الفساد يكلف المغرب ما تكلفه الدولة الاجتماعية!

التقرير الأسود الذي عرى الفشل الحكومي الذريع
في محاربة الفساد

المغرب يحتل مراتب جد متأخرة في «مؤشر الفساد» وراء تنزانيا و غانا و ليسوطو

68 % من المقاولات تؤكد أن الفساد «منتشر» أو «منتشر جدا» في المغرب

 

عرى التقرير الأسود الذي قدمه رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد البشير الراشدي، أول أمس الثلاثاء بالرباط، عن الفشل الحكومي الذريع في تدبير ملف «مكافحة الفساد» الذي يسيء إلى سمعة المغرب ويضعه في مراتب متأخرة، ليس فقط على الصعيد الدولي فحسب، بل حتى على الصعيد القاري بعدما تراجع ترتيب المغرب وأضحى مسبوقا بست عشرة دولة افريقية، وراء السيشل والرأس الأخضر وبوتسوانا ورواندا وموريتيوس وناميبيا وساوتومي وغانا، والسينغال وبنين وبوركينا فاسو وجنوب إفريقيا وساحل العاج وتانزانيا وتونس وليسوطو !!
عزيز أخنوش الذي ادعى يوم 11 أكتوبر 2021 أمام البرلمان أنه سيجعل « محاربة الفساد أولوية وطنية»، لم يكن يدري أن الفساد في عهد حكومته سيزداد انتشارا، وعندما ألح على تكرار «محاربة الفساد» ثماني مرات، وهو يستعرض برنامجه الحكومي، لم يكن يظن أن المغرب في ظل ولايته، سيتدهور في مؤشر مدركات الفساد ليصل إلى الرتبة 97 ضمن 180 دولة سنة 2023، متراجعا ب 24 رتبة خلال السنوات الخمس الأخيرة، ليجد المغرب نفسه ضمن تقييم مخاطر انتشار الفساد في خانة «مرتفع جدا».
الأخطر من هذا، أن كلفة الفساد في المغرب أصبحت تشكل عبئا اقتصاديا هائلا يصل إلى 50 مليار درهم سنويا، (وهو نفس المبلغ الذي سيكلفه تعميم الحماية الاجتماعية) أي ما يمثل ما بين 3.5% و6% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني. حسبما أكده رئيس الهيـأة محمد البشير الراشدي،
ويرسم التقرير صورة قاتمة عن مدى تفشي الفساد في دواليب الاقتصاد الوطني، وانعكاساته السلبية على عالم المقاولات و نفور المستثمرين، حيث يحتل الفساد، سواء من حيث الانشغال الرئيسي أو ضمن الثلاثة الأوائل، المرتبة الثامنة بين انشغالات المقاولات، في حين، يحتل المرتبة الثانية كعائق أمام الاستثمار بالنسبة للمغاربة القاطنين بالخارج.
وترى نسبة 68% من المقاولات التي شملتها دراسة الهيأة أن الفساد منتشر أو منتشر جدا في المغرب، مقابل 8% يعبرون عن رأي مخالف (منتشر قليلا أو قليلا جدا). وفيما يتعلق بتصور مستويات الفساد حسب المجال، فمن بين المجالات الخمسة التي قدمت لها، ترى المقاولات المستجوبة أن الفساد أكثر انتشارا في المجالات الثلاثة التالية: الحصول على التراخيص، والمأذونيات والرخص الاستثنائية 57% والصفقات والمشتريات العمومية 51% و التوظيف، التعيين والترقية في القطاع الخاص % 50 أما المجالان الآخران، وهما: دعم الدولة للقطاع الخاص والمشتريات والتموين في هذا القطاع، فحصلا على نسبتي28% و% 42 على التوالي. وفي هذا الصدد، أوضح الراشدي أن حوالي ربع المقاولات في المغرب وبالضبط 23 في المئة منها تعرضت لأعمال فساد مرتبطة بالخدمات التي تقدمها وهو رقم كبير ومخيف.
ومن جهة أخرى، رصدت الهيئة الفجوة الملحوظة بخصوص مدركات المواطنين حول فعالية جهود الحكومة للتصدي للفساد في الإدارة العمومية، والتي خلص إليها البارومتر الإفريقي الذي أكد على تزايد الإدراك بتفاقم الفساد، خاصة لدى الطبقات الفقيرة والمهمشة والمناطق النائية، مما يدل على أن تكاليف الفساد المرتفعة تتحملها الفئات الضعيفة. كما وقفت الهيئة على احتلال الفساد المرتبة الثانية من بين العوائق الرئيسية أمام المقاولات في المغرب، حسب نتائج البحث الميداني الذي تم إنجازه من طرف البنك الدولي المتعلق بالمقاولات لسنة 2023 .
ومن زاوية متابعات القضاء الجنائي والمالي، استظهر تقرير الهيئة حصيلة الخط المباشر للتبليغ عن الرشوة التابع لرئاسة النيابة العامة والذي مكََّن، منذ بداية العمل به، من تسجيل 243 عملية ضبط للمشتبه فيهم في حالة تلبس بجريمة الرشوة، يتوزعون أساسا على جهات مراكش آسفي، والدار البيضاء سطات، والرباط-سلا-القنيطرة. كما سلط التقرير الضوء على القضايا الرائجة أمام أقسام الجرائم المالية والتي بلغ عددها برسم 2022 ما مجموعه 716 قضية، موزعة بين قضايا في طور البحث، أو في طور التحقيق، أو في طور المرحلة الابتدائية، أو في المرحلة الاستئنافية. ورصدت الهيئة، بخصوص القضاء المالي في شقه المتعلق بالقضايا ذات الصلة بالتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، عدد القضايا الرائجة أمام الغرفة المختصة على مستوى المجلس الأعلى للحسابات، برسم سنة 2022 وإلى متم أكتوبر 2023 ، بما مجموعه 15 قضية يتابع في إطارها 15 شخصا. ووصل مجموع مبالغ الغرامات المحكوم بها1.372.000 درهم. وفيما يتعلق بالمجالس الجهوية للحسابات، فقد بلغ عدد القضايا المرفوعة أمامها ما مجموعه 76 قضية يتابع في إطارها 116 شخصا. أما بخصوص الأفعال التي قد تثير المسؤولية الجنائية، فقد تم برسم 2022 – 2023 إحالة 18 ملفا جنائيا إلى الجهات القضائية المختصة.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 10/10/2024