الحاجة إلى استراتيجية لحماية المناطق الرطبة بالجهة : إفلاس مائي بجهة بني ملال خنيفرة بسبب ندرة التساقطات المطرية والثلجية

 

يعتبر حوض أم الربيع من بين الأحواض المائية الغنية والفقيرة مائيا في نفس الوقت، بفعل وجود العديد من مصادر الثروة المائية من جيوب، ووديان، وعيون آبار، وفرشة مائية قد تصل حقينتها حد التخمة، إذا ما وردت بمياه الأمطار والتساقطات الثلجية الكافية.
مع توالي ما يمكن تسميته تجاوزا بالجفاف الذي يعتبر معطى طبيعيا مكعب التداعيات السلبية على كل أوجه وأنماط الحياة بالمنطقة، باتت الأرض تنطق جفافا، والتربة قهرا، بسبب شبح الإفلاس المائي الذي تعكسه الأرقام والمؤشرات المرتبطة، فحتى الأشجار والنباتات التي كانت ممانعة وقاهرة للإجهاد المائي والخصاص المهول في ريها وسقيها، قد استسلمت للمعطيات المناخية الجديدة، ولم تعد تورق من جديد، أما الباقي فهو عبارة عن أرض جرداء قاحلة أو إنباتا مصفرا، وباهتا، ومحدود النضارة.

عجز متواصل وبيئة متضررة

وتظل بعض المعطيات الرقمية والمؤشرات العميقة من حيث الدراسة العلمية تنذر، بل وتزيد من عمق الأعطاب المتواترة في مجال الموارد المائية ومخزون رصيدها، فالعجز المائي بصفة عامة قد يصل إلى ما فوق 85% ، وهو ما تؤكده مؤشرات نسبة الفرد من الأمتار المكعبة والتي انخفضت بشكل متسارع إلى مستويات تدعو بالفعل إلى الخوف والتأمل والعمل والإبداع في إيجاد الحلول الفعالة والممكنة. إذ تم تسجيل سنة 1960 توفر الفرد الواحد على رصيد 2500 متر مكعب من مخزون الماء، وبعد ستة عقود موالية بلغت حسب الدراسات إلى ما دون 500 متر مكعب للفرد، وهو معطى لا يثير القلق فقط، بل يستوجب فرملة حادة للتوقف عن استعمال أساليب غير علمية ومدروسة، بل أحيانا اللجوء إلى تدابير قد لا تخلو من أساليب ذات طابع فلكلوري لحظي، غير محسوب النتائج.
وضعية تفرض اليوم أكثر من وقت مضى على صناع القرار، اتخاذ إجراءات ومخرجات تشريعية كفيلة بضمان أمن مائى بشكل مقنن يلبي حاجيات المواطن من هذه المادة الحيوية، بطرق مستدامة وآمنة على الموارد المائية، وتضمن الحفاظ على طبيعة الجيوب المائية ومعالمها الداخلية المغذية للفرش والأثقاب والعيون والأودية، وكافة المخازن الجوفية والسطحية، مع التعامل بشكل مغاير مع المناطق الرطبة وحمايتها من اندثار بيئي وتقلص مساحتها ومقوماتها الإيكولوجية لنسب قد تصل إلى ناقص 90%.

آبار تعمّق الأزمة

تؤكد المعطيات الرقمية انخفاض المخزون المائي بشكل مهول على الصعيد الوطني من 18 مليار متر مكعب إلى حوالي 3,5 مليار متر مكعب، رغم مجهودات الدولة في إحداث وتهيئة وتجهيز روافد وممرات بإمكانيات هيدروفلاحية قد تستنزف المخزون من منطقة على حساب أخرى، وهو وضع تضامني لا يخلو من تدبير قد يستحسنه الجميع، إذا ما توفرت كافة شروط تزويد وتطوير الموارد المائية الأصلية، الأمر الذي يفرض كل من موقعه العمل على الرفع من منسوب الوعي بأهمية تدبير اقتصاد الماء، وإعلان حالة طوارئ قصوى بهدف تعبئة المؤسسات والأفراد لتحقيق غرض تمليك الماء ووجوب الحفاظ عليه وحسن استهلاكه.
وتظل جهة بني ملال خنيفرة من المناطق الأكثر تضررا بسبب ندرة المياه، التي بلغت حد العجز الكبير، الأمر الذي خلق لدى المواطنين قلقا متزايدا من شح السماء وشح الموارد المائية، حيث ارتفعت نسبة شح الموارد المائية وواردات مياه السدود من نسبة 63 % موسم 2019/2020 إلى ما يفوق نسبة 80% مع توالي سنوات الجفاف وندرة مياه التساقطات واستنزاف المياه السطحية والجوفية على حد سواء.
وتدعو حالة الطوارئ التي تم الإعلان عنها، العمل على اعتماد تدابير عقلانية في مجال تدبير واقتصاد الماء، وحماية الموارد المائية، وإحداث أخرى جديدة مستدامة وأكثر نجاعة في الاستهلاك الاقتصادي، لتفادي تأثير هذه الوضعية على الأمن الغذائي بالمغرب وبالجهة على وجه خاص. وتعيش جهة بني ملال خنيفرة وضعا صعبا بسبب توالي سنوات الجفاف وندرة التساقطات وهو ما أدى بشكل مباشر إلى مواجهة صعوبات مكعبة في تأمين حاجيات المناطق الأكثر تضررا من هذه المادة الحيوية، أخذا بعين الاعتبار عوامل أخرى أدت إلى هذا الوضع كما هو الشأن بالنسبة لعدم نجاعة بعض المقاربات الفلاحية في استهلاك الماء والذي يصل إلى حوالي 90% من الموارد المائية، بالموازاة مع مشكل اعتباطية استعمال مياه الري، ومشكل الهدر المائي، مع هيمنة الطرق التقليدية في كل مراحل عملية السقي، دون أن ننسى ما تتعرض له المياه السطحية أو مياه الفرشات المائية الباطنية من استنزاف كبير بسبب الحفر الإرتوازي غير المقنن والمرخص، وقد بلغت نسبة حفر الآبار الغير المرخصة إلى 91% وهي النسبة التي تزيد من عمق الهوة بين المخرجات التنظيمية لقانون الماء 36.15 وتنزيله بل إخراجه إلى حيز الوجود.

فلاحة تئن وحلول مستعجلة

وبما أن 87% من المساحات الزراعية ذات طابع بوري، فإن كل العوامل السالف ذكرها، تنعكس سلبا على مردودية الإنتاج الفلاحي، وما يرافق ذلك من تداعيات هامة مرتبطة بارتفاع الأسعار، وتراجع نسبة النمو الإقتصادي، إضافة إلى تقلص نسبة فرص الشغل، وتحفيز عملية النزوح الريفي، فضلا على تغير نمط استهلاك الماء وشبح العطش بجل مناطق جهة بني ملال-خنيفرة.
وتعرف الجهة بل وتعيش بشكل متواصل عمق الأزمة الهيكلية لظاهرة الجفاف على إيقاع تنازلي غير مسبوق، تزداد وتيرة تداعياته السلبية الكبيرة يوما بعد يوم، أمام انعدام التساقطات المطرية والثلجية بأرقام ونسب جد متدنية، كذلك على مستوى حقينة السدود والأحواض المائية التي تشكل صمام أمان لتخزين المياه والتصدي مؤقتا لندرتها وللعجز الحاصل، في وقت وظروف محددين في غياب فائض تضامني بجل المناطق هو الأمر الذي يصعب من إمكانيات الربط والتوريد بين مصادر الماء بالجهة.
ومن أجل مسايرة المخطط الوطني للماء بالجهة، كان من المفروض، بل وحريا بالجهات المتدخلة التدارس بفعالية برامج عمل وبرمجة استثمارات عمومية كفيلة بتحقيق الالتقائية الناجعة، مع الرفع من مستوى الاستثمارات العمومية في العالم القروي، لتواجد جل مصادر الماء بهذه المناطق التي تعاني نقصا كبيرا في تطوير بنياتها التحتية القادرة على تجاوز الأعطاب التقليدية المرتبطة بالحاجيات من المياه، وبالتالي تحقيق وتزيل المقاربات التشاركية العميقة والجادة.


الكاتب :   حسن مرتادي

  

بتاريخ : 21/02/2024