يعد التعليم الأولي حجر الزاوية في درب تعميم التعليم، ويعد العتبة الضرورية لإعداد الأطفال لمواصلة الدراسة بشكل أفضل خلال المراحل اللاحقة، كما يمثل جهدا إضافيا لتطوير التعليم وتهيئة الطفل للمدرسة، لكن لبلوغ هذه الأهداف تم وضع استراتيجية متكاملة لتعبئة كل الفاعلين وتحفيز الخواص على الاستثمار في هذا المجال بالمناطق ذات الأولوية خصوصا بالوسط القروي ومحيط المدن، ولأهمية التعليم الأولي عملت السلطات الحكومية على توسيع قاعدة المستفيدين من هذا التعليم، وذلك باتخاذ عدد من الإجراءات الأساسية للنهوض بهذا القطاع وتهييء الظروف المثلى لاجتذاب الأطفال وتحسيس الأسر وتوسيع أساليب وأنماط التعاقد والشراكة عبر :
إصدارالقانون 00-05 بشأن النظام الأساسي للتعليم الأولي بهدف تحديد الإطار القانوني لعمل مؤسسات التعليم الأولي.
إجبارية التصريح بالأطفال البالغين أربع سنوات. تكوين أساسي ومستمر للمدرسين في التعليم الأولي. تقوية وتعميم مراكز الموارد، حيث تم إحداث 14 مركزا ليصل العدد الاجمالي إلى أكثر من 65 مركزا. انتهاج أسلوب الشراكة لتنمية هذا القطاع التعليمي الأولي، بحيث تم إبرام عدة اتفاقيات دولية للشراكة ( اليونيسيف- الوكالة الاسبانية- مؤسسة SAMSUNG- ..) وأخرى اتفاقيات محلية مع الجماعات والجمعيات المهنية… = الاطار رقم 3=
التعليم الأولي يفتح في وجه الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و5 سنوات، ويتميز هذا التعليم بين تعليم أولي حديث ومعاصر يقدمه القطاع الخاص تحت أشكال ومنظورات مختلفة تتراوح بين حجرات خاصة ومهيكلة أومؤسسات تعليمية خاصة بهذا الصنف كما أن هناك تعليم أولي تقليدي( مسيد أو كتاب) يتمركز بشكل خاص بالوسط القروي إلى جانب تعليم أولي عمومي بالمدارس العمومية الابتدائية منذ سنة 2006.
التعليم الأولي … في البدء كان خارج التغطية
التعليم الأولي في بدايته لم يكن صنوا للتعليم الرسمي بل كان منفصلا عنه، ولذا كان ينعت بالتربية ما قبل المدرسية إيحاء بعدم إجبارية هذه المرحلة أوخروجه عن وصاية وزارة التربية والتعليم. وكانت السلطة الحكومية غير مهتمة بهذا الصنف من التعليم فتركته عرضة للأشخاص أوللمؤسسات الخاصة ولبعض الوزارات دون حسيب أو رقيب، ودون قانون منظم يهيكل القطاع ويراقبه ويحاسبه.
هذه المرحلة ما قبل المدرسية تشمل رعاية الطفل منذ السنة الأولى من ولادته إلى مرحلة ولوجه السنة الأولى من السلك الابتدائي، وقد تحتضنه دور الحضانة ورياض الأطفال، أو قد يلج الكتاتيب القرآنية التي تكون إما في ملكية الخواص أوتحت إشراف مؤسسات وهيئات رسمية أو شبه رسمية كوزارات الأوقاف والشبيبة والرياضة…
على مستوى البرامج والمناهج لا وجود لمقررات أو مناهج وتوجيهات خاصة بهذا الصنف من التعليم والتربية، وإنما كانت البرامج الأولى للتربية ما قبل المدرسية عبارة عن صورة مصغرة من البرنامج التربوي الذي يدرس في القسم الأول الابتدائي (التحضيري).
في سنة 1974 استحدث برنامج « تكميلي»مطعم بمواد دراسية جديدة تستهدف النمو العقلي والمهاراتي للحواس والملكات حتى يتم التخفيف جزئيا من الطابع التلقيني المدرسي، الذي كان يميز البرنامج التربوي والدراسي السابق.
هذا الوضع المختل وغير المهيكل استمر إلى غاية 1978 حين تم تشكيل لجنة للتعليم الأولي وتمخض عن أشغالها مشروع إصلاح التربية ما قبل المدرسية، ثم صيغت مذكرة تنظيمية احتوت بعض المبادئ الأساسية لإصلاح وتحديث التعليم ما قبل الابتدائي عبارة عن كراسة تضمنت مبادئ وتوجيهات وتوصيات في موضوعي التربية والتكوين من قبيل:
ا- صياغة مشروع قانون عام يتعلق بإعادة تنظيم التعليم الحر وضمنه التعليم الأولي.
ب – مشروع مرسوم لتوضيح كيفية تطبيق القانون.
ج – منهاج التعليم الأولي.
وتمييزا لهذه المرحلة عن باقي المراحل التعليمية الأخرى، يرى أصحاب هذه الكراسة أن التعليم الأولي هو المرحلة التي يتم فيها إعداد الأطفال الإعداد الكافي لمتابعة الدراسة الابتدائية بيسر، مما يضمن نجاحهم ويقيهم من التكرار والتسرب والإخفاق في الدراسة، وأبرزوا أهمية هذه المرحلة في حياة الفرد لكونها (مرحلة تتعهد الطفل قبل ولوجه المدرسة الابتدائية، وهي حلقة وصل بينها وبين أسرته، فيها يجب أن يعيش الطفل طفولته الحقة لينمو نموا متزنا وتتفتح قابلياته ومختلف قدراته العقلية، ويسمو وجدانه وتتفتق استعداداته وتتكون شخصيته الاجتماعية بكيفية عملية، وهو ما سيساعد على اكتشاف ذاته وبيئته ويتعرف على مجتمعه، وعليه لا يمكن في حال من الأحوال تلقين الطفل خلال هذه المرحلة تعليما مدرسيا بنفس الطرق المتبعة في المدارس الابتدائية).
مشروع قانون الإطار .. والزامية التعليم الأولي وتعميمه
لأجل بلوغ الأهداف المسطرة في مجال تعميم التمدرس وتحسين جودة التعليم والزامية التعليم وتنمية التعليم الأولي، تم استصدار وصياغة مشاريع إصلاحية نصت كلها على ضرورة إرساء التعليم الأولي وفتحه أمام جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 4 سنوات و6 سنوات. كما أنه تم استصدار القانون 05.00 المتعلق بالتعليم الأولي الخاص بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 و6سنوات، ويعتبر من النصوص الإجرائية القانونية التي أعدت لتنظيم هذا المجال وسد الفراغ القانوني الذي يعاني منه.
في الميثاق الوطني للتربية والتكوين تمت الإشارة إلى عدم الفصل بين مرحلة التعليم الأولي وباقي الأطوارالدراسية الأخرى، حيث نظام التربية والتكوين عليه أن(يشمل التعليم الأولي والتعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي والتعليم الثانوي …ويقصد بتعميم التعليم تعميم تربية جيدة على ناشئة المغرب بالأولى من سن 4 إلى 6 سنوات وبالابتدائي والإعدادي من سن 6 إلى سن 15سنة).
وبنفس الصيغة جاءت وثيقة الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 لتلتزم بروح ورؤية الميثاق الوطني للتربية والتكوين بوصفه لا يزال يمثل الإطار المرجعي للإصلاح مع ما يقتضيه ذلك من ملاءمات وتطوير تهم بالأساس إلزامية تعميم التعليم الأولي.
ولقد بلورت الوثيقة الإصلاحية للمجلس الأعلى المهارات والكفايات الأساسية التي ينبغي اكتسابها من طرف المتعلم حيث يتعين مثلا تقوية مواد التفتح بالتعليم الأولي والتحسيس بالقيم الدينية والوطنية والإنسانية وأنشطة الترفيه والتربية الرياضية الخاصة بالطفولة المبكرة.
وفي الرافعة الثانية من هذه الوثيقة الإصلاحية تحت عنوان «إلزامية التعليم الأولي وتعميمه» دعا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى:
-جعل تعميم التعليم الأولي بمواصفات الجودة التزاما للدولة والأسر بقوة القانون، مع تمكين جميع الأطفال دون سن السادسة من ولوجه.
وفي القانون الإطار رقم51.17 المادة الثامنة أشارت الوثيقة إلى إرساء التعليم الأولي وفتحه في وجه جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم بين أربع وست سنوات مع الشروع في دمجه تدريجيا في التعليم الابتدائي في أجل ثلاث سنوات ويشكلان معا « سلك التعليم الابتدائي « على أن يتم فتحه في وجه الأطفال البالغين ثلاث سنوات بعد تعميمه.
وبفضل هذه الديناميكية القانونية والتشريعية، عرف التعليم الأولي تطورا هاما كما وكيفا تجسد في نمو عدد من المؤسسات التي تحتضنه تقليدية-عتيقة كانت أم حديثة –عصرية، وارتفع عدد الأطفال المتمدرسين المنتسبين إليه وعدد الأطر العاملة به، كما تنوعت خدماته ومناهجه ومقرراته.
وهكذا خلال الموسم الدراسي 2016-2017 استقبل التعليم الأولي التقليدي 63.4% من الأطفال ويهيمن سواء بالوسط الحضري(58.2%)أو بالوسط القروي (74.5%) في حين أن التعليم الأولي الحديث يستحوذ على 24.8% ويستوعب التعليم الأولي العمومي 11.8% من الأطفال.
وعرفت أعداد تلاميذ التعليم الأولي ارتفاعا بين موسمي 2011-2012(خلال تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين)وموسم2016-2017(بداية مشروع الرؤية الاستراتيجية)حين انتقلت أعداد تلاميذ التعليم الأولي من 682701 طفلا (منهم 290284فتاة بنسبة 42.52%) إلى 726917طفلا (منهم 321430فتاة بنسبة 44.22%)وهذا يعني نموا سنويا قدره 1.55%(2.33% بالنسبة للفتيات).
وفي ما يتعلق بالوسط القروي ارتفع عدد أطفال التعليم الأولي من 207732طفلا إلى 225983طفلا خلال نفس الفترة، أما حصة الفتيات فلا تزال منخفضة حيث ارتفعت من 30.23% إلى 35.50% ويبدو أن المناطق القروية هي الأقل استفادة خاصة بالنسبة للفتيات .
أرقام واردة من التقرير الوطني عن السكان والتنمية في المغرب – 2019-
بالرغم من هذا التطور الكمي فإن التعليم الأولي عرف تفاوتا كبيرا في مستوى مؤسساته وفي مستوى توزيعه بين المدن والقرى، كما عرف تنوعا واسعا في مناهجه الدراسية والتعليمية، وتتدخل عدد من القطاعات الوزارية المختلفة في تنظيمه ومراقبته والإشراف عليه.
عموما لا يزال تمدرس الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و 5 سنوات يمثل إشكالية، فرغم الجهود المبذولة خلال العقد الأخير، لا يتلقى عدد كبير من الأطفال أي تعليم أولي ومعظمهم يتواجد بالوسط القروي وخاصة الفتيات، لهذه الغاية يبدو أن إجراءات تطوير التعليم الأولي ترتبط ارتباطا وثيقا بالجهود المبذولة لتوسيعه بالوسط القروي وخاصة بين الفتيات.
(ان التعليم الاولي لا يمكن تعميمه دون تضافر جهود جميع الفاعلين – وزارات / جماعات محلية / منظمات غير حكومية.. حول توافق يسمح بتصور برنامج مندمج لتطوير هذا النوع من التعليم ) التقرير الوطني عن السكان والتنمية في المغرب – 2019.
يتبع