«التروبادور» بموسم مولاي عبد الله يدور

منتشر في البوادي أكثر من المدن

 

أصل لفظة “التروبادور” أندلسي عربي، فهو  مشتق من كلمتيْ: “طرب” و “دور”. والمعنى واضح إذ هو: “الطرب يدور” حيث كان الموسيقيون يعزفون الموسيقى ويأدون الأغاني كما الأشعار الملحنة متنقلين بين القصور، أي كانوا يدورون من قصر إلى آخر مادحين الملوك والأمراء وذويهم قبل أن يخرجوا للشارع عند عامة الشعب.
ثم ما لبث أن انتقل هذا النوع من الطرب إلى أوربا فظهر عدد من  الموسيقيين المتجولين الذين يجولون الطرقات، وهم يعرضون أغانيهم ورقصاتهم الشعبية، مرددين فيها ملاحم البطولة وما نقلوه عن عرب الأندلس من قصص ألف ليلة وليلة، والسندباد، وحكايات الغول وغيرها.
وفي مستهل القرن 11  شرعت جماعات التروبادور  تظهر في جنوب فرنسا ثم في ألمانيا، وكلها تتغنى بأوزان جديدة من الشعر استمدوها من ألوان الموشحات والأزجال الأندلسية. ومع تطور الزمن بدأ الأوربيون يتخلصون من أشعار وأغاني الأندلسيين فشرعوا يؤدون أغانيهم وأشعارهم البعيدة عن مديح الأمراء والملوك، ليقدموا أغاني شعبية رائجة ذات مضامين مختلفة لأشهر مطربيهم. ففي فرنسا مثلا وغير بعيد حتى أواخر القرن العشرين حيث عاينت ذلك شخصيا بباريس سنة 1996، حينما كنت أصادف بين الحين والآخر ببعض الأزقة لا سيما العتيقة، عازف قيثارة أو ساكسفون أو أكورديون، يطل عليه رجل أو امرأة من نافذة أو شرفة منزل علوي لترمي له بورقة أو قطعة نقدية تلفها داخل ورقة مدوِّن فيها عنوان القطعة التي تريد سماعها، وقد تكون لإديث بياف مثلا أو شارل أزنافور أو ييف مونتان، فينفذ الموسيقي ذلك سواء كان فردا أو ثنائيا أو جماعيا.
فهذا التروبادور أو “الطرب الذي يدور” لا زال منتشرا ببلدنا وبوفرة في المدن والقرى خصوصا في الأسواق والمواسم الشعبية، لاسيما الطبالة والغيّاطة من أشهرهم أصحاب ناقة مولاي ابراهيم التي يلفون حول عنقها منديلا أخضر ويجعلونها ترقص على نغمات الغيطة والطبل. ومن أشهر المواسم التي يتوافد عليها تروبادورات المغرب، موسم مولاي عبد الله الذي شهد هذه السنة 2023 عددا هائلا من هؤلاء العازفين والمنشدين وأحيانا الراقصين والراقصات اللواتي قد يكونون نساء / شيخات، وقد يكونون رجالا ذوي قامات وملامح شبه نسوية يرتدون ملابس أنثوية ويضعون على وجوههم خمارات لإخفاء ملامحهم الذكورية.
هذه المجموعات بخلاف مطربي “الحْلاقي” لا يستقرون بفضاء واحد، فمنهم من يبيت الليل كله ينتقل من خيمة لخيمة، لا سيما بخيام الأكل والشرب، وبالدرجة الأولى خيام شواء اللحوم أكثر من مقاهي تناول الشاي فقط وأكل الإسفنج. والسبب أن رواد مقاهي الشواء هذه وطواجين لحم الغنم والبقر كما الدجاج، يكونون أشد يسرا من رواد شرب السوائل بادرة كانت أم ساخنة. حيث نجد العائلة برمتها تزدرد اللحوم والخبز وتشرب الشاي المنعنع وهي ترقص وتصفق بمختلف أفرادها أطفالا، شباب وشيوخا، نساء وذكورا. فهؤلاء العائلات يشكلون هدفا أو طريدة شبه مضمونة من طرف المطربين الجوالين لما ينفحونهم من نقود وأحيانا يجودون عليهم بطيب الطعام وجيده مما يتبقى لديهم لما عرف به المغاربة من كرم الضيف وعابري السبيل لا سيما متى كانوا من صنف المطربين الجوالين.
كما أن هناك نوع آخر من فناني الطرب يدور، هم أولئك الذين يتجولون بطربهم نهارا بين الخيام سواء كانت على شاطئ البحر أو بمعزل عنه، خالقين بالفعل فرجة شعبية حماسية يرقص معها الكثير من المخيمين في الموسم من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار .


الكاتب : نورس البريجة : خالد الخضري

  

بتاريخ : 18/08/2023