التلاميذ وشبح الامتحانات

في نهاية كل موسم دراسي يقفز هاجس الامتحانات إلى الواجهة ويصير هذا البعبع الذي يثير الرعب في نفوس تلامذتنا حديث المجالس، داخل البيوت وخارجها، في المؤسسات التعليمية والإدارات التابعة لوزارة التربية والوطنية، في وسائل النقل ووسائل التواصل الاجتماعي، الكل مستنفر لمواجهة لحظة يعز فيها المرء أو يهان، يتسابق التلاميذ في الدقيقة تسعين للظفر بورقة نجاح يحلم بها الجميع، سواء استعدوا لهذه اللحظة استعدادا جيدا أم تركوا الأمر حتى اقتراب الموعد المنشود، وكثير منهم يصاب برعب الامتحان وباضطرابات نفسية تلازمه طوال فترة الامتحانات وبعدها، وهو ينتظر نتيجة مرحلة كاملة من حياته ستحدد مصيره سواء نحو فتح آفاق جديدة أو الرجوع القهقرى إلى الوراء.
هو توتر وخوف لا يصيب التلميذ فقط بل ينتقل إلى الأسر التي تبتلعها هي الأخرى دوامة الامتحان وتمتص منها أي لحظة راحة وطمأنينة وتبدلها بقلق من رسوب الأبناء وخوف من إعادتهم العام الدراسي، هذا التوتر يطبع معيش الأسر قبل الامتحانات وخلالها ويمتد إلى حين ظهور النتائج، ويدفعها إلى تحفيز أبنائها بشتى الطرق بل إنها لا تسمح لهم بالابتعاد عن الكتاب وتتهمهم بالتقصير إن لاحظت عليهم بعض التهاون أو العياء نتيجة المجهود الكبير الذي يبذلونه في حفظ الدروس ومحاولة استيعابها، الأمهات، بشكل خاص، يزدن من منسوب التوتر والضغط على أبنائهن، كل الحديث داخل المنزل وحول مائدة الطعام وفي المطبخ يدورعن الدراسة والدروس والامتحان القادم المرعب الذي يؤجل مشاريع الأسرة إلى حين انتهائه.
كل الدراسات الاستقصائية التي أجريت حول الموضوع تبين أن تلميذا تقريباً من كل خمسة تلاميذ يعانون من إجهاد الامتحانات بالإضافة إلى ضعف الثقة في النفس، فضلا عن ضغط المدرسين والأسر، والنتيجة هي الخوف الشديد من عدم الإجابة عن أسئلة الامتحان، وهو ما يؤدي بالممتحن إلى نسيان كلي للمعلومات وشلل وذعر ينقلب معه دماغه إلى صفحة بيضاء خالية من أي معلومة قضى الساعات الطوال في تحصيلها .
إن فترة الامتحانات تعتبر مصدرا للتوتر وعدم الارتياح وتؤدي إلى إفراز هرمونات الإجهاد التي غالبا ما تظهر جسديا على التلميذ مثل النبض السريع وارتفاع ضغط الدم والتعرق وجفاف الفم والحاجة الملحة للذهاب إلى دورة المياه وإزعاج المعدة بالإضافة إلى الإسهال والغثيان وغيرها، لكن التوتر والإجهاد الناجمين عن الاختبارات يمكن أن يكون لهما آثار طويلة الأمد حيث يعاني بعض التلاميذ بالفعل من هذين العاملين قبل عدة أيام أو أسابيع من حلول وقت الامتحان، وهذا يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات النوم وصعوبة التعلم كما يمكن أن يسبب إجهادا دائما وتوترا في الظهر والرقبة والصداع أو الانزعاج والاكتئاب ومشاكل التركيز، وعلى المدى الطويل، يمكن لهرمونات الضغط أن تشجع العديد من الأمراض مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، وهذا هو السبب في أهمية مكافحة أشكال الإجهاد الشديد الناجم عن الامتحان باتخاذ التدابير المناسبة، وسواء في حالة التلاميذ أو الطلبة أو حتى أسرهم، فإن الإجهاد الناجم عن الامتحانات ليس أمرا حتميا، وهناك عدد من الأشياء يمكن القيام بها لمكافحته، من بينها: ضرورة التعلم بشكل صحيح حيث يكفل التعلم السليم وإدارة الوقت والإعداد الأمثل التخفيف من الضغط والإجهاد، ولكن يجب أن يكون هناك أيضا فترات توقف بين الفينة والأخرى لأخذ قسط من الراحة واستجماع الأنفاس والطاقة، لهذا السبب من المهم البدء بالإعداد والتعلم مبكراً، وفي حالة ارتفاع التوتر والقلق ، فإن بعض التقنيات مثل استرخاء العضلات التدريجي أوالتدريب الداخلي، وتمارين التنفس والتأمل عادة ما تكون مفيدة جدا، كما أن تناول طعام متوازن وجيد يكتسي أهمية كبيرة في إبعاد شبح التوتر، حيث غالبا ما يقلل هذا الأخير من الشهية أو يؤدي إلى الرغبة في تناول الحلويات غير الصحية، ومع ذلك فمن الأهمية بمكان الآن على وجه التحديد تتبع نظام غذائي صحي ومتوازن وغني بالفيتامينات والمعادن والنوم بشكل جيد للحصول على مزيد من الطاقة والتركيز بالإضافة إلى ممارسة الرياضة الخفيفة وبصورة مستمرة هي أفضل طريقة لمحاربة القلق وتأثيراته السلبية،وأفضل رياضة لذلك هي الركض وركوب الدراجة الهوائية لأنها تساعد على التقليل من هرمونات القلق وتنشط الدورة الدموية وعمل القلب، وقد أثبتت دراسات علمية حديثة أنه حتى الناس الذين يعانون من التعب يشعرون بالراحة عند ممارسة رياضة خفيفة، في ما لا يُنصح بممارسة رياضات صعبة أو رياضات الدفاع عن النفس كونها تحفز التوتر والقلق.
وفي الأخير فإن التلاميذ في هذه الفترة بالذات في حاجة إلى دعم أسرهم الإيجابي والمشجع بعيدا عن كل ضغط قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية تؤثر سلبا عليهم وعلى مسارهم الدراسي.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 10/06/2021