سنوات رئاسة مجلس النواب في المغرب
بالحرصِ نَفْسِه على هذا التقليد الشخصي، أحاول أن أقف الموقفَ نَفْسَه تُجاهَ مَهَامّي على رَأْسِ مجلس النواب في المملكة المغربية خلال الولاية التَّشْريعية العاشرة (2021-2016).
وهذه المرة، حاولتُ أَنْ أُشْرِكَ معي عددًا من أطر المجلس في تجميع المعطيات وفتح ما يشبه ورشةً من الحوار الجماعي حول عملنا وأدائنا ونوعية النتائج التي حققناها. وقد وجدتُ من الأصدقاء والزملاء في مجلس النواب روحًا سمحة من الإنصات والتفاعل، إِذْ أدرك الجميع معنى هذا التقليد، وبالخصوص أدركوا أَن ذلك من أجل الإِسهام في لَمْلَمَةِ عناصر ذاكرةٍ مشتركة وترصيد التجربة التي كانت جماعيةً بامتياز من أجل المزيد من فهم واقعنا السياسي في المغرب وتأمل سيرورة نضالنا الديموقراطي في أحد أهم أمكنة الممارسة الديموقراطية.
مجلسنا في مقدمة البرلمانات الوطنية الأعضاء: (1)
في مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة OGP
كما سبق أن أكدنا على ذلك، فإن الإصلاحات الدستورية والسياسية والمؤسساتية التي راكمتها بلادنا على مدى حوالي ثلاثة عقود، والتي تسارعت وتعززت في عهد جلالة الملك محمد السادس، لم تيسر فقط انضمام بلادنا إلى العديد من الآليات والمنظمات الدولية، ولكنها جعلت مساهمتها مطلوبة على الصعيد الدولي، وممارساتنا موضوع اهتمام في النماذج المقارنة. من بين هذه الآليات نحسبُ أن مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة « Open Government Partnership-OGP »، تعتبر إحدى آليات قياس الإشراك العمومي للمجتمعات المدنية في تدبير الشأن العام، والشفافية والانفتاح وربط المسؤولية بالمحاسبة ورقمنة التدبير العمومي لما تتيحه من شفافية.
والجدير بالتذكير أن الفضل في هذه المبادرة التي أصبحت ذات طابع كوني، يعود إلى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الذي أطلقها بمجرد توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية تحت مسمى « L’Open Gouvernement Initiative » . وقد حرصت الإدارة الأمريكية على جعل هذه المبادرة في الإطار الوطني الأمريكي تتمحور بالأساس حول «الشفافية والمشاركة والتعاون». وفي خريف 2011، انضم إلى الرئيس الأمريكي في هذه المبادرة سبعة رؤساء دول وحكومات (البرازيل وجنوب افريقيا والمملكة المتحدة والنرويج والمكسيك والفلبين وأندونيسيا) لتكتسي طابعا دوليا.
ومباشرة بعد انضمام المغرب إلى مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة في أبريل 2018 (وكان العضو 76 من بين 78 بلدا عضوا إلى حدود أبريل 2021)، حرصنا في مجلس النواب على اكتساب العضوية إلى جانب المكون الحكومي بصياغة التزاماتنا إزاء هذه المبادرة والتواصل بشأنها لدى الأمانة العامة للمبادرة ولدى حلفائنا وأصدقائنا، خصوصًا من خلال برامج التعاون الدولي إذ دعم شركاؤنا ترشيح مجلسنا من خلال تثمين ما ننجزه في مجال الانفتاح والشراكة مع المجتمع المدني، والديموقراطية التشاركية والمواطنة. وكانت القمة العالمية لمبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة التي انعقدت في أواخر مايو 2019 في العاصمة الكندية أوتاوا حاسمة على طريق انضمامنا بصفتنا مجلسًا تشريعيًا إلى هذه المبادرة، وهو الانضمام الذي تجسد رسميا في شتنبر 2019.
واستند انضمام المجلس إلى هذه المبادرة على إرادة بلادنا في مواصلة مسلسل الإصلاحات المؤسساتية والسياسية، وتعزيز إشراك المواطنات والمواطنين في هذا المسلسل، وهو ما يعتبر عنصرًا حاسمًا في تعزيز ثقة المجتمع في المؤسسات.
لقد كانت بلادنا استباقية في دسترة العديد من أهداف وقيم مبادئ مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة. فالانفتاح والشفافية ومحاربة الفساد، والولوج إلى المعلومة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإشراك المواطنين في تدبير الشأن العام، هي مبادئ ومقتضيات أساسية في دستور 2011 التحرري والمتقدم إلى حد كبير في هذه المجالات : ربط المسؤولية بالمحاسبة، كفالة حق المواطنات والمواطنين في تقديم اقتراحات من أجل التشريع، وفي تقديم عرائض إلى السلطات العمومية وإشراك المجتمع المدني في تدبير الشأن العام، وكفالة الحق في الولوج إلى المعلومات، والتصدي للرشوة والفساد.
تطلب منا الانضمام كمجلس تشريعي على مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة، التعريف أولا، بهذه المقتضيات الدستورية الجوهرية. وثانيا، التواصل بشأن ما أنجزه مجلس النواب حتى قبل أن تطرح فكرة الانضمام. وثالثا، الترافع عن حقنا في هذا الانضمام وعن خطة المجلس والتعريف بأبعاد الالتزامات التي تقدم بها والتي تم تلخيصها في ستة محاور كبرى تعهدنا بتنفيذها في غضون 15 شهرًا (أكتوبر 2019-دجنبر 2020). وعلى غرار باقي المؤسسات في مختلف البلدان، لم يُسعفنا سياق الجائحة في إتمام تنفيذ التزاماتنا، وإن كنا تقدمنا بنسبة إنجاز تتجاوز 60%. وقد دفعت الجائحة الأمانة العامة للشراكة من أجل حكومة منفتحة إلى منح مهلة اختيارية مدتها سنة لكافة البلدان الأعضاء لاستكمال إنجاز التزاماتها وخططها أخذا بعين الاعتبار لظروف الجائحة، وهو ما استفادت منه بلادنا على غرار باقي الأعضاء.
وتتعلق المحاور الستة التي على أساسها حظي مجلسنا بالعضوية في هذه الآلية الدولية بـ : (1) إعمال المقتضيات الدستورية والتشريعية في مجال الديموقراطية التشاركية والمواطنة، و(2) إشراك المواطنات والمواطنين في المسلسل التشريعي و(3) إعمال المقتضيات الدستورية والتشريعية في مجال كفالة حق المواطنات والمواطنين في الولوج إلى المعلومات و(4) الانفتاح أكثر على الجمهور، وبالخصوص الشباب واليافعين من أجل تقريبهم من اشتغال مجلس النواب، و(5) إشراك المواطنات والمواطنين في عمليات تقييم السياسات العمومية و(6) إبرام شراكات مع المجتمع المدني والأوساط والمؤسسات الجامعية والأكاديمية ومؤسسات البحث العلمي.
ولم يكن سعينا إلى الانضمام إلى هذه الآلية هدفا في حد ذاته، على الرغم مما يكتسيه من أهمية في الاعتراف بإصلاحات بلادنا وجهودها من أجل الانفتاح والشفافية في تدبير الشأن العام وربط المسؤولية بالمحاسبة وإشراك المجتمع المدني في الحياة العامة، ومن رمزية وتقدير لهذه الجهود، بل إنه أكثر من ذلك إقرار آخر من جانب آلية دولية هامة، بولوجنا مجموعة البلدان الديموقراطية، فضلا عن أنه يوفر لنا إطارًا للترافع عن إصلاحاتنا المؤسساتية، والتعريف بنموذجنا الديموقراطي الحداثي وبعمق ونجاعة الإصلاحات التي نُنْجزُها. فالملتقيات التي تنعقد في إطار هذه الآلية، ومن أهمها القمة العالمية حول الحكومات المنفتحة، والفعاليات المواكبة لها، تتيح إمكانيات كبرى للتواصل بين الحكومات والبرلمانات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية.
ومن جهة أخرى، فإن معايير الشفافية والحكامة والانفتاح والإشراك واعتماد الرقمنة في تدبير الشأن العام وفي السياسات العمومية أضحت عوامل حاسمة في التقييم الدولي لمناخ الاستثمار، ولجودة الديموقراطية، وبالتالي في مدى جاذبية البلدان في مجال الاستثمارات والشراكات.
هكذا، نجحنا خلال الولاية العاشرة في ربح رهان الانضمام إلى مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة. وسيتعين مواصلة ترسيخ هذه العضوية وضمان استدامتها بالحرص على إعداد مخططات العمل المطلوبة حسب مساطر وآليات هذه المبادرة، والحرص على الوفاء بالتزاماتنا، وجعل برامجنا في هذا المجال تندرج في إطار البرنامج الوطني، الحكومي والبرلماني والمدني والترابي (الجهوي).