مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتزايد المخاوف في المغرب من استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، مما يثقل كاهل الأسر المغربية ويضعف قدرتها الشرائية. فقد سجل الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، خلال شهر يناير 2025، ارتفاعًا بنسبة %0.8 مقارنة بالشهر السابق، نتيجة لتزايد الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية بنسبة %1.6 واستقرار الرقم الاستدلالي للمواد غير الغذائية. مؤشر التضخم الأساسي من جهته في ارتفاع ب %2,0 خلال شهر وب %4,2 خلال سنة.
شهدت أسعار المواد الغذائية زيادات متفاوتة، حيث ارتفعت أثمان السمك وفواكه البحر بنسبة %6.0، والخضر بنسبة %4.7، واللحوم بنسبة %2.0، والفواكه بنسبة %1.6، بينما سجلت أسعار الحليب والجبن والبيض زيادة طفيفة بنسبة %0.6، والقهوة والشاي والكاكاو بنسبة %0.5. وعلى النقيض، سجلت المياه المعدنية والمشروبات المنعشة وعصير الفواكه والخضر انخفاضًا بنسبة %5.0. أما في قطاع المواد غير الغذائية، فقد سجلت أسعار المطاعم والمقاهي ارتفاعًا بنسبة %3.0.
على مستوى المدن، سجلت أهم الارتفاعات في سطات بنسبة %1.5، وفي آسفي بنسبة %1.3، وفي تطوان وكلميم والحسيمة بنسبة %1.1، وفي القنيطرة ومراكش بنسبة %1.0، بينما سجلت طنجة وبني ملال زيادة بنسبة %0.8، وفاس ووجدة بنسبة %0.7، وأكادير بنسبة %0.6. أما في العيون، فقد تم تسجيل انخفاض بنسبة %5.0.
بالمقارنة مع نفس الشهر من السنة السابقة، شهد الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك ارتفاعًا بنسبة %2.0، ناجمًا عن زيادة أثمان المواد الغذائية بنسبة %3.3 وأثمان المواد غير الغذائية بنسبة %1.1. وتراوحت نسب التغير للمواد غير الغذائية بين انخفاض قدره %2.7 في النقل وارتفاع قدره %3.6 في السكن والماء والكهرباء والغاز ومحروقات أخرى. أما مؤشر التضخم الأساسي، الذي يستثني المواد ذات الأثمان المحددة والمواد ذات التقلبات العالية، فقد ارتفع بنسبة %2.0 على أساس شهري، وبنسبة %2.4 على أساس سنوي.
تشير البيانات إلى تفاوت التأثيرات على الأسر المغربية تبعًا لمستويات دخلها، حيث ترتفع نفقات %20 من الأسر الأقل دخلًا بنسبة %4.8، بينما تسجل الفئة المتوسطة زيادة بنسبة %9.7، وترتفع نفقات الفئة الأكثر دخلًا بنسبة %8.9. ويتوقع أن يؤدي شهر رمضان إلى تفاقم هذه الضغوط، حيث يرتفع متوسط إنفاق الأسر بنسبة %18.2 خلال هذا الشهر، مما يعزز الضغوط على القدرة الشرائية، في ظل ارتفاع متزايد للأسعار.
أمام هذا الوضع، تتبنى الأسر المغربية استراتيجيات للتكيف، من بينها تقليص استهلاك اللحوم وتعويضها بالبقوليات، واللجوء إلى الأسواق الشعبية حيث تكون الأسعار أقل نسبيًا، إضافة إلى الاستدانة لمواجهة المصاريف الإضافية، مما يزيد الأعباء المالية. وتأتي هذه التحولات في ظل توقعات %83.3 من الأسر باستمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال الأشهر الـ12 المقبلة، ما يعكس حالة من التشاؤم إزاء استقرار الأسعار.
يرجع هذا الغلاء إلى عوامل متعددة، منها الجفاف الذي أثر على الإنتاج الزراعي، وارتفاع تكاليف النقل بسبب زيادة أسعار الوقود، فضلا عن المضاربات التي يلجأ إليها بعض الوسطاء والتجار لتحقيق أرباح سريعة. ورغم تأكيد وزير الفلاحة أن الإنتاج الوطني يغطي %100 من الطلب المحلي على الخضر والفواكه واللحوم البيضاء، و%98 من بيض الاستهلاك، إلا أن واقع السوق سرعان ما يكذب ادعاءات الوزير الذي يعلم جيدا أن هناك عوامل خارجة عن المناخ تزيد من معاناة المغاربة وعلى رأسها المضاربة التي عجزت الحكومة عن صدها وفتح الباب على مصراعيه أمام الصادرات الفلاحية على حساب السوق الداخلي.
في ظل هذه الضغوط، تتزايد الدعوات إلى تدخل حكومي حازم لضبط الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطنين. فقد انتقد نواب برلمانيون أداء الحكومة، معتبرين أنها لم تتخذ إجراءات كافية للحد من الغلاء. وأشاروا إلى وجود لوبيات تجارية تستغل الوضع لرفع الأسعار، داعين إلى تسقيف الأثمان وإعادة تقييم السياسات الزراعية، لضمان توفير المواد الأساسية بأسعار معقولة. ويبقى التحدي الأكبر متمثلًا في تحقيق توازن بين تلبية حاجيات المواطنين من المواد الغذائية بأسعار في المتناول، ودعم المنتجين المحليين للحفاظ على استدامة الإنتاج، لا سيما في المناسبات الدينية التي تشهد ارتفاعا ملحوظا في الطلب.