ظلت الفكرة القائلة بوجود هوية جنسية أصلية أو أولية، موضوع محاكاة ساخرة،حيث أضحت الهوية الجنسية موضوعا للأسلبة stylisation،من خلال فعل التحول الجنسي، عبر مختلف تجلياته وتمظهراته (1). لقد اعتبر دعاة النسوانية، هذه الهويات الساخرة مبتذلة وساقطة، فهي تتحرك، وفقهم، داخل استعادة لخطاطة ثنائية نمطية قائمة: (ذكر/ أنثى)، وعاجزة عن الحفاظ على مسافة نقدية معها. غير أن العلاقة بين «التقليد» و»الأصل» هي من التعقيد والتركيب والأهمية بمكان، مما يحول وأن ينسينا، إياها، النقد النسواني . والأكثر من ذلك فإن هذا الأمر، يقدم فكرة عن الطريقة أو الكيفية، التي تكون بها العلاقة بين الهوية المسماة أولية (أقصد وضعا أصليا يتم إسناده للجنس فهو إما ذكر أو أنثى) والتجربة الموالية، قابلتين لإعادة التشكل والصياغة.
يراهن الانجاز، في إطار تجربة le dragعلى التمييز بين الخصائص الفيزيولوجية للشخص الممثل، القائم بعملية الانجاز performance من جهة، والجنس موضوع الإنجاز من جهة أخرى . لكن نحن في الحقيقة، في هذه الحالة، أمام ثلاثة أبعاد عرضية للجسدية الدالة: فهناك العضو الجنسي ثم الهوية الجنسية وأخيرا الإنجاز والتحقق، في إطار جنس ما. فإذا كانت فيزيولوجيا القائم بعملية التمثيل أو الانجاز، هي مسبقا مختلفة عن الجنس، موضوع (التجربة الجديدة)، وإذا كانت فيزيولوجيا وجنس هذا الشخص، هما مختلفان عن جنس الانجاز، فإن هذا الأمر يخلق تنافرا، لا فقط بين العضو والجنس، ولكن كذلك بين الجنس والإنجاز. فإذا كان الإفراط في إبراز المحاسن في حالة le drag ينتج صورة موحدة ونمطية عن المرأة (هذا ما ننتقده غالبا)، فإنه يكشف كذلك عن جميع مظاهر التجربة المجنسة، التي هي، اصطناعيا، مطبعة (من الطبيعة) الى وحدة من خلال الخيال المنظم للانسجام (المرتبط بالتقابل الجنسي رجل/امرأة).
تكشف، على نحو ضمني،عملية الإفراط في إبراز محاسن الجنس، في إطار عملية تقليد الجنس ومحاكاته، البنية المحاكاتية للجنس نفسه وكذلك عرضيته. وبالتالي فإن جزءا من اللذة المقترن بالدهشة والدوار، داخل عملية الانجاز، هو مرتبط بالاعتراف بكون العلاقة بين العضو الجنسي والهوية الجنسية، هي عرضية بالكامل، تجاه التشكيلات الثقافية التي قد تكتسيها الوحدات السببية، المفترضة طبيعية وضرورية. فبدل قانون الانسجام التقابلي ( امرأة/رجل) نلاحظ العضو والجنس، وقد خضعا لتحول طبيعتهما، عبر إنجاز يعترف بوضوحهما، ويعمل على بناء صورة للآلية الثقافية الصانعة لوحدتهما .
لا تقتضي الفكرة التي أدافع عنها هنا، أي الجنس باعتباره محاكاة ساخرة، وجود أصل، تتم محاكاته من طرف هويات ساخرة كهذه، فالباروديا ترتبط في عمقها، بفكرة ومقولة الأصل ذاته، على نحو ما يحيل عليه مفهوم الهوية الجنسية، باعتباره استيهام الاستيهام، في أدبيات التحليل النفسي (اختراق وجه الآخر الذي هو دائما وجه بمفهومه المزدوج). تكشف المحاكاة الساخرة على أن الهوية الأصلية، التي يتشكل الجنس من خلالها، محاكاة بدون أصل. وحتى نكون أكثر دقة، نقول إننا أمام إنتاج ترتبط إحدى تابعاته باعتباره محاكاة. يجعل هذا التأرجح وعدم الاستقرار،الدائمين، من الهويات شيئا رخوا ولينا، مما يسهل تطويعها داخل سياقات جديدة .
كما يمنع هذا الانتشار الساخر للهويات الثقافية المهيمنة، وكذلك منتقصيها، من إقامة هويات مطبعة أو جوهرية. إن دلالة الجنس، وبعد أن تمت استعادتها من قبل هذه الأساليب البارودية، تساهم في إرساء ثقافة كارهة للنساءculture misogyne، إلا أنها (أي دلالة الهوية الجنسية) ليست أقل تعرضا للتجريد من الطبيعة، مقارنة بالمحاكاة الساخرة التي تعمل على إخراج شروط إنتاجها. إن هذه المحاكاة باعتبارها خلخلة لدلالة الأصل، فإنها تعمل على محاكاة أسطورة الأصل ذاتها.
Judith buttler) trouble dans le genre pour un feminisme de la subversion(,1990 traduction de cynthia kraus la decouverte ,2005
الجسد في الثقافة الغربية 13- عندما يصبح الجنس موضوعا للمحاكاة الساخرة

الكاتب : ترجمة : د. محمد الشنقيطي
بتاريخ : 09/04/2025