الجامعة و فضيحة «الماستر مقابل المال، الاستثناء والقاعدة … أسرة الفكر تنتفض

أثارت فضيحة «الماستر مقابل المال» موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر العديد من المستخدمين عن استيائهم من الفساد في المؤسسات الأكاديمية، مطالبين بإصلاحات جذرية لضمان النزاهة والاستحقاق في التعليم العالي.
وقد تباينت ردود الفعل بين الاستنكار والدعوة إلى التريث، فيما ركزت بعض التعليقات على ضرورة تشديد الرقابة على برامج الماستر، ودعا آخرون إلى محاسبة المتورطين في هذه القضية لضمان عدم تكرار مثل هذه الأمور.
وأثارت القضية نقاشات حول العلاقات داخل الجامعات ومدى تأثيرها على نزاهة العملية التعليمية، حيث اعتبر البعض أن هذه الفضيحة تعكس تحديات أعمق تواجه التعليم العالي في المغرب.
في خضم هذا الزلزال الأخلاقي، تفاعل عدد من المثقفين والأساتذة، كل من موقعه وتجربته، ليس فقط لإدانة الواقعة، بل للغوص في عمق الأزمة ومحاولة تفكيك بنياتها وتاريخها وسياقاتها، بما يليق بالمكانة التي كانت الجامعة المغربية تحتلها يوما في صدارة التنوير والتكوين.
في هذا الإطار كتب الدكتور المهدي منشد، الأستاذ الجامعي، في صفحته الرسمية:»تطفو على السطح بين الفينة والأخرى بعض الفضائح والانحرافات والسلوكات الفاسدة والمدانة داخل الجامعة المغربية، وهذا مؤشر خطير على بداية تغلغل الفساد في موقع يفترض فيه إشاعة قيم الاستقامة ونظافة الفكر واليدين.
كانت الجامعة المغربية، ولا تزال في عيوننا، مشتلا لقادة التغيير، وصناع الفكر النزيه، ومنبرا للأصوات الحرة. أغلب أساتذة التعليم العالي ببلادنا منزهون عن مثل هذه السلوكات الشاذة، لكن ما وقع سابقا في مواقع جامعية، وما وقع الآن بأكادير، هو ناقوس إنذار يجب أخذه على محمل الجد لتحصين ما تبقى من استقامة وجدية داخل الجامعة.»
أما أحمد الأرقام، الكاتب والإعلامي، فقد اختار أن يستحضر لحظة ساطعة من ماضي الجامعة، في مقارنة مؤلمة مع الحاضر:
«منذ أن وطأت قدمي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1989، كان كل شيء محفزا على التحصيل والارتقاء المعرفي. مكتبات مفتوحة، أساتذة لا يبخلون بالمعرفة، وأجواء بحثية خالصة. تعلمنا الفلسفة من أفلاطون حتى فوكو، والسوسيولوجيا من أوغست كونت إلى بورديو، وعلم النفس من فرويد إلى لاكان. كان محمد جسوس يشرف على أبحاثنا، وفاطمة المرنيسي تشجعنا على العمل الميداني، ومحمد سبيلا يفتح لنا آفاق الفلسفة المعاصرة، ومحمد وقيدي يسلحنا بأدوات الإبستمولوجيا.
لم نكن نسمع عن بيع شهادات، بل عن تسابق علمي شريف.
من المخجل اليوم أن نرى الماستر وقد أصبح سلعة في السوق السوداء.»
وفي تفاعل ساخر لكنه بالغ الدلالة، كتب الأستاذ عبد الجليل الأزدي: «فتشوا عن النسوان … العبارة التي استعملها ألكسندر دوما في روايته موهيكان باريس، واستلهمها توفيق الحكيم في يوميات نائب في الأرياف، تجد مكانها الآن في قلب فضيحة بيع الشهادات. نعم، فتشوا عن النسوان، لا لأن النساء وحدهن معنيات، بل لأن التحرش والابتزاز الجنسي قد يكونان حلقتين خفيتين في هذه السلسلة القذرة. من ضحايا كلية آسفي (2008 – 2013) إلى المحامية ذات الحساب البنكي المنتفخ، ثمة وجوه نسائية كثيرة في خلفية هذا المشهد الفاسد، ضحايا وربما متورطات. يجب ألا نغفل البعد الجندري في هذه القضية، لأنه مفتاح لفهم المدى الذي بلغه الانحراف داخل بعض الجامعات.»
وكتب الناقد السينمائي مصطفى العلواني شهادة مؤثرة، استعاد فيها تجربته مع جيل من الأساتذة الذين كانوا رمزا للعقل الأخلاقي الجامعي: «أتذكر عميد كلية الآداب الدكتور محمد قبلي، الذي استقبلنا بعد رفع الحظر عن أوطم، وفتح لنا باب الحوار الديمقراطي من داخل الحرم الجامعي. كان إلى جانبه عبد الكبير الخطيبي، ذاك المفكر الذي آمن بأن الجامعة هي حصن النبوغ المغربي. زمن كان فيه الأستاذ الجامعي قدوة، لا مجرد موظف برتبة «بائع ماستر».
أتمنى أن تكون هذه الفضيحة مناسبة لإعادة الاعتبار لقيمة الأستاذ الباحث، وحماية الجامعة من المندسين والمنحرفين الذين يريدون ضرب العقل المغربي في مقتل.»
أما الأستاذ أحمد مكاري، فكتب بحرقة من عاش خيبات التدهور خطوة خطوة:
«منذ افتتاح جامعة ابن زهر سنة 1984، كان النظام صارما. التصحيح كان يتم من طرف أستاذين، وتفتح الأوراق بحضور اللجنة. أما اليوم، فصار للماستر أسماء المنسقين، والولوج إليه يتطلب «النحاس» أو المحسوبية. لم أدرس في سلك الماستر قط، وكنت دائما من معارضيه في المجالس الجامعية.
ما وصلنا إليه اليوم لم يكن مفاجئا، بل نتيجة لمسار من التراخي والفساد المقنع، حتى انفجر في وجهنا كما نرى الآن.»
وكتب عبد الإله طلوع، بتحفظ قانوني عميق:
«التحقيقات الجارية توصف بأنها سرية، ومع ذلك تنشر أسماء على الفيسبوك، تنسب لوكلاء عامين وبرلمانيين وقضاة. يجب ألا ننزلق إلى فخ التشهير والاتهامات المجانية، فضررها أكبر من الفضيحة نفسها. الحقيقة ينبغي أن تبقى في يد القضاء، وكل تورط يجب أن يبنى على الحجة لا على الضغط السيبراني.»
ما يجمع هذه الشهادات، رغم اختلاف نبرتها، هو الوجع الكبير على الجامعة المغربية. فجميعها ترى في ما وقع بأكادير لحظة انكسار للثقة، وانحدارا خطيرا لمنظومة كان يعول عليها لإنتاج النخب القادرة على التغيير. فهل تكون هذه الفضيحة مناسبة أخيرة، لنفض غبار الصمت، وإطلاق إصلاح حقيقي يعيد للجامعة المغربية هيبتها؟ أم سنكتفي بإدانة فرد، لنتستر على شبكة أوسع من التواطؤ والخراب؟ الجامعة الآن في المحك، والكرة في ملعب الدولة والمجتمع معا، دفاعا عن آخر ما تبقى من العقل العمومي.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 23/05/2025