الجشع والأنانية وتكديس المال..

كتب الروائي المغربي «الطاهر بنجلون» عمودا «قاسيا» لكنه يحمل في طياته نظرة توقعية لمستقبل الحياة في المغرب تزامنا مع غلاء الأسعار المتفاقم، حيث لا يبدو أن الحكومة الحالية تأخذ الوضع على «محمل الجد»، متسائلا من لدنه:»هل الحكومة على علم بكل ما يقع؟» ،»هل سيأتي اليوم الذي يتنازل فيه وزراء الحكومة ليقوموا بجولة تفقدية لأسواق المملكة، ليعيشوا في جلباب المواطن المغربي، أم أنهم سيوكلون هذه المهمة لسائقيهم أو خدمهم؟»…
إن التساؤلات كثيرة، وهمومها ثقيلة، غير أن الضرورة تستوجب أن يتقدم أحدهم لتنبيه هؤلاء أو حتى «قرص» أذنهم لكي يستيقظوا من سباتهم!
لم يعد بإمكان عموم المواطنين تحمل تكلفة هذا الجشع ومص الدماء وغلاء الأسعار الذي يؤثر على معيشهم اليومي.
في تعريف القاموس اللغوي، فإن كلمة(Rapacité) تأتي لتصف «شخصية من يحرص على إثراء نفسه»، ولها مرادفات عدة من قبيل»الجشع» و»مصاص الدماء». يقول «الطاهر بنجلون» إن: «الكلمة خطرت لي على الفور عندما اكتشفت في بداية هذا الصيف، كيف أصبحت المعيشة والحياة باهظة الثمن في «أجمل بلد في العالم»».
ويردف:»لقد تضاعفت أسعار السلع الأساسية (جلها تقريبا) مقارنة بالعام الماضي، تزامنا مع ارتفاع تكلفة المعيشة والتي لا تتناسب مع وضعنا العام، وكما لو كنا نشكل قوة اقتصادية حيث يمكننا العيش دون أن نكترث لكثرة المصاريف».
تعاني الأسر المتواضعة – إن لم نقل الفقيرة – في صمت، ويشعر الناس بـ «المهانة» و»الحكرة» و»قلة الحيلة» في حياتهم اليومية عندما لا يستطيعون شراء الفاكهة لأطفالهم، حتى أنهم بالكاد قادرون على شراء اللحوم والدواجن والخضروات، وليس كل يوم أو كما اعتادوا عليهم في السنوات الماضية.
*كيف آل حال المغاربة إلى هذا الغلاء؟
من وجهة نظره، يرى «الطاهر بنجلون» أن الأمر بعيد عن تسويق حجج من قبيل «الندرة في المنتجات»، حيث إن الأسواق المغربية تعرف وفرة من حيث العرض والمنتجات، إلا أن النقطة المحورية تكمن في «المبالغة في أسعار هذه المنتجات، أو بحجة غلاء سعر اللتر الواحد من الوقود – المحرك المباشر في نقل السلع والمساهم في صعود أثمنتها»– فمقارنة بأوروبا، ندفع في المغرب (تقريبا) نفس سعر اللتر الواحد من البنزين (14.58 درهم مقارنة ب 1.9 يورو في أوروبا)، غير أن المفارقة تكمن في الهوة الواسعة جدا بين القدرة الشرائية الأوروبية ونظيرتها المغربية، والتي لا تقل عن 3 أضعاف القدرة الشرائية لدى المغاربة.
إننا نعيش وضعا خطيرا وعلى صفيح ساخن. وفيه، قام الموزعون الكبار بتقسيم واحتكار السوق بينهم ، وفرض أسعار تضمن لهم هامش ربح مريح جدا، وهم فيه يفعلون ما يحلو معهم دون رقيب ولا حسيب على تحركاتهم، ولا أحد يسيطر عليهم أو يجبرهم على احترام الحالة المتدهورة للمستهلك المغربي..يحضرني كثيرا زمن كان فيه التحكم في الأسعار قائما، إذ منذ أن اختار المغرب الاقتصاد الليبرالي، حلت «الحرية» محل «التقنين» و»السيطرة» .
وعليه، فإن الفارق بين الأغنياء وزيادة ثرائهم مقارنة بعامة الشعب آخذ في الازدياد، وهو حال إيجابي بالنسبة لهم. ويبقى السؤال:»كيف يمكننا تخفيف معاناة أولئك الذين يعيشون بأجور منخفضة والذين لا يستطيعون تغطية نفقاتهم؟». وعلى غرار تساؤل الكثيرين: «ماالذي يدفع الحكومة المغربية لمعاملة الشعب المغربي بهذا الأسلوب؟»، وأيضا»ماذا يفعل أعضاء البرلمان الذين من المفترض أن يمثلوا مصالح أولئك الذين انتخبوهم؟» حيث إن العديد منهم يعملون في التجارة بدلا من إيصال كلمة ممثليهم!..
كل ما طرحه الطاهر بنجلون إلى الآن، كان من أفواه المغاربة التي لا يمكن تكميمها أو إسكاتها، والتي ينبغي على المسؤولين الإنصات إليها والاستماع لها بعناية. ففي كل مكان تقريبا، يشتكي المغاربة من ثقل المعيشة وهم في ذلك على حق. نعم، هم في الوقت الحالي يتحدثون فقط، غير أن الضمانة في استمرار الحديث دون الإقدام على الخطوة المقبلة غير مضمونة، حيث أن الوضع خطير وسيأتي معه اليوم الذي سنفقد فيه لا محالة السيطرة على أي شيء.. وكما أخبرني موظف بأحد المقاهي: «في يوم من الأيام، قد تنفجر فقاعة الصمت هذه»..
يقول «الطاهر بنجلون»:»أن تحكم هو أن تتنبأ». ومع ذلك، لا يبدو أن (الحكومة الحالية) تأخذ الوضع على «محمل الجد» وإنها- مع وزرائها – تعيش في «أرض الأحلام»أو «خارج الواقع»، إذ لم يعد بإمكان الشعب تحمل هذا الجشع الذي يثقل كاهلهم.
قد يقول لي البعض «لم لا يلحقون أبنائهم بالمدارس العمومية!». نعم، هي وجهة نظر، لكن في بعض الأحيان لا تكون الأمور بهذه البساطة.
«أنا من مناصري المدارس العمومية، وأدافع عنها بشراسة إن اقتضى الأمر، لكن في بعض الأحيان يمارس المعلمون حقهم في الإضراب أو غالبا ما يتغيبون عن مقاعد عملهم، وعليه نقيس أمورا أخرى من قبيل الصحة والتطبيب.. لقد تحسن وضع المستشفيات العامة لكن «الوصول المجاني» ليس مضمونا بنسبة 100%، وخاصة مع كثرة المصحات الخاصة التي تنتشر بسرعة قياسية.
لقد تحول الربح في هذا المجال، من المستوى الطبيعي الى ما يتجاوز حدود المعقول. يصدق نفس القول على مختبرات التحليلات الطبية، التي تفرض رسوما وزيادات مالية وضريبية تقارع نظيراتها الأوروبية، من دون خجل أو ضمير حي، في ما يشبه قصة الإوزة التي تبيض ذهبا.. وعلى هذا المنوال، يمكننا أن نستمر في رسم خطوط لوحة مجتمع في طور فقدان مكانته، يقوضه الفساد والجشع والأنانية وحماقة تكديس أكبر قدر من المال».
وأردف بنجلون قائلا:»لا أريد لبلدنا، أن يحذو حذو «مصر» أو بعض البلدان الأفريقية، والتي كانت هويتها دائما هوية «الرصانة» و»الاعتدال» و»التضامن» وبعض «التواضع»..
يلعب المال السهل دورا سلبيا – خاصة في مناطق الشمال – غير أن الوقت قد حان للرد، لكي تتوقف الحكومة قليلا وتضع النقاط على الحروف وسط كل هذا الكم من الفوضى التي تخاطر بالتحول إلى «انفجار اجتماعي»مستقبلي لا يمكن السيطرة عليه أو التحكم في مآلاته.
إن هذا الوضع (الحالي) يشجع على تشعب الفساد، وكلنا نعرف ذلك، فلم يعد هناك من المحرمات المطالبة بالمال ضد حق مشروع، أو لم يعد يختفي المرتشي خلف ستارة تقيه نظرات الغير الساخطة، حيث بات اللعب بمصالح الأشخاص من أجل المال مكشوفا على طاولة المقابلات..
في الماضي، كان يكفي أن تحرك أصابعك بإيماءات تخص المال، واليوم يطلب منك ذلك مباشرة (دون حرج أو خجل أو احتياط) بجمل من قبيل «ستحصل على مبتغاك عند إيداع هذا المبلغ».
في الأخير، لا يخفى على أحد أن معظمهم يعيش كما «الطيور الجارحة» في السماء، حتى يقتات على فريسة أبت أن تلتحق بركبهم مخافة ذنب يثقل كاهلها حتى وإن عاشت بين ظلمات الضيق وصعوبات الحياة..

عن موقع le 360


الكاتب : بقلم :الطاهر بنجلون ت :المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 20/09/2024