد يؤثر سلباً على ديناميكية القطاع الخاص.
وبالرغم من ارتفاع إجمالي تكوين رأس المال الثابت بنسبة 4.8% ليصل إلى 371.9 مليار درهم، شهدت استثمارات الشركات تراجعا بنسبة 1.5%. هذه النسبة تعكس انخفاضا في استثمارات القطاع الخاص، الذي يفترض أن يكون المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، ورغم زيادة استثمارات الإدارات العمومية بنسبة 24.4%، فإن الاعتماد المفرط على هذا القطاع لقيادة الاستثمار الوطني قد يضعف التوازن بين القطاعين العام والخاص.
ورغم التحسن العام في الادخار الوطني الذي ارتفع بنسبة 16% سنة 2023 ليبلغ 412.7 مليار درهم، لا تزال مستويات الادخار لدى بعض القطاعات بحاجة إلى تعزيز. فالأسر والمؤسسات غير الهادفة للربح، على سبيل المثال، حققت مستوى ادخار بنسبة 11.4% فقط من دخلها المتاح، مما يعكس محدودية القدرة الادخارية لدى غالبية الأسر المغربية.
في مقابل ذلك ارتفعت الأسعار بنسبة 6.1% سنة 2023، ما أثر بشكل كبير على القوة الشرائية للأسر، رغم التحسن الطفيف الذي بلغ 2.4 نقطة مقارنة بالسنة الماضية. ومع أن الدخل المتاح للأسر قد سجل زيادة ملحوظة بنسبة 9.6%، فإن هذه الزيادة لم تعوض بشكل كامل آثار التضخم، مما يعكس تحدياً مستمراً في تحسين مستوى معيشة المواطنين.
وتشير أرقام الحسابات الوطنية بوضوح إلى أن الاقتصاد المغربي، رغم تحقيقه بعض التحسن في المؤشرات الكلية، يواجه مجموعة من التحديات الهيكلية التي تهدد استدامة النمو الاقتصادي. المديونية المتزايدة، ضعف الاستثمارات في القطاع الخاص، والحاجة التمويلية المرتفعة لبعض القطاعات كلها عوامل تتطلب وضع سياسات فعالة ومتكاملة لمعالجتها. يجب أن تركز الإصلاحات المستقبلية على تقليل الاعتماد على الديون، وتعزيز دور القطاع الخاص، ورفع القدرة الادخارية والاستثمارية للأسر والشركات لتحقيق توازن اقتصادي أكثر استدامة.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 10/12/2024