التقويم: عنصر حاسم في عملية التعلم

 

 

إن أساليب التقويم المتبعة بمختلف مؤسساتنا التعليمية تقف حجر عثرة أمام كل محاولات الإصلاح وتهدر أي جهد للتكوين، فالتقويم لايزال يقتصر على إجراء الاختبارات التي تقيس مضامين التحصيل الدراسي (الحفظ) وأصبح الاختبار هو الوسيلة الوحيدة للحكم على مستوى التلاميذ، واختصرت جميع نواتج التعلم من جانب واحد فقط هو تحصيل المعلومات المقررة في الكتب المدرسية الأمر الذي يجعل الاختبار هدفا في ذاته وأصبحت جميع الممارسات التربوية تتجه نحو تمكين التلاميذ من اجتياز الاختبار بنجاح مما يعد شكلا من أشكال الهدر التربوي، الذي يفقد المنتج التعليمي قيمته وقدرته على المنافسة في المجتمع المعاصر بكل ما يحمله من تحديات.
إن الاقتصار على الاختبارات بشكلها الحالي من شأنه أن يؤدي إلى فقدان عملية التقويم لوظيفتها الأساسية، وهي متابعة سير العملية التعليمية إضافة إلى إهمال الأهداف التربوية كالمهارات العقلية والعملية والقيم بحيث تقتصر على قياس الجانب المعرفي فقط، وهو الحفظ، ولا ترقى إلى مراتب التطبيق والتحليل والتركيب والتكوين الكلي للموقف.
كما أن الامتحانات في شكلها الحالي تجعل العملية التعليمية كلها موجهة لخدمة الامتحانات وهو ما يترتب عنه انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية التي تفشت كالوباء في المجتمع، فالبعض يرى بأن الدروس الخصوصية ضرورية إذا غاب التواصل بين المدرس والتلاميذ أو تعثر إتمام المقرر الدراسي بسبب غياب المدرس في بعض الحصص..وهناك، مع الأسف الشديد، من يتجه إلى هذا النوع من الدروس فقط للتباهي والتفاخر، كما ساهمت الامتحانات في شكلها الحالي في انتشار الملخصات الخارجية وبعض الكتب «التجارية» لأنها تركز على تدريب التلاميذ على كيفية الإجابة عن أسئلة الامتحانات.
إن الاختبارات في شكلها الحالي تزيد من انتشار الغش داخل الفصول الدراسية، مع ما لهذه الظاهرة من آثار خطيرة على المجتمع وعلى تدهور منظومة القيم فيه إضافة إلى تنامي ظاهرة الاعتداء على نساء ورجال التعليم المكلفين بالحراسة…وهذا الاعتداء يتجسد في العنف اللفظي والجسدي داخل الفصول الدراسية وخارجها في غياب حماية حقيقية للمدرسين والمدرسات.
إن الاختبارات في شكلها الحالي لا تتناول في أغلب الأحيان غير مستوى استدعاء المعرفة مع افتقارها للنظرة الشمولية وتستغرق وقتا طويلا وجهدا مضاعفا..كل هذه العيوب لها انعكاسات على مخرجات التعلم، ولعل من أبرز هذه العيوب أن التلميذ يحفظ أكثر مما يفهم، يتزود بثقافة الذاكرة أكثر من ثقافة الفهم والتحليل والتطبيق، يهدف إلى الحصول على شهادة أكثر من الإعداد لمواقف الحياة وكيفية مواجهتها ولا يحتفظ بالمعلومات والمهارات لمدة أطول.
إن إصلاح منظومة التقويم هو المدخل الرئيس لإصلاح التعليم إذا كنا نريد تكوين وتخريج مواطنين ملتزمين بقضايا أمتهم ووطنهم ومجتمعهم قادرين على المساهمة بإبداع وحيوية في تقدم هذه الأمة وازدهارها.
(*)باحث تربوي


الكاتب : خليل البخاري (*) 

  

بتاريخ : 12/05/2022