عالم السحر عالم مليء بأشياء قليلة نعتبرها حقيقة وفيه كثير من الأساطير والخزعبلات ، اختلط فيه الديني (الإيماني) بالأسطوري والخرافي. وخيارنا للخوض فيه ليس من باب الترف الثقافي، ولكن، لكوني شخصيا ـ أريد أن أفهم ـ قبل أن أحاول الإجابة عن تساؤلات الطلبة أولا، وثانيا، لكوننا ـ نحن المغاربة عموما ـ غالبا ما ننعت من طرف المشارقة بالسحر، وننعت كمغاربة1 ـ مغاربة المغرب الأقصى خصوصاـ بهذه الظاهرة. وفي المغرب ينعت به أهل منطقة سوس من المغرب الجنوبي المتاخم للصحراء ويشار إليهم في هذا الصدد بالبنان.
وأنا بطبعي أحب أن أبسط الأمور، وأقتحم المجالات غير المعروفة لديّ، أحاول استقراء النصوص بمنهج أهل التخصص (في التاريخ والدين والأنثربولوجيا والأدب والثقافة الشعبية عموما .. ) لكي أنوّر نفسي أولا، ولأجل تقريب الموضوع و تبسيطه للمتعلم، ولكل من أراد البحث في المجال، ثانيا.
هدفي دائما ـ إن كان ممكنا ـ هو إجلاء الغامض من الأمور عن طريق معرفة رأي المتدخلين في موضوع معين بمختلف مشاربهم و اختلاف تخصصاتهم، حسب ما أراه .. و ليصحح لي ذوو الاختصاص ، كلٌّ في مجاله حسب رأيه و رؤيته ..
و لأصدقكم القول ، فقد جاءتني الفكرة عندما شاهدت إعلانا تلفازيا عن الشيخ المغربي (الذي يسترد الحبيب ويرُدّ المطلقة (والناشز) ويزوج العانس .. و ربما يُجمّد الماء ) و تساءلت عن تلك النظرة المشرقية عموما لمواطني المغارب (جلهم) بكونهم مهووسون بالسحر و السحرة، وهو الأمر الذي لم أتقبله ولم أستسغه، فما أعلمه هو أن السحر ارتبط ببابل فما الذي جعل المغرب يشتهر به . وبالرغم من أننيمغربي وأعيش بينهم بصفة دائمة ، ولأصولي السوسية، لم أر يوما من يذهب إلى ساحر أو دجال إلا من باب التداوي بالأعشاب أو ما يسميه البعض الطب النبوي ويسميه آخرون الطب البديل. و كباقي البشر ـ الذين أعتبرهم عاديين ـ فإني أسمع فقط عن بعض الناس(وربما هناك من يفع لذلك ـ حتى من معارفي ـ إلا أنهم يتحاشون الحديث عنه) فلا(أنا) ذهبت، ولاذهب أحد معارفي ـ على حد علمي ـ و إنما ـ كما الجميع ـ سمعت، أو قيل وقال، وحدثني فلان عن فلان عن علان .. دون مشاهدة عينية أو حضور. اللهم معاينتي الشخصية لليالي كناوة (والشوافات) أحيانا، وزيارتي لبعضهن للوقوف عن كثب بما يقمن به (وهن غير سوسيات، كما صرحن، إلا واحدة) ، ورؤية المواد المعتمدة في إطار علمي محض. (و كم من مرة طردت طردا).
تقديم لابد منه
يقول أحدهم: قد يستفيد الجميع من نعمة الكهرباء، سواء كان المرء على علم بكيفية تحويل قوة الماء في توربينات السدود إلى كهرباء أم غير عالم بذلك، أي دون تفريق بين إنسان بسيط جاهل بكيفية تحويل قوة الماء إلى كهرباء، وبين العارف بكيفية التحويل، فالاستفادة من الكهرباء (النور) تعم الجميع . هكذا إذن نقيس كل شيءعلى ذلك،فالفقه والتفسير والحديث .. والعلوم الدينية عموما ستفيد العالم كما ستفيد الجاهل بها.. وقد يتساءل سائل: وما علاقة الكهرباء بالحديث ؟ و يقول قائل: إن المثل غير موفق، وغير ملائم للموضوع .
أنا مع هذا ولكن مسألة المثال أوردته للكلام عن الاستفادة التي يجنيها المرء من الكهرباء سيستفيد منها لا محالة ولا يطرح تساؤلات إلا إذا كان هناك خلل ما . ونفس الشيء بالنسبة لعلم الحديث ـ مثلا ـ فالأسئلة لا يطرحها المرء إلا في حالة وقوع خلل ما ولم تعد منسجمة مع ظروفه أو ظروف المجموعة البشرية التي ينتمي إليها إن اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا . أي حين يكون المعتقد غير منسجم مع الواقع.
هذا من جهة .. و من جهة ثانية .. وددت لو أصادف ضمن علماء الأمة من يقول لا أعلم فأغلبهم عارفون بشيء غير مثبت لا بالقرآن ولا بالسنة ، وإنما العلم به من باب الاجتهاد الشخصي. وفي أفضل المخرجات ما قاله السابقون ـ إن ثبت عنهم أنهم تكلموا في الموضوع دون يبثوا فيه . وبما أن المؤمن ليس كذابا، لأن له في المعاريض مندوحة من الكذب، فقوله « لا أعلم و العلم عند الله « ليس انتقاصا من شخصه بل ينزه نفسه أن يتكلم بما ليس له علم به. و الكذب (إن سميناه ذلك) (ليس بنِيَّةِ الكذب دائما) فهو أمر وارد نظرا للالتباس الذي يمكن أن يسقط فيه الانسان،وقد يقع ذلك في الأمور الملموسة، فما بالك بالأشياء المجردة أو غير المحسوسة.
سأعطي مثالا قصد الفهم أكثر. تصور شخصا يقف متكلما أمام جمهور، ويتحدث بطريقة عادية ،وسيذكر ضمن كلامه كلمة (قلم / ق ل م) وهي شيء محسوس (مرئي و ملموس)، المتلقون الذين ينصتون له سيدركون علاقة الدال بالمدلول أوتوماتيكيا بالنسبة لمن يفهم العربية الفصحى ، فالقلم معروف للقاصي والداني ـ رغم العلاقة الاعتباطية التي تكون بين الدال والمدلول كما يقول اللسانيون ـ ولكن سيتصور كل واحد من المتلقّين ذلك القلم حسب تجربته الخاصة، وسيتمثل القلم في ذهنه بطريقته .. فهناك مثلا من يتصور ذلك كقلم حبر سائل وهناك من يتصوره كقلم حبر جاف والذي مر من تجربة الكُتّاب (المسيد) قد يتصوره يراعا من قصب، وهناك من يتصوره قلم رصاص .. إلخ . تخيلوا أنه سيكون هناك اختلاف كبير في تمثل شيء مادي محسوس، فما بالك بشيء مجرد أو غير محسوس ؟ كَلَوْ نطق الخطيب ـ مثلا ـ بكلمة (حرية أو ديمقراطية )، فالاختلافات ستكون كبيرة بين المتلقين لأن تمثلاتهم ستختلف وتتباين ..
وأنا أستغرب من يتحدث عن أشياء غير ملموسة بطريقة يقينية كما يفعل بعض العلماء (الفقها) في أشياء غير مرئية « تتعلق بما دون الله» أشياء ما ورائية ولم يفصل فيها لا القرآن ولا الحديث النبوي (الصحيح). كل هذا حتى لا يبدو (الشيخ/ الفقيه) عاجزا في نظر العامة رغم أنه سيزداد مقامه كِبَرا في نظرنا .. بل حتى ما يسمى بالعلوم المادية الصرفة (حتى لا نقول العلوم الحقة) قد يكون فيه ضبابية بخصوص بعض المواضيع فلا يمكن أن يجيب العلم ـ وهو لايزال في طور البحث) عن كل الأسئلة في البحوث الجذعية والثقوب السوداء وأعماق المحيطات ، بل والجانب العصبي في دماغ الإنسان.. لذلك أحترم الذين يتكلمون عن أشياء مُختلَف ٌ عنها وحولها حتى إذا انتهوا ذيلوا أقوالهم بعبارة :و الله أعلم. بمعنى أنني أدلي بدولي في المسألة وأعطي رأيي دون أن أنزه نفسي ، فهكذا فهمت المسألة انطلاقا مما قرأت في القرآن « فلا يعلم تأويله إلا لله «.