الجزائر… من أزمة إلى أخرى .. محاولة اختطاف تورط فيها النظام تفجر مجددا العلاقات بين الجزائر وفرنسا

 

في وقت يتصاعد فيه التوتر داخل الجزائر نتيجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، والجدل الداخلي حول الحريات، يجد النظام الجزائري نفسه متورطا في سلسلة أزمات خارجية غير مسبوقة، طالت فرنسا وامتدت لتشمل دول الساحل الإفريقي. فالقضية التي بدأت بمحاولة فاشلة لاختطاف مؤثر معارض على الأراضي الفرنسية، تحولت إلى أزمة دبلوماسية متفجرة بين باريس والجزائر، مع ما تحمله من اتهامات ثقيلة تمس السيادة والقانون الدولي، وذلك بالتزامن مع صدام مفتوح مع مالي، بعد حادث إسقاط طائرة مسيرة وتبادل قرارات الطرد وإغلاق الأجواء.
وفي هذا الإطار، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، أمس الاثنين، أن السلطات الجزائرية طلبت من 12 موظفا في سفارة فرنسا مغادرة الأراضي الجزائرية في غضون 48 ساعة، موضحا أن القرار يأتي ردا على توقيف ثلاثة جزائريين في فرنسا.
وقال بارو في تصريح مكتوب وجهه إلى الصحافيين: «أطلب من السلطات الجزائرية التراجع عن إجراءات الطرد هذه التي لا علاقة لها بالإجراءات القضائية الجارية في فرنسا». وأضاف: «في حال الإبقاء على قرار طرد موظفينا، فلن يكون لنا خيار آخر سوى الرد فورا».
وقال مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس إن من بين الأشخاص الذين تنوي الجزائر طردهم، موظفون تابعون لوزارة الداخلية الفرنسية.
تأتي هذه الأزمة على خلفية تورط النظام الجزائري في محاولة اختطاف أحد المعارضين؛ وعلى إثر ذلك جرى توقيف ثلاثة جزائريين، أحدهم موظف في قنصلية جزائرية، متورطون في العملية. ويلاحق الثلاثة بتهم التوقيف والخطف والاحتجاز التعسفي على ارتباط بمخطط إرهابي، وفقا لما أفادت به النيابة العامة الوطنية لقضايا مكافحة الإرهاب، مؤكدة بذلك ما كشفته فرانس برس من مصادر قريبة من الملف.
وقد وجهت إليهم أيضا تهمة المشاركة في مخطط إرهابي إجرامي. وقررت قاضية مختصة مساء الجمعة إيداع المتهمين، الذين تتراوح أعمارهم بين الخمسين والستين عاما، الحبس المؤقت.
وشدد مصدر مطلع على الملف في تصريح لوكالة فرانس برس على أن «مسألة الحصانة الدبلوماسية ستطرح خلال الإجراءات» القانونية، مشيرا إلى أن أحد المتهمين لا يحمل جواز سفر دبلوماسيا، بل جواز سفر خدميا.
وقد أفضى التحقيق إلى الكشف عن «أب أسرة» فرنسي جزائري «قريب» من الموظف في القنصلية، كما أن المشتبه به الثالث كان على معرفة بالشخصين الأولين. وقد قاد تتبع الاتصالات الهاتفية المحققين إلى القنصلية الجزائرية، بحسب مصدر قريب من الملف.
يذكر أن أمير بوخرص، المعروف بـ»أمير دي زد»، مؤثر جزائري يبلغ من العمر 41 عاما، يقيم في فرنسا منذ 2016. وقد طالبت الجزائر بتسليمه لمحاكمته، وأصدرت تسع مذكرات توقيف دولية بحقه بتهم الاحتيال وارتكاب جرائم إرهابية، وفي عام 2022، رفض القضاء الفرنسي تسليمه، ومنحه اللجوء السياسي عام 2023.
وقال محامي بوخرص، إريك بلوفييه، في تصريح لفرانس برس، إن موكله «تعرض لاعتداءين خطيرين في 2022، وفي مساء 29 أبريل 2024». وقد فتحت النيابة العامة في منطقة كريتاي، بضاحية باريس الجنوبية الشرقية، تحقيقا في الحادثين، قبل أن تتولى النيابة الوطنية لقضايا الإرهاب الملف في فبراير الماضي.
واعتبر المحامي أن هذا التحول في مسار التحقيق القضائي «يظهر أن بلدا أجنبيا، هو الجزائر، لم يتردد في تنفيذ عمل عنيف على الأراضي الفرنسية من خلال الترهيب وتعريض حياة إنسان للخطر». وأضاف أن توقيف عملاء مرتبطين بالنظام الجزائري وإحالتهم على القضاء يبين أن «أحداث 29 أبريل 2024 هي قضية دولة بامتياز».
بدوره، أكد وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، يوم السبت، أن «الوضع خطير للغاية»، مضيفًا أن القضية «قد تكون مرتبطة بعمل من أعمال التدخل الأجنبي»، تاركا للقضاء الكشف عن خيوطها.
وسبق لاسم بوخرص ورد في تحقيق آخر باشرته النيابة العامة الباريسية، حيث اتهم موظف في وزارة الاقتصاد الفرنسية، في دجنبر الماضي، بنقل معلومات عن معارضين للنظام الجزائري، من بينهم بوخرص. وبحسب النيابة، كانت هذه المعلومات تنقل إلى شخص يعمل في قنصلية الجزائر في كريتاي.
وأفاد مصدر قريب من التحقيق بأن بعض الأشخاص الذين نقلت عنهم هذه المعلومات، تعرضوا لاحقا لاعتداءات وتهديدات بالقتل أو محاولات اختطاف.
وتأتي هذه التطورات في ظل عزلة متزايدة يعيشها النظام الجزائري، إذ سبق أن قامت دول اتحاد الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) باستدعاء سفرائها المعتمدين في الجزائر، والتنديد بإسقاط طائرة مالية مسيرة داخل الأراضي المالية ليلة 31 مارس إلى 1 أبريل 2025، كما أن مالي أعلنت أيضا الانسحاب من لجنة الأركان المشتركة (CEMOC) وتقديم شكوى أمام الهيئات الدولية ضد الجزائر بتهمة الاعتداء.
وفي محاولة للهروب إلى الأمام، أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات القادمة من مالي والمتوجهة إليها، مبررة القرار بما وصفته بـ»الاختراق المتكرر للمجال الجوي الجزائري من قبل مالي». وردت مالي بالمثل، وأعلنت إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الجزائرية، المدنية والعسكرية، اعتبارا من يوم الاثنين 7 أبريل 2025، مشيرة إلى أن الجزائر «ترعى الإرهاب الدولي».
كما استدعت وزارة الخارجية المالية السفير الجزائري في باماكو، واعتبرت إسقاط الطائرة «عملا عدوانيا»، معربة عن أسفها لما وصفته بـ»تخلي الجزائر عن التضامن التاريخي بين الشعبين لصالح سياسات عدائية وتواطؤ مع جماعات إرهابية».
وتؤشر هذه الأحداث المتلاحقة على مرحلة غير مسبوقة من التوتر في علاقات الجزائر الخارجية، حيث لم يعد الصراع محصورا في الخطاب السياسي أو الملفات الدبلوماسية التقليدية، بل انتقل إلى مستوى الأفعال التي تضع النظام الجزائري في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي، ليجد النظام نفسه أمام عزلة خانقة وتراجع في شرعيته الدولية، خصوصا في ظل تصاعد الاتهامات بالتدخل في شؤون دول أخرى.


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي – وكالات

  

بتاريخ : 15/04/2025