التصوف المغربي ودوره في أسلمة دول افريقيا جنوب الصحراء – 10-

اعتراف الحكومة الإيفوارية في السنتين الأخيرتين بمئات المدارس العربية الإسلامية

لعبت اللغة العربية دورا كبيرا في أسلمة جزء كبير من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتجلى ذلك في كون هذه البقاع انتشرت بها الكثير من الطرق الصوفية المبنية على الاعتدال الذي هو عماد المذهب المالكي المنتشر على نطاق أوسع في دول المغارب، والملاحظ أن اتصال العرب بإفريقيا جنوب الصحراء حدث منذ أقدم العهود، فاليمن القديمة وصل نفوذها السياسي إلى القرن الإفريقي والحبشة، كما كانت علاقة غرب إفريقيا بشمالها قديمة، ونظرا لأن إفريقيا تأسست بها دول و ممالك ذات جذور عربية إسلامية، فقد كان لذلك دور كبير في تطور اللغات الإفريقية كلغات هجينة عربية، وقد لعب في هذا أيضا دور التصاهر بين العرب و الأفارقة، أضف إلى ذلك الدور الحاسم للعلاقات التّجارية التي كانت وسيطا بين الدول العربية ونظيرتها الوثنية.
يعتبر ميلاد الإسلام، وتطوّر الحضارة المرتبطة به نقطة تحول حاسمة أعادت إلى الحساب ماضي التّأثير العربي لغة وثقافة؛ ليصل العمق الإفريقي وأقاصي الغرب منه.وعلى هذا الأساس فاللّغة العربية لم تكن مجهولة عند الأفارقة، وإن كان معظمهم لا يتقنونها، ولكنّها كانت فقط مجرد لغة للتّفاهم مثل اللغات الأخرى. غير أن ظهور الاسلام باللسان العربي انتقل بهذه اللغة من مجرد لغة للحديث إلى لغة مقدسة. ونتيجة لذلك ، تأثرت العديد من اللغات العالمية باللغة العربية ، وكان من بينها اللغات الإفريقية بصفة عامة. ويعتبر التصوف العنصر الأساسي الذي أشاع الثقافة العربية في هذه البقاع وبخاصة التصوف التجاني السني الذي وجد إقبالا لم يعهد له نظيرا مقارنة مع الطرق الصوفية الأخرى. تحاول هذه الدراسة البحثية الاجابة عن سؤال محوري؛ كيف ساهم التصوف التجاني في أسلمة إفريقيا جنوب الصحراء؟ وكيف ساهم في نشر اللغة العربية على نطاق واسع خاصة وأنه اعتمد في متونه على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية؟

 

مآل اللغة العربية بعد الاستعمار الفرنسي لبعض دول افريقيا جنوب الصحراء : على سبيل الختم
شهدت اللغة العربية قد شهدت تراجعاً ملحوظاً على الصعيد الأفريقي وخاصة في أعقاب قدوم الاستعمار الأوربي للأراضي الأفريقية وما صاحبه من فرض ونشر للغات المستعمر، ومحاربة لنفوذ وتفوق وانتشار اللغة العربية على الساحة الأفريقية وبالرغم من ان اللغة العربية في غرب أفريقيا قد تمتعت بمكانة متميزة على الخريطة اللغوية لأفريقيا؛ حيث استقرت العربية في غالبية أنحاء القارة منذ وقت طويل يسبق دخول أي لغة من اللغات الأوربية إلى القارة السمراء، وتحدّث بها عدد كبير من الأفارقة وانتشرت بينهم انتشاراً كبيرا  ؛ إن انتشار اللغة العربية بهذا المعنى في أفريقيا مرتبط بانتشار الإسلام فيها. وعند الحديث عن تاريخ القارة لا بد فيه من التمييز بين المصادر العربية والغربية، إذ كل مصدر له وجهة نظر في الموضوع، فالمصادر الكبرى هيالعربية. فتوالى الكلام عن انتشار الإسلام والعربية انطلاقا من طوالع الفتح الأول منمملكة غانا التي دخلت إلى الإسلام عن طريق تجار العرب الوافدين إليها، ثم إن الجانب الصوفي أدى إلى انتشار اللغة العربية في القارة السمراء، لكن استقرار الاستعمار في المنطقة أدى الى انحسار اللغة العربية واللغات المحلية بشكل كبير.
لقد ساهم جود كتاتيب ومدارس قرآنية في ساحل العاج قدمت الكثير زمن الاستقلال، وقد كان الاهتمام باللغة العربية فيها باكرا يعود تاريخها في الأربعينيات إضافة إلى إنشاء (مدرسة) دار الحديث في الستينيان، و مدرسة الثقافة الإسلامية…وبعد مجيء المستعمر الفرنسي، ركز اهتمامه على استقطاب أبناء بعض الأهالي وتعليمهم ثم بعثهم إلى الدول الأروبية، وبعد عودتهم هم من حملوا فكرة الإستقلال وأسسوا بعد ذلك جمعيات…
ومع الجيل الجديد، نشأت فكرة تدعو إلى دمج العربية في المدارس الحكومية ومازال الأمر بين أخد ورد، ولعل السبب الرئيسي من وراء ذلك هو الاسلام.
بعد استعراض المراحل التي قطعتها العربية بعد الاستقلال، اعترفت الحكومة الإيفوارية في السنتين الأخيرتين بمئات المدارس العربية الإسلامية، ومنذ الستينات إلى اليوم، أنتجت هذه الجهود جامعات ومعاهد تمكّن الدارسين بالعربية من أبناء الدولة متابعة دراساتهم العليا ببلدهم، إلا أنه يبقى التحدي الكبير هو الثنائية اللغوية بين العربية والفرنسية في المدارس الحكومية، إذ أن المراحل التي قبلت من طرف الحكومة هي المراحل الابتدائية..
بالحديث عن تاريخ دخول العربية إلى نيجيريا، وتحدث عن اللغة العربية والإسلام في نيجيريا بواسطة التجارة، وقد كان ذلك بمراحل:
– عصر الاستهلال : بعد 1000 إلى 1300 : كانت العربية لم ترق إلى مستوى التأريخ في نيجيريا.
– عصر الدعاة الوافدين : اللغة العربية ارتقت نسبيا، حتى أن المناظرة كانت في المنطق.
– عصر الفودي (عثمان الفولاني) : بلغت فيه إزدهارا ملحوظا، وكانت تعتمد في الكتابات الرسمية، وقد كوّن عثمان الفودي دولة إسلامية في هذا العصر ـ ثم كثرت التآليف بالعربية.
– عصر الاحتلال البريطاني: كرّس فيه المستعمر جهوده لطمس العربية.
– عصر الاستقلال: انقسم المجتمع فيه إلى اتجاهات، وكان كل فريق يسعى إلى تطوير اتجاهه، ولحل هذه المشكلة سعى العلماء إلى تأسيس المدارس والسعي إلى تعريب الألسنة.
– عصر الازدهار: عصر نمو تمثل في وجود وسائط وأدوات تطويرية جعلت العربية ترتقي، باعتماد آليات متنوعة.
العربية لا زالت تعاني من إقصاء على حساب اللغات الأخرى.
وتشبّث أهلها بالعربية واعتزازهم بها، وأورد أبيات شعرية في ذلك، ثم انتقل إلى الحديث عن المسار التاريخي للتعريب الموريتاني ـ والذي اعتبره ليس واضحا ـ وأرجعه إلى عامل الإسلام، والانتماء المذهبي إلى المالكية ـ بحكم نشأتها في بيئة حجازية احتفلت ببعض الاجتهادات التي يطبعها ميل عروبي، والعامل الثاني إيديولوجي يتعلق بالحكم الأموي، والثالث الهجرة المعقلية، والتي أسهمت في تعريب المجتمع الصنهاجي وتكوين المجتمع الحساني، أما في المجتمع العربي، فقد شهد تعربا نخبويا.
رغم أن الترسيموقع في وقت عسير، سنوات الأربعينيات بعدما فتحت فرنسا حق الإسهام في القرار، دافع الممثل عن ترسيم اللغة العربية، والمطلوب هو أن ينأوا عن التوظيف الإيديولوجي الذي يعتبر تحديا، و التحدي الآخر هو بقاء الإدارة الفرنسية رغم ترسيم اللغة العربية،ثم وطأة العولمة ومسار التنميط الكوني في غياب أي سياسة تنافس وتدعم العربية ، وآخر التحديات هو انسداد الأفق التنموي الذي أفشل التعرب في غرب إفريقيا.

 


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 22/04/2022