الجمعيات الجغرافية الفرنسية في مغرب الحماية

 

 

عَملت الجمعيات الجغرافية في جُل دول الاستعمار على ترجمة انشغالات الإدارة الاستعمارية. تُظهر الأعداد الجغرافية المنجزة حول المغرب منذ 1921 حقيقة هذا الاستنتاج، إن على مستوى تتبع مستجدات الغزو العسكري، أو على مستوى تحليل ومعالجة المعطيات الإدارية. يتعلق الأمر هنا بفريق ضخم من الباحثين الجغرافيين الذين ينتمون إلى تخصصات متنوعة، مسنودين بفريق من العسكريين الميدانيين بالإضافة إلى متخصصين في مجالات المناخ، النبات، الجيولوجيا، الاقتصاد والسياحة… .
الحاصل أننا إزاء عطاء جغرافي متنوع، سواء من حيث الكم، أو من حيث القيمة العلمية يصعب حصره في شبكة دقيقة.
ما يهمنا بالأساس في هذا المقام بعد الجرد والتصنيف هو محاولة التركيز على المونوغرافيات الإقليمية والدراسات التقنية اللت تعتبر ثمرة البحث الجغرافي الوظيفي. الصنف الأول عَمد إلى تجميع المعطيات المجالية وتحليلها، والثاني انشغل بوصف الأشكال الهندسية، والمنشآت المائية، وأشكال السواقي وتقنيات الفلاحة المحلية …وانتهى إلى توصيف اعتلالات الإنتاج المغربي . وهكذا، زودت المعرفة الجغرافية الإدارة الاستعمارية بأدوات تقنية وعملية لتجاوز الإشكاليات المرتبطة بالمناخ والتضاريس والإنسان، وأحيانا نبهتها إلى تغيير نمط الإنتاج .
من ضمن الأبحاث التي يمكن أن نُدرج ضمن الصنف الثاني بحث الجغرافي جان سيليريه المعنون ب: Profils en long des cours d’eau marocains. وهو عمل هام من زاوية البحث، عمد من خلاله سيليريه إلى جرد وتفصيل أهم المصادر المائية في المغرب رصدا خرائطيا، لكنه في مقابل ذلك، شأن جُل جغرافيي المرحلة. لا يتوانى سيليريه التلميح في عدة أبحاث موازية إلى عجز المغربي عن تطوير خبراته المائية، والاستفادة من مخزونه المائي. وهناك أبحاث أخرى ركزت على فكرة الاستمرارية في المجال، واعتبرت أن وجود فرنسا تتمة لوجود روما. بين روما وفرنسا كان هناك قوس الهجرات الهلالية العربية التي دمرت بنية الإنتاج الفلاحي، وأحالت تاريخ المغرب على الفوضى والتسيب .
وظفت المعرفة الجغرافية في مشاريع التهيئة المجالية، وتشييد البنيات التحتية المائية، وتزويد المعمرين الجدد بمياه السقي.
لا غرابة أن يراهن هوبير ليوطي على تقارير الجمعيات الجغرافية ضمن مشروع الحماية. عمليا تأسست أول جمعية جغرافية في المغرب سنة 1916، وقد سبقت تأسيس المعهد العالي للدراسات المغربية 1920، والمعهد العلمي الشريف 1921 . وقد تحددت مهمتها في تبرير مشاريع الاستعمار، وتحديث المستعمرات، وتعزيز النفوذ الاستعماري…قاد هذا المشروع جغرافيان من طراز خاص، جان سيليريه Jean Celérier وجورج هاردي George Hardy، وحده الاسم يشير كما قال الباحث المغربي أحمد الغرباوي إلى مؤسس ما سمي ب»جغرافيا الأركان العليا «.
يُمثل هذا النموذج عن حق حلقة التقاء العلم والتقنية والاستعمار. ضمن هذا الصدد يمكن أن نستعيد مقولته الشهيرة: «…الجغرافيون هم أكثر موظفي إدارة الحماية اتصالا بالبلاد والسكان والأهالي، وبضباط المصالح الاستعلامية، والمراقبين، وتقنيي المصالح الفلاحية، والأشغال العمومية… «. انصبت جُلُّ اهتمامات هذا الجغرافي على مواضيع وانشغالات مغربية صرفة.
منهجيا لا نجد صعوبة في تصنيف أبحاثه ضمن رؤية المدرسة المشهدية/ اللاندسكيب الألمانية، أو ما يسمى ب «الجغرافيا المُشاهدة». قادته تحرياته الميدانية إلى الوقوف عند حقيقة النزاع حول الماء في المغرب بين أهل الجبل وأهل السهل. على هذا الأساس، صاغ سيليريه سؤالا عكس طموحات الإدارة الاستعمارية: كيف يمكن إقناع هؤلاء الفلاحين الهائجين، بأن الماء يجب أن يُخزن لسكان السهول، الذين ليسوا سوى أعدائهم التقليديين ؟.
ركز سيليريه على مسألة الغنى المائي لجبال الأطلس التي يجب أن تظل تحت سيطرة الإدارة الفرنسية.
من جهته، دافع جورج هاردي عن ضرورة تكوين الأطر الإدارية الفرنسية تكوينا جغرافيا، وعلى أهمية تمكينها من الأدوات العلمية والتقنية لحل الإشكاليات الكبرى التي تعتري ميدان الاشتغال.
ينبني هذا التكوين على إعداد مصوغات تكوينية ودلائل إرشادية تساعد على تيسير العمل الإداري.


الكاتب : عبد الحكيم الزاوي

  

بتاريخ : 26/03/2025