ليس لي أَيُّ دورٍ بما كنتُ
كانت مصادفةً أَن أكونْ
ذَكَراً …
ومصادفةً أَن أَرى قمراً
شاحباً مثلَ ليمونة يَتحرَّشُ بالساهرات
ولم أَجتهدْ
كي أَجدْ
شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً !
(محمود درويش)
كان مصادفة أن ولدنا في أجسادنا. الجسد غلافنا الذي يقدمنا إلى العالم بهويات يحددها المجتمع. كيف يتعامل الكاتب/ة مع هذا المجسم الإجباري الذي وُجد فيه؟ هل ساءل يوما علاقته به؟ هل يمكنه أن يختار التدخل فيه لتجميله أو تحويله؟
ثم إن الكاتب/ة، له قدرة اختيار الجسد الذي يكتبه، فيتحول الأمر إلى نوع من المساكنة داخل هويات جنسية أخرى. هل يتدخل الكاتب/ة في هذا الاختيار؟ وهل يسمح للذات وهي تكتب أن تنزاح لستستقر داخل جسد مختلف عن جنسه؟
أذهب إلى ما ذهبت إليه الفيلسوفة الايطالية “ميشيلا مارزانو” في كتابها فلسفة الجسد حيث ترى أن علاقة الانسان بجسده تعود إلى الخطيئة الأولى، التي مازالت محفورة في الوعي والذهن الجمعي بفضل التنشئة الاجتماعية. كما أن الجسد تعرض لمختلف أنواع التعذيب، وتأرجح، بحسب الموروث والثقافة، بين المسموح والممنوع، بين المكشوف والمستور.
وقد كان الجسد موضوعاً لتأملات عدة اختلفت بحسب السياقات التاريخية والايديولوجيات، فلا تختلف علاقة المبدع بجسده كثيرا عن الشخص العادي: «إننا ما زلنا نصطدم اليوم بمواقف ايديولوجية، تختصر الجسد إما إلى حمل ينبغي التحرر منه، وإما إلى جهاز معقد خاضع لنظام من نقاط اشتباك عصبية، تحدد كل سلوك أو قرار إنساني».
نحن لم نختر أجسادنا ولا ألوانها إلا أن البعض لم يرض عنها فيحاول التعبير عن ذلك الرفض بأساليب مختلفة: بالرياضة وأنواعها مثل كمال الأجسام ليكتسب شكلاً آخراً للجسد، أو يترك هذا الجسد على حاله تستوطنه العلل والأمراض فيما يتجه البعض الى عمليات التجميل والوشومات فيتغيرشكل الجسده بما يحقق الرضى لصاحب الجسد.
إن الابداع استحث الجسد والتحم به تماما، فتجربة المسرح ساهمت في كشف خبايا الجسد، وأطلقت عنانه نحو التعبير الحر، ويعد المسرح والرقص تجسيدا حقيقيا للعبة الجسد.
كما أن تقبل الجسد لدى المبدع يكمن بلغة التأقلم التي تتواشج مع انتاجه الفني والأدبي، فينعكس ذلك التقبل والرفض على فحوى الابداع.
وبرأيي فإن تقبل الجسد كما هو ينضوي على سكينة الروح، فالجسد علامة إنسانيتنا وذاتنا.
فهل بمقدور المرء حقيقة، أن يضع الجسد على مسافة منه؟ لست مع الرأي الذي يرى الجسد مادة ينبغي قولبتها وفقًا لأهوائنا المتقلبة وغير المكتفية إطلاقا. فالجسد يتماثل مع الحتمية والصيرورة لذا يجب تقبله والتأقلم معه، بوصفه ركيزة جسدية لكل شخص ومستودع للتجارب الذاتية. لكنه يعتبر موضوعاً للاهتمام والملاحظة، والمعالجة، الطبية.
كيف نكتب الجسد؟
الجسد لوح الروح وانعكاس الذات والذات الموزعة وحيث يكمن التشظي تمكن المعرفة، وحين تمطر سماء الكتابة فإن الجسد يكون الارض الخصبة للتعبير عن خلجات الروح.
القاص والروائي يتخذ من الجسد تعبيراً حراً عن ما يريد البوح به، فيلج البعض الى الجسد ليعكس رؤاه من خلال الشخوص ووصف اجسادها، أما الشعر علاقته بالجسد علاقة خجولة وذلك لطبيعة الشعر ومتلقيه. فهناك من يكتب الجسد شعرا صارخا ايروتيكا ومن يكتبه على استحيا، انني اكتب الجسد بطريقة لا واعية بما لا يمس قناعتي حول الجسد المقدس.
أكتب بما يتناسب مع جمالية الجسد وصوغه الآخذ، ربما لا أتطرق إلى تضاريس الجسد إلا ضمن الفروقات الجنسانية فأنا أميل الى ما قاله سبينوزا: بأن «النفس والجسم هما فرد واحد وذاته منظورًا إليه تارة، تحت صفة الفكر وتارة تحت صفة الامتداد» فمجمل الكتابة عن الجسد هي الكتابة عن الذات.
اختلاف كتابة الجسد بين الذكر والانثى؟؟
الكتابة فعل بينوي تفكيكي لا أرى التصنيف الجنساني في فعلها مهما، لكن في ظل الوعي الجمعي والموروث في مجتمعات تعتبر الأنثى جسدا لإفراغ الرغبات الذكورية، فالكتابة عن الجسد من قبل الذكر تختلف عن الأنثى من حيث الدلالة والتلقي، بيد أن حرية الكتابة تمنح الكاتب ذكراً وانثى فضاءات ومسالك لكتابة الجسد بالطريقة المتناسبة مع متغير الجنس.
كاتب. اليمن-المغرب